16 نوفمبر 2024
هولاند ينهي الاشتراكية
ليس شخص الرئيس فرنسوا هولاند وحده من خسر في فرنسا، بإعلان انسحابه من خوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرّرة في الربيع المقبل. الخسارة تطاول الحزب الاشتراكي الذي حفر تاريخاً لنفسه في الإليزيه، عبر الرئيس فرانسوا ميتران (1981 ـ 1995). وبسقوط هولاند لم يعد الحزب الضامن الأساسي ليساريي فرنسا، بل تحوّل إلى جزءٍ متناثر على امتداد الأراضي الفرنسية، مع صعود اليمين الوسط واليمين المتطرّف إلى الواجهة، وتفكّك معارضيهم.
مرحلة هولاند بين "يمينين"، يمين نيكولا ساركوزي ويمين آتٍ على الأرجح. لم يتمكن الرئيس الـ24 في تاريخ فرنسا من استيلاد حالة شعبية، بناءً على مكتسباتٍ سياسية. ربما كان رهان الاشتراكيين على هولاند فاشلاً، بمقدار رهانهم الناجح على ميتران. أصلاً المقارنة لا تجوز بين الطرفين. لكل مرحلةٍ ظروفها وأسبابها. كانت فرنسا مع ميتران تعبر مرحلة انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991) وسقوط الاتحاد السوفييتي (1991)، بتناغم مع ألمانيا ـ هلموت كول. كان تفاهم البلدين حيوياً لإنعاش الدور الأوروبي اقتصادياً وسياسياً، وساهم في توسيع الاتحاد الأوروبي وبناء قوة وازنة مالياً بين الشرق الروسي والآسيوي والغرب الأميركي. أتقن ميتران كيفية التوازن بين مساعيه لإعادة السطوة الفرنسية أوروبياً وتحسين الوضع الداخلي، وهو ما أمّن له البقاء في السلطة ولايتين متتاليتين.
أما هولاند الذي يُعتبر ثاني رئيس اشتراكي لفرنسا، لم يستطع إيجاد "الهالة" الاشتراكية، بعد سنواتٍ من حكم "الاتحاد من أجل حركة شعبية" المنتمي إلى اليمين الوسط، عبر جاك شيراك (2002 ـ 2007) وساركوزي (2007 ـ 2012). وبدلاً من أن ينجح في وضع حدٍ لتطوّر المدّ اليميني، الوسطي والمتطرّف، بات هولاند أسيراً لهما، مع "تأكيد" مختلف استطلاعات الرأي أخيراً أن ساكن الإليزيه العام المقبل، سيكون إما فرنسوا فيون (يمين الوسط)، أو مارين لوبان (الجبهة الوطنية اليمينية المتطرّفة).
لم يتمكّن هولاند من تشكيل جبهةٍ موحّدةٍ مع الألمان، بقيادة أنجيلا ميركل، لوضع حدّ لنموّ التيارات اليمينية في البلدين. كما أن مواقفه التائهة في شأن الملف الأوكراني وضعفه في القضية السورية، جعلته فريسةً سهلة للروس والأميركيين. وإذا كانت الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا في العامين الأخيرين، ساهمت في التفاف المواطنين حوله إلى حدّ ما، إلا أنه بدا دائماً في موقف دفاعي، من دون أن يبادر إلى خطوةٍ ما. مع العلم أن فرنسا، منذ أيام نابوليون بونابرت، والثورة الفرنسية، لم تكن قط دولةً "دفاعية"، بقدر ما كانت دولةً "مهاجمة"، أو أقلّه "مبادرة" بالتعريف الدبلوماسي. ومع شارل ديغول، كانت استثناءً، عوّضه صانع الجمهورية الخامسة، في محطاتٍ عدة، داخلياً وخارجياً.
المشكلة الأبرز، أن قلّة ما زالوا يريدون البقاء إلى جانب الحزب الاشتراكي، خصوصاً أن المرحلة الحالية غير مشجّعة له. يؤثر بعضهم التراجع خطوة إلى الوراء، وإفساح المجال لأحزاب يسارية أو اشتراكية أخرى، تتلقّى الهزيمة أمام اليمين في الربيع، على أن يعود الاشتراكيون لاحقاً. لكنها مغامرةٌ كبيرة، على اعتبار أن الجوّ اليميني في أوروبا غير مرشّح للاندحار سريعاً، ما لم تكن هناك شخصية فرنسية موازية لأنجيلا ميركل، تسمح بفرض شروطها فرنسياً ثم أوروبياً، لإنقاذ ما تبقى من وحدة أوروبا. باتت الوحدة الأوروبية عنواناً أساسياً لصمود ميركل في برلين، في مواجهة اليمين. تلك الجبهة لم تعد ترى في هولاند مدافعاً حقيقياً عنها، بقدر ما بات عبئاً عليها.
