هواجس الائتلاف السوري من "موسكو 1"

07 يناير 2015
يخشى الائتلاف تعويم نظام الأسد في موسكو (فرانس برس)
+ الخط -
مع بدء وزارة الخارجيّة الروسيّة الإعداد بشكل صريح لعقد مؤتمر "موسكو 1"، في العشرين من الشهر الحالي، بهدف جمع مختلف أطياف المعارضة السورية مع نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، تحت رؤية لا تزال مجهولة، يبدو التوجّس سيّد الموقف، خصوصاً من جهة "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية".
وفي حين لم تتردّد "خارجية" النظام السوري في اعلان موافقتها على الدعوة في اليوم ذاته، وترحيب قوى المعارضة في الداخل السوري بها، لم يصدر "الائتلاف" بياناً رسمياً يحدّد فيه موقفه النهائي من مؤتمر موسكو، لكنّ رئيسه المنتخب، خالد خوجة، لم يتأخر عقب انتخابه، أول من أمس، في تأكيد رفضه لأي حوار مع نظام الأسد، مشيراً إلى أنّ الحوار حسبما تدعو موسكو إليه "غير وارد بالنسبة إلينا".

ويبدو حذر الائتلاف مبرراً، إذ يشكل هذا المؤتمر، لأسباب عدّة، خطراً سياسياً كبيراً في هذه المرحلة من عمر الثورة السورية. وربما تُعدّ وثيقة جنيف الصادرة في 30 مايو/أيار 2012، إحدى أهم تلك الأسباب، باعتبار أنّها تُمثّل شبه قاعدة متّفق عليها بالحد الأدنى، لأيّ حل سياسي محتمل. وتحوّلت الوثيقة من مجرد إعلان سياسي إلى قرار دولي ملزم، بعدما تبناها مجلس الأمن بالكامل في قراره رقم 2118 الصادر في 27 سبتمبر/أيلول 2013.

وتريد موسكو بدعوتها الائتلاف لحضور المؤتمر، كفصيل من مجموعة فصائل المعارضة،  أن تفتح ثغرة تسمح للنظام بالتخلّص من تنفيذ بيان جنيف الملزم بموجب القانون الدولي، وذلك عبر إلغاء وجود الطرف الثاني وتحويله من طرف واحد، إلى أطياف غير محددة. وتظهر مراجعة وثيقة جنيف، التي تفترض وجود طرفين مفاوضين لإتمام أيّ حلّ سياسي، أنّ النظام محدّد وواضح ومتعيّن، باعتباره الطرف الأول، بينما الطرف الثاني والذي يفترض أن يكون هو الشريك في العمليّة السياسيّة غير مُحدّد بذاته، بل مُحدّد بصفته.

وفي سياق متّصل، يوضح عضو الوفد المفاوض في جنيف، ورئيس حزب "الجمهورية"، محمد صبرا، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الفقرة (أ) من المادة 9 من النص العربي لوثيقة جنيف، تقول إنّ هيئة الحكم الانتقالي، تؤلّف بالموافقة المتبادلة بين الحكومة الحالية وبين المعارضة". ويشير إلى أنّ "كلمة المعارضة هنا جاءت من دون تعيين بالذات، وبالتالي كلّ من يحمل صفة المعارضة أو يدّعي حمله لها، فإنها تشمله، وخصوصاً أنّ الوثيقة قد صدرت في وقت لم يكن الائتلاف فيه قد تشكّل في حينها". ويلفت كذلك إلى أن "المجلس الوطني، الذي كان قائماً، لم يشارك بصفته هو المعارضة، مما يعني أن الطرف الآخر المفترض به أن يقود المرحلة الانتقالية هو طرف مجهول بذاته، معيّن بصفته، وهنا مكمن الخطورة لأن هذه الصفة، أي المعارضة، تشمل طيفاً واسعاً، مثل الأحزاب التي تمّ ترخيصها من قبل النظام في ظل قانون الأحزاب الذي صدر أخيراً".

ويعتبر صبرا، الذي شغل منصب المستشار القانوني السابق لرئيس الائتلاف، أنّ "التطور البارز الذي حدث هو صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 262/67 في 15 مايو/ أيار 2013، والذي يرد في الفقرة 26 منه "الترحيب بإنشاء الائتلاف باعتباره يضم المحاورين، الذين يمثلون فعلياً تلك القوى اللازمة لعملية الانتقال السياسي، ونقلها من التعريف بالصفة للتعريف بالذات". لكنه يضيف أنّ "مشكلة هذا القرار أنه صادر عن الجمعية العامة، وقراراتها هي مجرد توصيات وليست قرارات ملزمة".
وتُعدّ رسالة الدعوة التي وجّهها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى "الائتلاف"، للمشاركة في مؤتمر جنيف، وفق صبرا، التطور الآخر اللافت. ويقول إنّه "على الرغم من عدم ذكر كلمة الائتلاف في متن الرسالة، لكنّ توجيهها وترويسها باسم رئيس الائتلاف، وورود كلمة الطرفين التي تكررت في الرسالة يفيد بشكل واضح بأننا إزاء طرفين هما النظام والائتلاف الوطني، وليس المعارضة، وهذه قضية أساسية ومهمة للغاية".

وبعيداً عن خطورة الجانب القانوني المترتّبة على ذهاب الائتلاف إلى مؤتمر موسكو، والذي يهدد كينونة الائتلاف كممثل شرعي للثورة السورية وتعويمه كأي فصيل من معارضة الداخل، فإن هذه الزيارة، ستكون فرصة رابحة لثلاثة أطراف، من المؤكد أنّ الشعب السوري ليس أحدها. فالمؤتمر، في حال عقده، يشكّل فرصة للجانب الروسي لاستعادة نشاطه الدبلوماسي على الساحة الدوليّة، خصوصاً في ظل ما تمر به روسيا من أزمة اقتصادية خانقة.

في المقابل، يُعد المؤتمر، بالنسبة لدول الغرب، فرصة للتملّص من التزاماتها الدوليّة تجاه الشعب السوري، وهو ما يظهر في صمتها إزاء التحرّكات الروسية الأخيرة. فلم يصدر أي تعليق أميركي أو أوروبي على نشاط روسيا المكوكي بخصوص هذا المؤتمر. أما الرابح الأكبر فسيكون الأسد نفسه، من ناحية تخفيف الضغط السياسي والدبلوماسي والعسكري عن نظامه، وهو ما يخشاه قياديون في "الائتلاف".
وإلى جانب خشية الائتلاف من الشخصيات المدعوة وطريقة موسكو في توجيه الدعوات لشخصيات بعينها، متجاهلة الكيانات السياسية التي ينتمون إليها، يبدو أن المؤتمر المرتقب يفتقر إلى أية ضمانات دوليّة أو سقف زمني وشروط مسبقة وأطر واضحة للتفاوض، وهو ما أشار اليه نائب وزير الخارجيّة، ميخائيل بوغدانوف، في زيارته الأولى للمعارضة السورية في إسطنبول. وبذلك، لن يتعدى المؤتمر كونه دردشة سياسيّة، إن تمّت، ستكون أشبه بإطلاق رصاصة الرحمة على ما أُنجز في السنوات الأربعة الماضية، من التزامات دولية تجاه الشعب السوري، إضافة إلى تقوية المحور الروسي الذي عطل 3 قرارات دولية في مجلس الأمن على حساب الشعب السوري، ويحاول الآن، وفق معارضين سوريين، تعطيل ما استطاعت المعارضة السورية تحصيله من قرارات والتزامات دولية سابقة، وإن كانت ضئيلة.

المساهمون