هناك حرب تندلع

27 أكتوبر 2014
الحرب في العادة لا تنتظر النائمين (ابراهيم شلهوب/فرانس برس)
+ الخط -
يرنّ المنبّه مثل نعيق بومة في الصباح. مُزعج ومؤذ هذا الصوت كثيراً. قُم. استيقظ. يصرخ بكل استفزازاته ورنّاته القاسية. هذا يوم جديد من حياتك الفارغة. قُم واذهب إلى العمل أو المدرسة أو الجامعة، إذا تمكنت من الوصول إليها، ولم يوقفك حاجز لمسلّحين موتورين في الشارع أو حدث أمني لم تتوقّعه.

قُم وافتح زجاج النافذة وتفرّج على الصباح الذي لم يعد مثل بقية الصباحات. غاب الأمل من السماء ولم يعد يظهر مع الشمس. قُم وافتقد لليمامات الأخيرة التي ما عادت تأتي إلى المدينة. ارتفعَ الإسمنت كثيراً في وجهها وقُطعت الأشجار الأخيرة التي كانت تستريح عليها. هاجر الأهل والأصحاب إلى البلاد البعيدة، فلماذا لا تهاجر اليمامات من المدينة؟

قُم، صاح المنبّه. أسرع. لملم تفاصيل يومياتك العادية واجمعها وأنهِ كل ما يتوجّب عليك من التزامات الحياة قبل أن ينتهي اليوم. خزّن المعلّبات واشترِ الماء والغاز والشمع والبطاريات والوقود. لن تملّ من تكرار هذا الأمر. فقد ورثته عن أهلك وأتقنته منذ الطفولة. وإن أسعفك حظ الناجين في الحياة، فستورّث هذا التكرار لأبنائك. قُم وتحسّر على الكهرباء المقطوعة، وتذكّر أنك حلمت بها دوماً في ليلك وفي نهارك، وعزِّ نفسك ولا تُمنِّها بالمستحيل. فهذا حلم لن يتحقق في أيامك.

قُم وراقب كيف تحاك الفتن والمؤامرات من حولك، وكيف تكون مشاهداً بلا حول ولا قوّة. أنت مجرّد ضيف في بلاد لا تراك ولم تنتبه إليك يوماً. ظننت لوهلة بأنك مواطن. انفض عنك هذا الوهم أو دع المعالج النفسيّ يتولّى هذه المهمّة. قُم وحاول أن تفتح عينيك جيداً. اغسلهما بالماء والصابون فقد غطتهما غشاوة التوقعات الكثيرة. وافتح أذنيك فقد خدّرتهما الوعود الرنّانة التي حاكها خيالك الخصب.

قُم واركض إلى شركة التأمين وحاول ألا تضايق الموظّف اللئيم صاحب الضحكة الخبيثة. ففي بلادك، التأمين أهم من الإيمان. قف على باب طوارئ المستشفى وستتأكد بنفسك من هذا الأمر.

قُم واقرأ رواية أجنبية عن أماكن وأزمنة أخرى حلمتَ بها دائماً. استمع إلى موسيقى رقيقة وتمشّ قليلاً على الكورنيش مع من بقي لك من الأصدقاء. اشربوا القهوة وتأملّوا بالبحر واضحكوا بصوت عال. افعل ذلك اليوم. ففي بلادك لا تتكرّر الفرص المهمّة مرّتين.

قُم يا رجل.

هل ما زلت نائماً؟ قُم وانجُ بنفسك، صاح المنبّه. استفق من أحلامك. فإن هناك حرباً تندلع. والحرب، في العادة، لا تنتظر النائمين.

(إلى ميرنا)
دلالات
المساهمون