تتسارع التطورات الميدانية في مدينة دير الزور شرقي سورية وفي ريفها الشمالي، حيث بدأ يوم السبت ما يمكن تسميته بالسباق نحو معاقل تنظيم "داعش"، بين قوات النظام السوري المدعومة من الروس، وبين "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من "التحالف الدولي" بقيادة واشنطن التي تبدو مهتمة بالسيطرة على هذه المحافظة المترامية والغنية بالنفط. وعلى الرغم من أن معركة دير الزور لا تزال في أيامها الأولى، إلا أن هواجس متعددة بدأت تطفو على السطح في ظل غياب المعارضة السورية التي تمثلها فصائل عربية عن المعركة التي من المتوقع أن تطول، خاصةً في الريف الشرقي حيث الثقل الرئيسي للتنظيم.
وتثير معركة دير الزور مسألة جوهرية وهي الدور المفترض للعشائر العربية التي تقطن المنطقة، وهي عشائر متماسكة لن تسمح لقوات تتبع للوحدات الكردية بالتوغل في ريف دير الزور الشرقي، الذي سيشهد معارك شرسة مع التنظيم، بحسب محللين.
وأعلن مصدر عسكري في قوات النظام، أمس الأحد، أن "طلائع وحدات الجيش العاملة على محور السخنة-دير الزور بالتعاون مع القوات الرديفة، وصلت إلى الفوج 137 ومنطقة البانوراما، ووسعت نطاق سيطرتها في المنطقة"، فيما ذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام، أن طريق دمشق-دير الزور الدولي، أصبح لأول مرة منذ أربع سنوات تحت سيطرة قوات بشار الأسد.
وكان جيش النظام قد أعلن مساء السبت كسر الحصار المفروض على مطار دير الزور، والأحياء السكنية المجاورة له، مشيراً إلى أن القوات المتقدمة من منطقة المقابر التقت مع حامية مطار دير الزور في "لواء التأمين". في المقابل، أعلنت قيادة قوات حملة "عاصفة الجزيرة" أنها حققت تقدماً وصفته بـ"السريع" باتجاه دير الزور في اليوم الأول من الحملة التي يشكّل "مجلس دير الزور العسكري" التابع لـ"قوات سورية الديمقراطية" عمادها الرئيسي. وأشارت إلى أنها استعادت السيطرة على قرية العربيدي الواقعة على الطريق الرئيسية على محور أبو فاس-دير الزور، كما أكدت السيطرة على مرتفعات العجيف جنوب القرية، إضافة إلى قرية المالحة، وحقول آبار البترول في تلك المنطقة.
ورجحت هذه المصادر أن تتأخر معركة الريف الشرقي لدير الزور "حتى تتبلور التفاهمات بين الروس والأميركيين، خاصةً لجهة القوة التي تدخل المنطقة"، معربةً عن اعتقادها "بأن هناك مصلحة روسية-أميركية مشتركة بإبعاد إيران عن معركة دير الزور كي لا يتحقق مشروع طهران في إنشاء طريق بري يربطها مع البحر الأبيض المتوسط".
وقد غادرت بعض هذه الفصائل بالفعل منطقة البادية باتجاه الشمال مثل "جيش مغاوير العشائر" استعداداً لدور محتمل في معركة دير الزور. وهناك ضغوط تمارس على الفصيلين الرئيسيين في البادية وهما: "أسود الشرقية" و"أحمد العبدو" من أجل تسليم مناطقهما في البادية لقوات النظام السوري، والدخول إلى معسكرات تدريب في الأردن، قبل الانتقال إلى الشمال الشرقي من أجل المشاركة في معركة دير الزور، وهو ما يرفضه هذان الفصيلان حتى الآن، ويصران على مواصلة قتال قوات النظام في البادية السورية.
وثمة تسريبات تؤكد أن الفصيلين توصلا إلى اتفاق بالفعل مع الجانبين الأميركي والأردني يقضي، في المرحلة الأولى، بوقف العمليات القتالية ضد قوات النظام السوري والانتقال إلى الأردن قبل الانطلاق من هناك نحو الشدادي للانضمام إلى المعركة ضد تنظيم "داعش" في ريف ﺍﻟﺤﺴﻜﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻲ، ﻭﺩﻳﺮ ﺍﻟﺰﻭﺭ. وتحدثت مصادر مطلعة عن نية الأميركيين إنشاء قاعدة مستقلة لـ"جيش مغاوير الثورة" في محيط دير الزور، للمشاركة في العمليات العسكرية. لكن قائد "المغاوير"، مهند الطلاع، نفى ذلك وأشار إلى مفاوضات مع الجانب الأميركي لتشكيل "جيش وطني" في المنطقة الشرقية لمحاربة "داعش"، نواته "مغاوير الثورة"، وهو مشروع يبدو أن العمل عليه تجمّد الآن، ولم يعد أولوية أميركية.
وتدرك "قوات سورية الديمقراطية"، التي اشترطت أن تعمل فصائل "الجيش الحر" ومقاتلو العشائر تحت قيادتها، أن هناك إشكالية كبيرة في استحواذها على "حصة" كبيرة في معركة دير الزور، بسبب الحساسية الشديدة تجاه دور الأكراد فيها من جانب أهالي محافظة دير الزور ذات الوجه العربي، والذين يرفضون دخول قوات كردية إليها. وذكرت مصادر معارضة أن ممثلين للعشائر العربية في المنطقة الشرقية يستعدون لعقد مؤتمرهم الأول، قريباً في العاصمة التركية أنقرة، لاتخاذ قرارات تطالب بإخراج "قوات سورية الديمقراطية" من المناطق التي استولت عليها شمالي البلاد وشرقها. كما يعمل النظام على مؤتمر مماثل في العاصمة دمشق، في مؤشر واضح على إدراك كل أطراف الصراع للدور المحوري للقبائل في حسم معارك محافظة دير الزور وتحديد مستقبلها.