هولاند يقود وساطة الفرصة الأخيرة في الأزمة اليونانية

07 يوليو 2015
هولاند يريد إبقاء اليونان بالاتحاد لأسباب سياسية (فرانس برس)
+ الخط -

يبدو الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، عازماً على تأدية دور وازن في الأزمة اليونانية بعد تصويت اليونانيين ضد سياسة التقشف وإملاءات الدائنين الأوروبيين والدوليين. وحتى قبل ظهور نتائج الاستفتاء، تفادى هولاند التعليق على الاستفتاء الذي اعتبره شأناً داخلياً، مؤكداً في الوقت نفسه، حسب مصادر الإليزيه، أنه مع بقاء اليونان في الاتحاد الأوروبي كيفما كانت نتيجة الاستفتاء. وقضى هولاند أسبوعاً صعباً بعد فشل مساعيه في التوسط بين رئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ولم يستطع فعل أيّ شيء في مواجهة تصلّب الأول وعناد الثانية، وبدا كأنه يمسك عصا الأزمة من الوسط.

غير أن هولاند عاد ليلعب على وتر الحلف الفرنسي الألماني، واستقبل ميركل في عشاء عمل في باريس رسمياً "لتقييم نتائج الاستفتاء اليوناني وتداعياته"، وبشكل غير رسمي البحث عن منفذ جديد لتحريك الوساطة الفرنسية وإيجاد صيغة لحل الأزمة اليونانية، لأن أشد ما يخشاه هو النتائج الكارثية على المستوى السياسي والاقتصادي لخروج اليونان من الاتحاد الأوروبي وفقدان مصداقيته داخلياً كرئيس اشتراكي أمام اليسار الفرنسي المتعاطف مع اليونان، وأيضاً أمام الفرنسيين بشكل عام، الذين عبّروا عن مساندتهم اليونان بنسبة 56 في المائة، حسب استطلاع للرأي نُشرت نتائجه أول أمس الأحد.

وبدا واضحاً، أن هولاند اتخذ خيار تعزيز الصداقة الفرنسية الألمانية، والبحث في رؤية فرنسية ألمانية للأزمة اليونانية، بدل الاصطدام مع التصلب الألماني الذي لن يقود سوى إلى تفاقم التشرذم السياسي الأوروبي في مواجهة الأزمة. وحسب مصادر مقرّبة من الإليزيه، فإن الفكرة الأساسية التي يبني عليها هولاند وساطته هي كالتالي: الاتحاد الأوروبي ضمّ اليونان لأسباب سياسية، وعليه أن يُبقي على اليونان داخل الاتحاد الأوروبي لأسباب سياسية أيضاً. ويسود اعتقاد في أوساط الحزب الاشتراكي الفرنسي، أن هولاند سيوضح لميركل بكثير من اللباقة، أن فرنسا ستشهر ورقة فيتو في وجه أي قرار أوروبي باستبعاد اليونان من الاتحاد الأوروبي بطريقة يعتبرها مهينة، ليس في حق تسيبراس، بل في حق الشعب اليوناني. كما أن هولاند سيحاول إقناع ميركل بأن طرد اليونان من الاتحاد سيزيد من مشاعر عداء اليونانيين ضد أوروبا، ويجعلها ترتمي نهائياً في أحضان روسيا التي ستكون هي المستفيدة الكبرى من هذه الأزمة.

ونشرت الرئاسة الفرنسية في وسائل التواصل الاجتماعي، صوراً معبّرة لهولاند في المكتب الرئاسي محاطاً بمستشاريه، وأيضاً برئيس الوزراء، مانويل فالس، ووزير الخارجية، لوران فابيوس، ووزير المالية، ميشال سابان وهارليم ديزير. وكان لافتاً أن هولاند بدا في الصور منشغلاً ومستغرقاً في التفكير، وهو يمسك سماعة الهاتف، في تلميح إلى محادثات هاتفية يجريها مع رئيس الوزراء اليوناني والمستشارة الألمانية، وأيضاً رئيس المفوضية الأوروبية، كلود يونكير، ورئيس البرلمان الأوروبي، مارتان شولتز، ورئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك. وحسب بعض التسريبات، فإن هولاند قال لتسيبراس، مساء الأحد بعد ظهور النتائج، "أنا مستعد لمساعدتك، لكن عليك أن تسمح لي بمساعدتك"، ما يعني ضمناً أن هولاند يطلب تنازلات معينة من تسيبراس لإنجاح الوساطة الفرنسية.

