ليس بعيداً عن شخصية المصور الراحل، هيرب ريتس، التكريس. فهو إلى جانب تكريسه واحداً من أهم المصورين العالميين، كرّس نفسه أيضاً كأحد أبرز صانعي "الموضة الديمقراطية". واضعاً مفهوماً جديداً بين يدي محترفي الأزياء والتسويق، ومُخلفاً وراءه تقليداً بيروقراطياً يعارض تصنيف العارضة، على الدوام، كسلعة تجارية.
وعلى الرغم من رحيله في عام 2002، لا يزال ريتس شاغل الوسط. ويعدّ الدور الذي لعبه في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي رائداً، لا بل مؤثراً في كيفية توظيف العارضة في الصورة كعامل مدهش يثير المخيلة، ويسهم في الارتقاء بالموضة إلى مرتبة فنيّة، تخفف من استهلاكيّتها.
وتضميناً لقيمة أعماله، تستعيد باريس في معرض منوّع حيوات ريتس المهنية والشخصية عبر "دار الصورة الأوروبية". يستمر المعرض إلى نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر. يتنقل المعرض في أعمال المصور، من خلال شهادات خاصة ومقالات كتبت عنه، ومتوغلاً في إنتاجه الفوتوغرافي الذي عرف نجاحاً جماهيرياً تعدى النخبوية التي تحظى بها صور عالم الأزياء والموضة. إذ ساهم ريتس في شهرة كل من كلوديا شيفر وسيندي كرووفورد ونعومي كامبل وليندا إيفانجليستا وكريستي تورلينغتون وستيفاني سيمور، بشكل يضاهي حضورهن الآسر.
تركت الصور التي التقطها لكل واحدة منهنّ أثراً عميقاً في عالم بالغ الحساسية وكثير السقوط والهنّات. فظهرن على أغلفة المجلات والكتب والأقراص المدمجة والأسطوانات الموسيقية كنجمات صف أول. هذه الشهرة التي وضعتهن في مصاف نجمات السينما، أضافت إلى حياتهن "خصوصية" لم تحظ بها العارضات في عالم الأزياء من قبل. أصرّ ريتس في عمله اليومي مع العارضات على ابتكار حكاياتهن، والبدء من جديد في تقديمهن بشكل طازج وحيّ، بعيداً من وقاحة التجميل والعبث في كادر الصورة. فهن في رأيه لسْن فقط ترويجاً لسلعة، بل قيمة أساسية في العمل نفسه.
تحدى ريتس نفسه في مشروعه التجديدي. واجه في البداية صراعاً بنيوياً مع أصحاب الشركات الإعلانية الذين لم يقتنعوا مع توجهاته، في تحفيز العارضات على أن يكنّ عاديات، وليس في الضرورة كثيرات التبرج ويسوّقن لماركات مشهورة. العارضة أصبحت هي نفسها محتوىً خفيف الظل، ولديها مضامين ورموز تبرهنها وتعمل عليها. ولم تعد المرأة في صوره، مجرد عارضة ثياب مثيرة، ولها جسد يؤدي وظيفة تسويقية. دفع ريتس من خلال صوره العارضات إلى تقديمهن بأقل "رتوش" ممكنة، ليصبحهن ملهمات. فتنة الشكل ليست سوى برهة يحاول التقاطها. سحبها سحباً عبر العدسة، ومن ثم حدد جماليتها بعفوية تامة.
سرعان ما أثبت ريتس "نفعّية" مشروعه. فتبعه لاحقاً، طلاب التصوير الدعائي. وكان لعدسته الفضل في تحويل الموضة من مجرد عالم تتكثف فيه آليات الترويج، إلى عالم فني مليء بالتفاصيل المروية. وكأن كل صورة هي بحد ذاتها عالم مدهش لا يمكن تجاوزها بالنظر سريعاً، كما تسوق المجلات المتخصصة بماركات الأزياء، في محتواها المطبوع حينها. إضافة إلى هذا، نجح ريتس في تطوير فكرته حول "الموضة الديمقراطية" التي يمكن أن يتابعها الإنسان العادي، ويقتنيها غير الميسورين. فهدف إلى جعل الموضة سهلة التناول، وبيد الجميع.
عبقرية ريتس اكتشفت صدفة. بعد التقاطه صورة لصديقه، ريتشارد غير، في كاراج سيارات. صورة يبدو فيها ريتشارد حالماً في قميص تفوح منه رائحة العرق والسجائر، وخلفه سيارة "بويك" مرفوعة بحاملة. انتشرت الصورة في مجلات أميركية وأوروبية، حملته سريعاً إلى عالم التصوير والشهرة معاً. لم يكن ريتس قبلها سوى ابن عائلة يهودية تعيش بهدوء في لوس أنجليس، حيث عمل والده في مجال تصميم الأثاث، ووالدته مصممة ديكور للبيوت. عالم فتح عينَي ريتس على التفاصيل. تلك التفاصيل التي انشغل لاحقاً في صوره على إبرازها، وكأنها نقرات نافرة يمكن اللحاق بها عبر النظر.