لعلّ صورته، وهو يسير على سجادةٍ حمراء إلى جانب ميركل، مستعرضاً حرساً عسكرياً في برلين، تُعتبر من أكثر الصور "المؤلمة" للذاكرة الفرنسية. وقتها قامت ميركل بقيادة هولاند وإرشاده، مثيراً سخرية كثيرين، بعد فشله في الامتثال للبروتوكول. "فرنسا تقود ولا تُقاد"، وهو ما لم يفهمه هولاند طوال خمس سنوات، فكان لا بدّ من التنحّي.
مرحلة هولاند بين "يمينين"، يمين نيكولا ساركوزي ويمين آتٍ على الأرجح. لم يتمكن الرئيس الـ24 في تاريخ فرنسا من استيلاد حالة شعبية، بناءً على مكتسباتٍ سياسية. ربما كان رهان الاشتراكيين على هولاند فاشلاً، بمقدار رهانهم الناجح على ميتران. أصلاً المقارنة لا تجوز بين الطرفين. لكل مرحلةٍ ظروفها وأسبابها. كانت فرنسا مع ميتران تعبر مرحلة انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991) وسقوط الاتحاد السوفييتي (1991)، بتناغم مع ألمانيا ـ هلموت كول. كان تفاهم البلدين حيوياً لإنعاش الدور الأوروبي اقتصادياً وسياسياً، وساهم في توسيع الاتحاد الأوروبي وبناء قوة وازنة مالياً بين الشرق الروسي والآسيوي والغرب الأميركي. أتقن ميتران كيفية التوازن بين مساعيه لإعادة السطوة الفرنسية أوروبياً وتحسين الوضع الداخلي، وهو ما أمّن له البقاء في السلطة ولايتين متتاليتين.
أما هولاند الذي يُعتبر ثاني رئيس اشتراكي لفرنسا، لم يستطع إيجاد "الهالة" الاشتراكية، بعد سنواتٍ من حكم "الاتحاد من أجل حركة شعبية" المنتمي إلى اليمين الوسط، عبر جاك شيراك (2002 ـ 2007) وساركوزي (2007 ـ 2012). وبدلاً من أن ينجح في وضع حدٍ لتطوّر المدّ اليميني، الوسطي والمتطرّف، بات هولاند أسيراً لهما، مع "تأكيد" مختلف استطلاعات الرأي أخيراً أن ساكن الإليزيه العام المقبل، سيكون إما فرنسوا فيون (يمين الوسط)، أو مارين لوبان (الجبهة الوطنية اليمينية المتطرّفة).
لم يتمكّن هولاند من تشكيل جبهةٍ موحّدةٍ مع الألمان، بقيادة أنجيلا ميركل، لوضع حدّ لنموّ التيارات اليمينية في البلدين. كما أن مواقفه التائهة في شأن الملف الأوكراني وضعفه في القضية السورية، جعلته فريسةً سهلة للروس والأميركيين. وإذا كانت الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا في العامين الأخيرين، ساهمت في التفاف المواطنين حوله إلى حدّ ما، إلا أنه بدا دائماً في موقف دفاعي، من دون أن يبادر إلى خطوةٍ ما. مع العلم أن فرنسا، منذ أيام نابوليون بونابرت، والثورة الفرنسية، لم تكن قط دولةً "دفاعية"، بقدر ما كانت دولةً "مهاجمة"، أو أقلّه "مبادرة" بالتعريف الدبلوماسي. ومع شارل ديغول، كانت استثناءً، عوّضه صانع الجمهورية الخامسة، في محطاتٍ عدة، داخلياً وخارجياً.
المشكلة الأبرز، أن قلّة ما زالوا يريدون البقاء إلى جانب الحزب الاشتراكي، خصوصاً أن المرحلة الحالية غير مشجّعة له. يؤثر بعضهم التراجع خطوة إلى الوراء، وإفساح المجال لأحزاب يسارية أو اشتراكية أخرى، تتلقّى الهزيمة أمام اليمين في الربيع، على أن يعود الاشتراكيون لاحقاً. لكنها مغامرةٌ كبيرة، على اعتبار أن الجوّ اليميني في أوروبا غير مرشّح للاندحار سريعاً، ما لم تكن هناك شخصية فرنسية موازية لأنجيلا ميركل، تسمح بفرض شروطها فرنسياً ثم أوروبياً، لإنقاذ ما تبقى من وحدة أوروبا. باتت الوحدة الأوروبية عنواناً أساسياً لصمود ميركل في برلين، في مواجهة اليمين. تلك الجبهة لم تعد ترى في هولاند مدافعاً حقيقياً عنها، بقدر ما بات عبئاً عليها.
لعلّ صورته، وهو يسير على سجادةٍ حمراء إلى جانب ميركل، مستعرضاً حرساً عسكرياً في برلين، تُعتبر من أكثر الصور "المؤلمة" للذاكرة الفرنسية. وقتها قامت ميركل بقيادة هولاند وإرشاده، مثيراً سخرية كثيرين، بعد فشله في الامتثال للبروتوكول. "فرنسا تقود ولا تُقاد"، وهو ما لم يفهمه هولاند طوال خمس سنوات، فكان لا بدّ من التنحّي.