شكّل صعود الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، إلى سدة الحكم هاجساً لدى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على اعتبار أنّ هذا الصعود سيقوي شوكة حركة "حماس" التي كانت تسيطر على قطاع غزة آنذاك. ولم يتوانَ عباس في تهنئة عبد الفتاح السيسي، الرئيس الجديد الذي قاد انقلاباً على مرسي، بل إن الرئيس، عباس، أعلن ذلك صراحة في مقابلة تلفزيونية لقناة مصرية، قائلاً، إنّه سعيد بتولي الرئيس الجديد مقاليد الحكم، موقفاً تغول جماعة "الإخوان المسلمين" وتفردهم بالحكم.
لكن هذا الارتياح من القادم الجديد على كرسي الرئاسة في مصر، لم يدم طويلاً على ما يبدو. وبدت العلاقة باردة بين الاثنين، إذ ظهر في المشهد القيادي السابق في حركة "فتح" محمد دحلان، الخصم اللدود للرئيس عباس. وسرعان ما حظي دحلان بعلاقة أقوى بالسيسي، وبات زائراً شبه مقيم في القاهرة، بعيداً عن أضواء الإعلام.
كما تردد في أروقة السياسيين أن دحلان ساهم في التخطيط لإطاحة الرئيس مرسي. وبالنظر إلى أنّ الجامع الأكبر بين الاثنين هو دولة الإمارات التي تحتضن دحلان منذ أن أطاحه عباس من قيادة الحركة، التي قررت لاحقاً فصله وعدداً من مقربيه.
ولم يستسلم عباس لهذا التقارب بين السيسي ودحلان، فقد حاول في مناسبات عدة إبداء الدعم لنظام السيسي خصوصاً في ما يتعلق بسيناء والإرهاب وتحجيم نفوذ حركة "حماس" من خلال إغلاق الأنفاق الحدودية.
لكنّ موقع دحلان لدى السيسي بات أكثر قوة، وهو ما بدأ يثير تساؤلات عن مستقبل هذه العلاقة، وما يمكن أن تفضي إليه في ظل وجود علاقات متوترة بين تياري عباس ودحلان داخل حركة "فتح"، إضافة إلى وقوفهما في الموقع ذاته تجاه "حماس" و"الإخوان" وهو الموقف نفسه الذي تدعمه الإمارات التي تحتضن الطرفين.
وفي هذا السيّاق، كشف مسؤول فلسطيني رفيع المستوى لـ"العربي الجديد"، عن خلاف متزايد بين عباس والسيسي، وهو خلاف قديم جديد له علاقة برفض عباس التصالح مع دحلان، المقيم في الإمارات، وأحد عرابي الانقلاب العسكري في مصر.
وقال المسؤول الفلسطيني، إن السيسي اتصل هاتفيّاً بالرئيس عباس وشكره على تقديم العزاء ودعم مخطط "فرض الأمن في سيناء" وذلك ردّاً على برقية تعزية من الأخير بمقتل الجنود المصريين في منطقة القواديس، وخلال الاتصال عرّج على قضية محمد دحلان، وبدأ يعاتب عباس على رفضه التصالح معه، رغم كل العروض التي قدمت له.
ووفق المسؤول الفلسطيني المقرب من عباس، فإن السيسي أبلغ (أبو مازن) أنّ تصالحه مع دحلان، سيفيد "فتح" كثيراً، وسيمنع "حماس" من تحقيق أيّ إنجازات انتخابية، في حال جرت الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية.
ولفت المسؤول إلى أنّ السيسي أبلغ عباس أنه من دون التصالح مع دحلان، فإنّ وضع حركة "فتح" سيبقى سيئاً، وستبقى الحركة منقسمة بين تيارين، وهو ما لا يريده للحركة، في هذه المرحلة الحساسة التي يجري فيها ضرب حركات الإسلام السياسي في المنطقة.
ولا يزال عباس مصرّاً على رفض التصالح مع دحلان، وساءت علاقة أبو مازن بالإمارات كثيراً منذ احتضانها القيادي المفصول من "فتح". وسبب الخلاف في الأساس بين الرجلين، عائد إلى تهجم دحلان على أبناء عباس، واتهامهم بالتربح من اسم والدهم ووظيفته، إضافة إلى إتهامات بالفساد والتلاعب بالأموال والتآمر مع إسرائيل والتسبب في إغتيال قيادات من "فتح".
وفصلت حركة "فتح" دحلان من لجنتها المركزية في 11 حزيران/ يونيو 2011، ومنذ ذلك الوقت انقسمت الحركة التي أشعلت الثورة الفلسطينية إلى قسمين، مناصر لعباس وآخر تيار يسمى في "فتح" التوجه، في إشارة إلى أن أصحابه من أتباع دحلان.
ومنذ انقلاب الثالث من يوليو في مصر، أفردت وسائل الإعلام المصرية الخاصة والرسمية، مساحات كبيرة لدحلان للخروج عبرها، وفي إحدى المقابلات تهجم بألفاظ نابية على الرئيس الفلسطيني، وعقب احتجاج عباس وتدخل جهات في المخابرات المصرية، سُمح للناطق باسم "فتح" أحمد عساف بالخروج في البرنامج ذاته للرد على اتهامات دحلان.
لكنّ عساف، انسحب بعدما اشترطت القناة المملوكة لرجل أعمال مصري بارز، وجود ضيف آخر من المقربين من دحلان ليصبح لقاءً حواريّاً.
ويعتقد مسؤولون فلسطينيون ومراقبون، أن دحلان يُعدّ لأمر ما من مصر، وقد يكون إحلاله مكان عباس في قيادة "فتح" وفيما بعد لرئاسة السلطة الفلسطينية، وذلك بجهود مصرية واضحة، فدحلان يحظى بثقة قادة الانقلاب في مصر، إلى جانب حلوله ضيفاً دائماً على قصر الرئاسة المصري.
ومنذ الانقلاب، بات دحلان شبه مقيم في الأراضي المصرية، والتقى السيسي أكثر من مرّة، حتى قبل أنّ يلتقي السيسي بعباس.
وأبلغ الرئيس عباس أكثر من مرّة المقربين منه، وفق مصادر "العربي الجديد"، أنه يشعر بأنّ محاولات الدفع بدحلان إلى الواجهة صارت أمراً واضحاً وخصوصاً من السيسي، لكنّ عباس يخشى الصدام بالسيسي المدعوم من السعودية والإمارات، اللتين تدعمان ميزانية السلطة الفلسطينية بالمال سنويّاً وتسدان أيّ عجزٍ في موازنتها.
وأضاف المسؤول الفلسطيني أنّ مقبل الأيام قد يكشف الكثير عن خيوط هذه العلاقة، وما يمكن أن تفضي إليه على صعيد الوضع الفلسطيني، سواءً داخل حركة "فتح" أو على صعيد المجمل الفلسطيني، مشيراً إلى أنّ أموراً من هذا القبيل قد تتكشف قريباً.