منذ أن وعيت على هذه الدنيا وأنا أجد للغة العربية مكانة عظيمة في بيتنا، جل عائلتي تتقن العربية بطلاقة مدهشة، تتعجب حين ترى الأم مدرسة الرسم وهي تلخص لأخيها - المتخصص في العربية - محاضراته في الجامعة أثناء عمله، وتتعجب منها وهي تجمع فقراء الحي المجاور للمدرسة وتُدرّس لهم مواد العربية صعبة الفهم على عقول الصغار. كانت أمي تشدو بالعربية في جميع أوقاتها، حتى الأغاني التي كانت تفضل أن تسمعها كانت قصائد مغناة.
كانت وصيتها الأخيرة قبل الرحيل أن أحمل لواء العائلة وأتخصص في العربية. "أريد أن أراك أستاذة فيها يا صغيرتي!". وها أنا قد أوفيت بوعدي وانتهيت من بحث ضخم عن أحد فنون العربية، كتبته حبا في أهل اللغة، ومحاولة لرد الجميل والتقرب بمحبة.
كنت أعتقد وأنا أشاهد العالم من نافذتي أن جميع البشر يعرفون العربية، ربما يتحدثونها بطلاقة. فجأتني الروايات والقصص بأن هناك عوالم أخرى كي نصل إليها يجب أن نتعلم لغتها.. كانت هذه صدمة قاسية، كيف لنا حملة اللغة أن نجبر على تعلم لغة أخرى كي نصل للعالم؟ عند هذا الحد تهاوت أحلامي على صخرة الواقع كلها، وبدأ يتسرب إلى عقلي الصغير - آنذاك - حقائق كنت أتجاهلها.
كلّ ما قرأته حدث في الماضي، جلّ العلماء الذين تتبارين في محاضرة الحضارة الإسلامية بمعرفة أسمائهم "كانوا" يا صغيرة، لم نعد كما كنا.. نحن أمة تفقد جزءا من لغتها وهويتها كل يوم! والآن يجب على الباحث تعلم اللغات كي يصل إلى المعرفة، كانت هذه أولى محطات الصدام مع الواقع.
كان العمل في مجال تعليم العربية لغير الناطقين بها أمرا مختلفا تمام الاختلاف عن واقع تعاملي مع اللغة العربية، أطفال وشباب في المرحلة النهائية من دراستهم يفقدون حس اللغة، يتناوب على قراءة كتابات "البيست سيلر" ويتبادلون كل الكلمات المبتذلة التي تهين اللغة العامية، وتجعلها صعبة المراس على ناطقيها من الأجيال السابقة، كان الأمر مختلفا مع الطلبة الأجانب، كان هناك إقبال غير مسبوق على تعلمها بلهجاتها، إتقان للقواعد، مناهج موضوعة بعناية من قبل الأساتذة، طرق تعليم متنوعة تتناسب مع جميع المستويات. ومراكز تقوم بإهداء العربية إلى العالم، يتناوب الطلاب على الدراسة فيها، كل هذا جعلني أتجاهل حقائق تجاوبت معها في الماضي.
جاءت المحطة التالية أثناء بحثي، حينها صدمت بوجود أدباء عرب يجهلون العربية، يكتبون بلغات أخرى تترجم إلى العربية، كان عقلي يصرخ كيف يعقل هذا؟! عندما دققت في الأمر، تنبهت! كان الاحتلال والهجرة أحد العوامل التي أدت إلى ذلك.
جاءت الدهشة الأولى من المغرب، كانت ليلى أبو زيد أول كاتبة مغربية تكتب رواية باللغة العربية وترجمت بعد ذلك إلى الإنجليزي؛ فمن المتعارف عليه أن بعض الكتاب المغاربة يكتبون باللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية، لذلك جاءت روايات ليلى أبو زيد إخلاصا للعربية.
تقول "ليلى": إن سبب استخدامها للغة العربية هو أن الفكر واللغة شيئان مترابطان لا يمكن أو ينفصلا عن بعض، واللغة العربية هي لغتها الأولى.
كما تنضم الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي إلى فريق ليلى أبو زيد وتقدم أعمالها باللغة العربية.
توضح أسباب كتابتها باللغة العربية من خلال الإهداء الذي تهديه إلى مالك الحداد، تقول في فيه:
كانت وصيتها الأخيرة قبل الرحيل أن أحمل لواء العائلة وأتخصص في العربية. "أريد أن أراك أستاذة فيها يا صغيرتي!". وها أنا قد أوفيت بوعدي وانتهيت من بحث ضخم عن أحد فنون العربية، كتبته حبا في أهل اللغة، ومحاولة لرد الجميل والتقرب بمحبة.
