من حسن الحظ أن كتابة الشعر لا تحتاج إلى مكتبة ومراجع أو ساعات عمل طويلة، كالتي يحتاجها الباحث والمؤرخ أو حتّى كاتب الرواية؛ هي أقرب إلى أزمة ربو تدهمك في لحظة غير منتظرة. تترك في دفترك ما كان خلاصك في لحظتها وما قد يصير "ثروتك" في ما بعد.. وأثناء ذلك، أنت تراكم شيفرات صندوقك الأسود لمن سيعثر عليه ذات زمن.
لا عليك إذن أيها البروليتاري المتشكّي من ندرة الوقت، أيها الموظف المبتلع في جوف وحش البيروقراطية الصغير، أيها الأسير للعائلة والواجب وسائر الأوهام الذهبية وأمك وجدتك الميتة وحبيبتك التي ستموت.
كل ما تحتاجه هو دفتر- يستحسن أن يكون صغيراً، وقلم حبر- يفضَّل أن يكون سائلاً.
من هذه التدوينات، ستستلُّ ما ستسمّيه في ما بعد شعرك (يا لوجاهة الكلمة). في أسوأ الحالات ستكون هذه اليوميات دليلك إلى نفسك، حين تنجح المؤسسة وأنظمة الضبط المختلفة في إجلائك عنها (ما أكثر النازحين عن أنفسهم هذه الأيام)؛ وهي، أي اليوميات، ستسهم على الأرجح في تماسكك. والتماسك فن لا غنى عنه، صدّقني.
أعرف، ستتحدث الآن أكثر من قاضٍ معزول، عن وعن وعن، وسائر الاستعارات الكبيرة والمغرية. أتعرف أنّ الشتات جزء من الرحلة؟ ثم إننا لم نسمع عن حجر سحقته الغربة. البشر وحدهم يفتّتون الأحجار.
هيا أسرع إلى دفترك. كل شيء بنقود إلا كتابة الشعر. هذه دفعتَ ثمنها مسبقاً ولم يعد بإمكانك شراء شيء آخر بحياة أنفقتها.