بدأت الفنان اللبنانية الفرنسية هوغيت كالان (1931) التي رحلت اليوم الثلاثاء في بيروت، مشوارها في الرسم نهاية أربعينيات القرن الماضي، تحت إشراف الفنان الإيطالي فرناندو مانيتي الذي كان يقيم في لبنان، لتتبلور تجربتها بشكل واضح في الستينيات.
ارتبطت الراحلة ابنة أول رئيس للجمهورية اللبنانية بعد الاستقلال بشارة الخوري، باسم زوجها الفنان بول كالان وحملت اسمه، ودرست الفن وهي في الثالثة والثلاثين من العمر في "الجامعة الأمريكية" في العاصمة اللبنانية، وأقامت معرضها الأول عام 1970.
أوضحت كالان في تصريح صحافي لها بأنها تعتبر نفسها "فنانة خط"، في إشارة إلى الخطوط الدقيقة لأعمالها المستوحاة من الفسيفساء البيزنطية والسجاد المنسوج يدوياً الذي غطّى جدران مسقط رأسها في بيروت ومنزل الطفولة، وقد غادرت إلى باريس حيث درّست الفن وأقامت هناك نحو خمس عشرة سنة، ثم انتقلت إلى لوس أنجليس الأميركية.
شكّل رحيل والدها عام 1964 نقطة تحوّل أساسية في حياتها، سواء على صعيد أعمالها التي اتجهت نحو تحرّر أكبر، أو في حياتها الشخصية، وهي التي شكّلت ثيمة الجسد بالنسبة لها هاجساً على عدّة صُعد انعكست بطرق مختلفة في أعمالها وحتى في طريقة عيشها.
تنوّعت تجربتها بين الرسم والنحت والنسيج وتصميم الأزياء، وأقيم لها معرض استعادي في "مركز بيروت للمعارض" عام 2013، احتوى نماذج من مختلف مراحلها عبر خمسين عاماً، وقد عكست تصاميم ملابسها روحاً شرقية سواء في اختيار الألوان أو في رسوماتها ذات الطابع الزخرفي المتحرر من قيود الزخرفة.
كما ضمّ المعرض آنذاك، مجموعة من أعمال البرونز، إلى جانب بعض الأعمال الخشبية وجدارية قماش كبيرة قدمت فيها وجوهاً كبيرة بلا شفاه وشفاهاً بلا وجوه على خلفية مخططة، في توظيف لفكرة الطباق البصري، وقد رسمتها بلعبة غرافيكية تجمع بين السلاسة والفكاهة.
وقدّمت كالان العديد من الأعمال الخشبية التي تتكوّن من مستطيلات هندسية اعتمدت فيها التنويع الزخرفي أيضاً، مع المزيد من التكوينات الحرة، إضافة إلى منحوتاتها البرونزية، التي مزجت فيها بين التشخيص والتجريد معاً، مع نكهة سوريالية في تناول الأحجام والكتل.
هكذا كان مسارها نموذجاً فريداً في التمرّد والتحرّر كرّسته الفنانة اللبنانية ضمن مسارين متلازمين؛ الفن الذي لم تغب عنه الجرأة في الطروحات وفي التجريب المستمر، وكذلك في نمط حياتها وأفكارها المخالفة للسائد.