كنت أعتقد وأنا أشاهد العالم من نافذتي أن جميع البشر يعرفون العربية، ربما يتحدثونها بطلاقة. فجأتني الروايات والقصص بأن هناك عوالم أخرى كي نصل إليها يجب أن نتعلم لغتها.. كانت هذه صدمة قاسية، كيف لنا حملة اللغة أن نجبر على تعلم لغة أخرى كي نصل للعالم؟ عند هذا الحد تهاوت أحلامي على صخرة الواقع كلها، وبدأ يتسرب إلى عقلي الصغير - آنذاك - حقائق كنت أتجاهلها.
كلّ ما قرأته حدث في الماضي، جلّ العلماء الذين تتبارين في محاضرة الحضارة الإسلامية بمعرفة أسمائهم "كانوا" يا صغيرة، لم نعد كما كنا.. نحن أمة تفقد جزءا من لغتها وهويتها كل يوم! والآن يجب على الباحث تعلم اللغات كي يصل إلى المعرفة، كانت هذه أولى محطات الصدام مع الواقع.
كان العمل في مجال تعليم العربية لغير الناطقين بها أمرا مختلفا تمام الاختلاف عن واقع تعاملي مع اللغة العربية، أطفال وشباب في المرحلة النهائية من دراستهم يفقدون حس اللغة، يتناوب على قراءة كتابات "البيست سيلر" ويتبادلون كل الكلمات المبتذلة التي تهين اللغة العامية، وتجعلها صعبة المراس على ناطقيها من الأجيال السابقة، كان الأمر مختلفا مع الطلبة الأجانب، كان هناك إقبال غير مسبوق على تعلمها بلهجاتها، إتقان للقواعد، مناهج موضوعة بعناية من قبل الأساتذة، طرق تعليم متنوعة تتناسب مع جميع المستويات. ومراكز تقوم بإهداء العربية إلى العالم، يتناوب الطلاب على الدراسة فيها، كل هذا جعلني أتجاهل حقائق تجاوبت معها في الماضي.
جاءت المحطة التالية أثناء بحثي، حينها صدمت بوجود أدباء عرب يجهلون العربية، يكتبون بلغات أخرى تترجم إلى العربية، كان عقلي يصرخ كيف يعقل هذا؟! عندما دققت في الأمر، تنبهت! كان الاحتلال والهجرة أحد العوامل التي أدت إلى ذلك.
جاءت الدهشة الأولى من المغرب، كانت ليلى أبو زيد أول كاتبة مغربية تكتب رواية باللغة العربية وترجمت بعد ذلك إلى الإنجليزي؛ فمن المتعارف عليه أن بعض الكتاب المغاربة يكتبون باللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية، لذلك جاءت روايات ليلى أبو زيد إخلاصا للعربية.
تقول "ليلى": إن سبب استخدامها للغة العربية هو أن الفكر واللغة شيئان مترابطان لا يمكن أو ينفصلا عن بعض، واللغة العربية هي لغتها الأولى.
كما تنضم الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي إلى فريق ليلى أبو زيد وتقدم أعمالها باللغة العربية.
توضح أسباب كتابتها باللغة العربية من خلال الإهداء الذي تهديه إلى مالك الحداد، تقول في فيه:
"إلى مالك الحداد..
ابن قسنطينة الذي أقسم بعد استقلال الجزائر ألا يكتب بلغة ليست لغته..
فاغتالته الصفحة البيضاء.. ومات متأثرًا بسلطان صمته ليصبح شهيد اللغة العربية، وأول كاتب قرَّر أن يموت صمتًا وقهرًا وعشقًا لها.
وإلى أبي..
عساه أن يجد «هناك» في الجنة من يتقن العربية، فيقرأ له أخيرًا هذا الكتاب.. كتابه".
يحمل هذا الإهداء تصميم هذا الجيل على إعادة المكانة إلى اللغة العربية، فالكتابة باللغة العربية جزء من نضاله ونضال الأمة العربية هناك، ونضال الجزائر والمغرب من أجل العودة إلى ميدان العربية الذي كان يتعمد الاحتلال طمسها، ومن أجل التمسك بهُويتنا.
(مصر)