تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته.
■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟
- في عقد التسعينيات، كان قارئي يتلخّص في مجموعة دوائر صغيرة ومغلقة تهتم بالشعر، وأغلبها بالطبع من الشعراء المجايلين والجيل الأكبر والمهتمين، وأهمية هذه الدوائر أنها تمارس قراءتها كدوائر متخصّصة، ولكن أيضاً عيبُها الأكيد أنها كانت تبني مفهومها للشعر من واقع ثقافتها الخاصّة وتجربتها المحدودة، بعد فجوة شعرية بدأت بعد الستينيات. أما الآن فأعتقد أن هناك قارئاً آخر لي، بعد انفتاح المجال مع الأجيال الجديدة وأشكال النشر المتعدّدة والتواصل في الميديا، وبكلّ تناقضاتها، ولكنها فتحت أفقاً جديداً للقراءة، وأيضاً لتنوّع القراءة الذي قد يصل إلى حدّ العشوائية. يبدو أن هذه اللحظة ردّ فعل للحظة السابقة، وكلاهما ليسا مؤشراً جيداً. ولكن أؤكد أن هذا الانفتاح، بالنسبة إليّ شخصياً، صنع حواراً مع قارئ مختلف لم يكن موجوداً من قبل، وأمدَّ في عمر تجربتي.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟
- من خلال تجربتي في النشر، أذكر دار "شرقيات" لصاحبها الأستاذ حسني سليمان، وهي الدار التي رافقت بدايات التدوين لجيل التسعينيات. لم تكن هناك تجربة نشر بالمعنى الدقيق أو المتعارف عليه، لأننا كشعراء وكمثقفين، وحتى بالنسبة إلى دار النشر، كنا نقف في جانب، وهناك مجتمع غير عابئ ولا يعرف ماذا نفعل في الجانب الآخر. فكلّ تجربة كانت محرومة من إمكانية الحوار الجاد مع الثقافة، أو تمثيل الثقافة بداخلها، إلا بشروط خاصة.
■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
- النشر الآن مفتوح دون أي ضابط، أو معيار تقييم، بسبب اتساع الميديا، فبعد الاختناق الذي مرّ به النشر سواء في إمكانيته، أو في التقييم، حتى نهاية التسعينيات؛ انفتح الآن "المجال العام". وأقصد "المجال العام" بالمعنى السياسي الذي اقترحه المفكر الألماني يورغن هابرماس، بما هو مجال يضمّ الجميع، مثل الشارع الكبير الذي نقف فيه جميعاً وينقسم إلى عدّة زوايا ونوادٍ ومقاهٍ وبيوت وحدائق، نناقش فيه مباشرة أمور حياتنا. أصبح النشر الآن مفتوحاً بهذا القدر بعد أن فقد خصوصيته السابقة والنوعية. بمعنى أن انفتاح المجال العام على اتساعه هو الذي جذب الشعر لتقاليده، وليس العكس.
■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟
- أحياناً أنشر شعري على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تجربة لها أهميتها، كون وسائل التواصل أصبحت من المنافذ القليلة للنشر بعد تقلّص دور النشر التي تنشر الشعر. وأعتقد أن النشر على وسائل التواصل أفاد الكثيرين، في فكرة كسر الحاجز مع القارئ، وكأن هناك جانباً آخر يسمع وينصت. ولكن يبدو أن هناك على الجانب الآخر مجتمعاً عشوائياً غير منظم، لذا قدرته على الحوار مع أية تجربة شعرية وتطويرها ضعيفة.
■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟
- الأجيال الجديدة التي تقرأ بأثر رجعي، وتتعرّف على الشعراء والأفكار والتجارب بأثر رجعي، وأغلب هذه الأجيال هي التي جاءت مع وسائل التواصل الاجتماعي، خلقت نوعاً من الرواج للقراءة، وأيضاً خلقت "بلبلة" ما، بسبب ذائقتها، أعادت بعث أسماء منسية، وقضت على أسماء معروفة، وأحيت أفكاراً تم تجاوزها، وقضت على أفكار صالحة للنقاش دوماً، وكل هذا ليس بسبب عملية فرز واختيار، ولكن بسبب عمليات الإنتاج الكثيف، غير النوعي، للقراءة التي تحدث الآن.
■ هل توافق أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟
- نعم، لأن التجارب الأخرى المترجمة مرّت على سياقات نوعية عديدة لكي تكون لها الجدارة لأن تنشر على المجال العام، أما الشعر العربي، فلم يمرّ بهذه السياقات النوعية، إلا القليل بالطبع، وأتحدث أكثر على السبعينيات وما بعدها.
■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟
- حميميته، الروح الجمعية التي تقف وراء صوت الفرد.
■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟
- صلاح عبد الصبور، وبدر شاكر السياب، ومحمود حسن إسماعيل في "أغاني الكوخ"، وبسام حجار، ووديع سعادة. أعتقد أن هؤلاء يمكن استعادتهم في هذا الوقت. ولكن فكرة "الاستعادة" نفسها قد لا تكون صالحة الآن، أخشى أن أقول إنه يصعب الآن الاستعادة، وكلّ الاستعادات التي تحدث في وسائل التواصل الاجتماعي الآن هي نوع من "تصفية" حنفية الشعر، فهناك تراكم غير تاريخي لمفهوم الشعر والشعراء في العالم العربي.
■ ما الذي تتمناه للشعر العربي؟
- الجدل والحوار.
بطاقة
شاعر مصري، من مواليد الإسكندرية عام 1960. تخرّج من كلية العلوم/ قسم كيمياء حيوية، وبدأ النشر في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وقد صدرت له سبع مجموعات شعرية، من بينها: "كرسيان متقابلان" (2006)، و"تحت شمس ذاكرة أخرى" (2012)، و"لمرة واحدة" (2015). من أعماله الأخرى: "أشباح بيت هاينريش بل" (رواية، 2017)، "أكتب إليكِ من بلد بعيد" (أدب رحلات، 2016)، و"مسار الأزرق الحزين" (مذكرات، 2015).