كثيرات هنّ الشابات اللواتي لا يحالفهن الحظ في إيجاد فرص عمل بعد التخرّج من الجامعة. لذلك، يضطررن إلى البحث عن وسائل أخرى للعيش، حتى لو عملن في مجالات مختلفة كلياً. هنايا زيدان، واحدة من هؤلاء، تتحدّر من طيرة حيفا في فلسطين، لكنها ولدت وعاشت في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا (جنوب لبنان).
تخرجت زيدان من الجامعة اللبنانية، وقد حازت على إجازة في اللغة العربية وآدابها في عام 2002. بعدها، عملت كمدرّسة في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، من دون أن تتمكن من الحصول على وظيفة ثابتة. في نهاية المطاف، ها هي تعمل بائعة في دكان صغير لسكاكر الأطفال. وهذا الدكان ملك عمّتها التي تعيش معها في غرفة صغيرة، يكاد سقفها يسقط فوق رأسيهما. مع ذلك، تلفت إلى أن عملها في الدكان يؤمّن لها القليل من المال.
تحكي قصتها لـ"العربي الجديد"، فتقول: "بعد ولادتي بفترة وجيزة، توفيت والدتي. عشت مع عمتي بعدما تزوّج والدي. مذ كنت صغيرة، تعلّمت في مدارس الأونروا في المخيم. ولطالما رغبت في متابعة تعليمي حتى أستطيع الحصول على وظيفة تضمن لي العيش الكريم. لم تكن ظروف تعليمي الجامعي سهلة. على الرغم من أن التعليم كان مجانياً، إلا أنه كان يصعب عليّ تأمين سعر الكتب، وبدل إيجار سيارة النقل". تضيف: "تعثّرت مرات عدة. وفي بعض الأحيان، كنتُ أتوقف عن الدراسة نتيجة وضعي المادي. لكن رغبتي في التعلّم كانت أقوى من أن أبقى في البيت. تابعتُ تعليمي وتخرجت من الجامعة اللبنانية، وأحمل اليوم إجازة في اللغة العربية وآدابها". وتشير الشابة إلى أنها صرفت على نفسها، طوال حياتها، ولم توفّق في الحصول على وظيفة بعد تخرجها بسبب "الواسطة". وقد حاولت أيضاً البحث عن عمل في مدارس خاصة من دون أن توفق، مشيرة إلى أن "هذا التخصص ليس مطلوباً في المدارس بكثرة".
اقرأ أيضاً: دبس الرمان أغناها عن الآخرين
حينَ عجزت زيدان عن تأمين وظيفة لها في مجال تخصّصها، اختارت العمل في المجال الاجتماعي بدعم من أحد معارفها. في هذا السياق، التحقت بدورة لمدة شهرين في الاتحاد الفلسطيني، وحصلت على شهادة. في وقت لاحق، التحقت بمعهد نرويجي وعملت في المجال الاجتماعي، وإن بشكل متقطع. تضيف: "بسبب هذا العمل غير المستقر، ارتأت عمتي فتح دكّان صغير قرب البيت في المخيم، نستطيع من خلاله تأمين مصاريفنا اليومية، وإن كان المبلغ الذي نحصل عليه شهرياً يعد بسيطاً، وبالكاد يكفينا". تتابع أنه خلال الموسم الدراسي، "أدرّس أولاداً في المخيم، إلا أن البدل المادي فيه يكون أقل من المدن، بسبب أوضاع الناس الاقتصادية". تجدر الإشارة إلى أن لدى زيدان ستة أشقاء، تزوّج بعضهم، في حين ما زال آخرون يعيشون مع والدها وزوجته في البيت.
لا تطمح زيدان أن تعمل في الدكان طوال حياتها، فهي ترغب في متابعة تعليمها، لأنّ "العلم يحمي الفتاة في هذا المجتمع". لذلك، تبدو مصرة على متابعة دراستها العليا. وبالفعل، قصدت الجامعة اللبنانية في صيدا، واطلعت على الأوراق المطلوبة لتتمكن من متابعة دراستها. لكن المشكلة تكمن في عدم قدرتها على تأمين جميع المصاريف، من شراء الكتب وإجراء الأبحاث وغيرها.
على الرغم من الظروف الصعبة التي عانت منها زيدان في حياتها، إلا أنها لم تفقد الأمل. تقول إن حظها في هذا العالم كان قليلاً، لكن ذلك لن يثنيها عن متابعة حياتها العملية، والبحث عن عمل يتناسب وتخصصها العلمي. وعن عملها في الدكان، تقول: "على الرغم من صغر الدكان الذي أعتاش منه وعمتي، إلا أنني لا أشعر بالحرج بسبب عملي كبائعة". برأيها، هذا أفضل بكثير من أن تضطر إلى طلب المساعدة من أحد. وحتى اليوم، ما زالت تأمل أن يُسمح للفلسطينيين في لبنان بمزاولة جميع المهن.
أحلامها بسيطة. هذه الشابة التي لم تحظ بطفولة عادية، خصوصاً بعد وفاة والدتها وعيشها بعيداً عن كنف عائلتها وأشقائها، إلا أنها ما زالت تنظر إلى الحياة بتفاؤل، وترغب في تحقيق أهدافها.
اقرأ أيضاً: أنس يبحث عن حلمه الضائع