بعد نجاح الصورة، طُلِب ريتس لتنفيذ جلسات تصوير متخصصة، فالتقط صوراً لبروك شيلدز، نشرت على غلاف مجلة "Elle" في طبعة 12 تشرين الأول / أكتوبر 1981، ثم تتالت العروض فصور، أوليفيا نيوتن جون، لغلاف ألبومها في العام نفسه. وبعد خمس سنوات، نفذ جلسة تصوير لمادونا، والتي تعدّ أبرز 10 صور "أيقونية" التقطت لمغنية "البوب" الشهيرة، وعنون الألبوم بـ"ترو بلو". وبفضل صوره بالأبيض والأسود المستوحاة من النمط الكلاسيكي الجديد، لعب ريتس دوراً كبيراً في موضة الثمانينات والتسعينات، وتعاون مع مشاهير تلك الفترة جميعهم، من تينا ترنر مروراً بشون كونري وجاك نيكولسون.
وفي ذروة نجاحه وتألقه، نشر ريتس العديد من الكتب المتخصصة، لمصممي الأزياء: جورجيو أرماني وريفلون ورالف لورين وشانيل وجياني فيرزاتشي وكالفن كلاين وإليزابيث أردن ودونا كاران وكارتييه وغيس وماي بيلين وتاغ هوير ولاكوست وجيانفرانكو فيري وأكورا وكوفرغيرل ولانكوم وفالنتينو.
إضافة إلى التصوير الفوتوغرافي، خاض ريتس تجربة الإخراج، فأنتج العديد من الفيديو كليبات لفناني تلك المرحلة. فأعد شريط فيديو لمادونا في العام 1989. وفي عام 1991، فاز بجائزتين من جوائز MTV، لعمله على أشرطة فيديو موسيقية لجانيت جاكسون وكريس إسحاق. وأخرج فيديو كليب لمغني "البوب" مايكل جاكسون بعنوان "في الخزانة"، والتي ظهرت فيه عارضة الأزياء الشهيرة نعومي كامبل. كما أخرج فيديو كليب لماريا كاري ولجنيفر لوبيز.
وعانى ريتس في سنواته الأخيرة من مرض الإيدز، الذي فتك به، فمات عن عمر الخمسين، في 26 كانون الأول/ديسمبر 2002.
اقــرأ أيضاً
وعلى الرغم من رحيله في عام 2002، لا يزال ريتس شاغل الوسط. ويعدّ الدور الذي لعبه في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي رائداً، لا بل مؤثراً في كيفية توظيف العارضة في الصورة كعامل مدهش يثير المخيلة، ويسهم في الارتقاء بالموضة إلى مرتبة فنيّة، تخفف من استهلاكيّتها.
وتضميناً لقيمة أعماله، تستعيد باريس في معرض منوّع حيوات ريتس المهنية والشخصية عبر "دار الصورة الأوروبية". يستمر المعرض إلى نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر. يتنقل المعرض في أعمال المصور، من خلال شهادات خاصة ومقالات كتبت عنه، ومتوغلاً في إنتاجه الفوتوغرافي الذي عرف نجاحاً جماهيرياً تعدى النخبوية التي تحظى بها صور عالم الأزياء والموضة. إذ ساهم ريتس في شهرة كل من كلوديا شيفر وسيندي كرووفورد ونعومي كامبل وليندا إيفانجليستا وكريستي تورلينغتون وستيفاني سيمور، بشكل يضاهي حضورهن الآسر.
تركت الصور التي التقطها لكل واحدة منهنّ أثراً عميقاً في عالم بالغ الحساسية وكثير السقوط والهنّات. فظهرن على أغلفة المجلات والكتب والأقراص المدمجة والأسطوانات الموسيقية كنجمات صف أول. هذه الشهرة التي وضعتهن في مصاف نجمات السينما، أضافت إلى حياتهن "خصوصية" لم تحظ بها العارضات في عالم الأزياء من قبل. أصرّ ريتس في عمله اليومي مع العارضات على ابتكار حكاياتهن، والبدء من جديد في تقديمهن بشكل طازج وحيّ، بعيداً من وقاحة التجميل والعبث في كادر الصورة. فهن في رأيه لسْن فقط ترويجاً لسلعة، بل قيمة أساسية في العمل نفسه.