اقرأ أيضاً: اليونانيون يتحدّون أوروبا ويرفضون بأغلبية نهائية خطة الإنقاذ

وبدا واضحاً أن هولاند، بخلاف غالبية الزعماء الأوروبيين وعلى رأسهم ميركل، حافظ على شعرة معاوية وبقي على اتصال ودّي بتسيبراس، على الرغم من أن هذا الأخير أثار امتعاض الجميع عندما فاجأهم بقرار تنظيم الاستفتاء، في وقت كانت فيه المفاوضات لا تزال جارية بين الأوروبيين واليونانيين، ولم يتم بعد الوصول إلى الباب المسدود بشكل نهائي. وهذا ما سيُعقّد العودة إلى المفاوضات، في الأسبوع الحالي، ويلقي بظلال سلبية على القمة الأوروبية التي تجري، اليوم، في بروكسيل. ذلك أن تسيبراس، حسب عدد من المعلّقين الفرنسيين، "ربح الاستفتاء في بلاده، لكنه فقَدَ الكثير من المصداقية وروح الثقة مع محاوريه الأوروبيين".

وتبدو فكرة الوساطة الفرنسية قريبة جداً من المواقف الإيطالية التي أجمعت على ضرورة عودة قوية للمفاوضات بين الاتحاد الأوروبي واليونان بعد الاستفتاء. وهذا ما عكسه تصريح رئيس كتلة الاشتراكيين الديمقراطيين في الاتحاد الأوروبي، جياني باتيلا، الذي أكد، ليل الأحد الماضي بعد ظهور نتائج الاستفتاء اليوناني، أنه "علينا ابتداء من الغد إعادة فتح المفاوضات مع اليونان على أساس موقف جديد مبنٍ على التضامن والتعاون مع الأخذ بعين الاعتبار البُعد الاقتصادي الصعب في اليونان، وستكون هذه المفاوضات فرصة للتراجع عن المواقف المتصلبة لبعض البلدان الأوروبية المبنية على الأنانية الوطنية والحسابات السياسية الداخلية".

وإذا كان هذا التصريح يلمّح إلى الموقف الألماني المتشدد تجاه اليونان، والذي تتبناه ميركل على أساس سياسي داخلي، فإنه، أيضاً، يوضح صعوبة التأرجح الفرنسي في مواجهة الأزمة اليونانية. ذلك أن هولاند يواجه تعاطف اليسار الراديكالي والخُضر وقسم مهم من الاشتراكيين أيضاً الذين حيوا نتائج الاستفتاء اليوناني، ودعوا إلى إطلاق مفاوضات جديدة مع اليونان. وهو أيضاً يواجه المعارضة اليمينية التي يتفق زعيمها نيكولا ساركوزي، الخصم اللدود لهولاند، مع الموقف الألماني المتشدد، والتي تنتقد بشدة رئيس الوزراء اليوناني الذي تعتبره زعيماً شعبوياً يحتمي بشعبه ضد القوانين والأنظمة الأوروبية. في حين أن زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، تستغل هذه الأزمة للدعوة إلى خروج فرنسا نفسها من الاتحاد الأوروبي. هكذا يجد هولاند نفسه، أيضاً، في قلب معادلة داخلية مليئة بالمزايدات السياسية، وستكون بلا شك حاسمة في تحديد نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي ستشهد منافسة شرسة لهولاند يقودها ساركوزي ولوبان.

اقرأ أيضاً: اليونان تحدّد مصير المشروع الأوروبي اليوم: أثمان الاستقلالية والتبعية

المساهمون