تحدى ريتس نفسه في مشروعه التجديدي. واجه في البداية صراعاً بنيوياً مع أصحاب الشركات الإعلانية الذين لم يقتنعوا مع توجهاته، في تحفيز العارضات على أن يكنّ عاديات، وليس في الضرورة كثيرات التبرج ويسوّقن لماركات مشهورة. العارضة أصبحت هي نفسها محتوىً خفيف الظل، ولديها مضامين ورموز تبرهنها وتعمل عليها. ولم تعد المرأة في صوره، مجرد عارضة ثياب مثيرة، ولها جسد يؤدي وظيفة تسويقية. دفع ريتس من خلال صوره العارضات إلى تقديمهن بأقل "رتوش" ممكنة، ليصبحهن ملهمات. فتنة الشكل ليست سوى برهة يحاول التقاطها. سحبها سحباً عبر العدسة، ومن ثم حدد جماليتها بعفوية تامة.
سرعان ما أثبت ريتس "نفعّية" مشروعه. فتبعه لاحقاً، طلاب التصوير الدعائي. وكان لعدسته الفضل في تحويل الموضة من مجرد عالم تتكثف فيه آليات الترويج، إلى عالم فني مليء بالتفاصيل المروية. وكأن كل صورة هي بحد ذاتها عالم مدهش لا يمكن تجاوزها بالنظر سريعاً، كما تسوق المجلات المتخصصة بماركات الأزياء، في محتواها المطبوع حينها. إضافة إلى هذا، نجح ريتس في تطوير فكرته حول "الموضة الديمقراطية" التي يمكن أن يتابعها الإنسان العادي، ويقتنيها غير الميسورين. فهدف إلى جعل الموضة سهلة التناول، وبيد الجميع.
عبقرية ريتس اكتشفت صدفة. بعد التقاطه صورة لصديقه، ريتشارد غير، في كاراج سيارات. صورة يبدو فيها ريتشارد حالماً في قميص تفوح منه رائحة العرق والسجائر، وخلفه سيارة "بويك" مرفوعة بحاملة. انتشرت الصورة في مجلات أميركية وأوروبية، حملته سريعاً إلى عالم التصوير والشهرة معاً. لم يكن ريتس قبلها سوى ابن عائلة يهودية تعيش بهدوء في لوس أنجليس، حيث عمل والده في مجال تصميم الأثاث، ووالدته مصممة ديكور للبيوت. عالم فتح عينَي ريتس على التفاصيل. تلك التفاصيل التي انشغل لاحقاً في صوره على إبرازها، وكأنها نقرات نافرة يمكن اللحاق بها عبر النظر.
بعد نجاح الصورة، طُلِب ريتس لتنفيذ جلسات تصوير متخصصة، فالتقط صوراً لبروك شيلدز، نشرت على غلاف مجلة "Elle" في طبعة 12 تشرين الأول / أكتوبر 1981، ثم تتالت العروض فصور، أوليفيا نيوتن جون، لغلاف ألبومها في العام نفسه. وبعد خمس سنوات، نفذ جلسة تصوير لمادونا، والتي تعدّ أبرز 10 صور "أيقونية" التقطت لمغنية "البوب" الشهيرة، وعنون الألبوم بـ"ترو بلو". وبفضل صوره بالأبيض والأسود المستوحاة من النمط الكلاسيكي الجديد، لعب ريتس دوراً كبيراً في موضة الثمانينات والتسعينات، وتعاون مع مشاهير تلك الفترة جميعهم، من تينا ترنر مروراً بشون كونري وجاك نيكولسون.
وفي ذروة نجاحه وتألقه، نشر ريتس العديد من الكتب المتخصصة، لمصممي الأزياء: جورجيو أرماني وريفلون ورالف لورين وشانيل وجياني فيرزاتشي وكالفن كلاين وإليزابيث أردن ودونا كاران وكارتييه وغيس وماي بيلين وتاغ هوير ولاكوست وجيانفرانكو فيري وأكورا وكوفرغيرل ولانكوم وفالنتينو.
إضافة إلى التصوير الفوتوغرافي، خاض ريتس تجربة الإخراج، فأنتج العديد من الفيديو كليبات لفناني تلك المرحلة. فأعد شريط فيديو لمادونا في العام 1989. وفي عام 1991، فاز بجائزتين من جوائز MTV، لعمله على أشرطة فيديو موسيقية لجانيت جاكسون وكريس إسحاق. وأخرج فيديو كليب لمغني "البوب" مايكل جاكسون بعنوان "في الخزانة"، والتي ظهرت فيه عارضة الأزياء الشهيرة نعومي كامبل. كما أخرج فيديو كليب لماريا كاري ولجنيفر لوبيز.
وعانى ريتس في سنواته الأخيرة من مرض الإيدز، الذي فتك به، فمات عن عمر الخمسين، في 26 كانون الأول/ديسمبر 2002.