فجرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية مفاجأة من شأنها خلط الأوراق في قضية اغتيال الحريري، بعد نشرها تقريراً للصحافية الألمانية سعاد المخنث والصحافي الأميركي جوبي واريك. كشفا فيه أن سليم جميل عياش الذي اتهمته المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005؛ هو في الحقيقة جزء من فرقة اغتيال متخصصة، نفّذت أربع عمليات اغتيال أخرى على الأقل، بأوامر مباشرة من قيادة حزب الله.
عياش لم يكن وحيداً
وذكر التقرير الذي نشرته الواشنطن بوست يوم الثلاثاء أن عياش كان جزءاً من الوحدة المعروفة باسم "الوحدة 121"، الخاضعة لسيطرة القيادة العليا لحزب الله، وأن عياش كان نشطاً في الوحدة، وعمل بأسماء وهويات مختلفة قبل سنوات من اغتيال الحريري.
التفاصيل المثيرة التي عرضها التقرير حول فرقة الاغتيالات تم الحصول عليها من قبل مسؤولين أمنيين حاليين وسابقين من الولايات المتحدة وثلاث دول أوروبية وشرق أوسطية، تحدثوا جميعاً شريطة عدم الكشف عن هوياتهم.
وبحسب الصحيفة فقد أكد المسؤولون أن الاتصالات التي تم اعتراضها، وغيرها من الأدلة غير المدرجة في الإجراءات العلنية للمحكمة الدولية، تؤكد جميعها وجود وحدة اغتيالات متخصصة كانت وراء سلسلة من التفجيرات بسيارات مفخخة، استهدفت قادة عسكريين وسياسيين وصحافيين لبنانيين، على مدى عقد من الزمن على الأقل. وقال مسؤولان أميركيان سابقان لمعدي التقرير، إن بعض المعلومات الاستخباراتية تمت مشاركتها بشكل خاص مع أعضاء المحكمة الدولية، ولكن دون أن يتم استخدامها بشكل علني لما يحمله ذلك من خطورة عالية على حياة المصادر السرية.
كان عياش جزءاً من الوحدة المعروفة باسم "الوحدة 121" الخاضعة لسيطرة القيادة العليا لحزب الله والمختصة بتنفيذ عمليات الاغتيال
وعلى الرغم من التغييرات الدائمة في بنية فرقة الاغتيالات؛ فإن عياش كان القاسم المشترك الدائم، قبل أن يصبح قائداً للوحدة بحسب مصادر واشنطن بوست.
وأدين عياش وهو ناشط في حزب الله يبلغ من العمر 56 عاماً، ولم يُعرف مكان وجوده، بشكل غيابي يوم 18 أغسطس/آب من قبل المحكمة الخاصة بلبنان بعد تحقيق دام 11 سنة، وهي محكمة دولية مقرها هولندا تأسست للتحقيق في قضية مقتل رئيس الوزراء رفيق الحريري. وقال أعضاؤها في جلسة النطق بالحكم إنهم لم يتمكنوا من العثور على دليل قاطع على أن القتل كان بأمر من قادة حزب الله. الذي نفى بدوره أية مسؤولية له عن مقتل الحريري.
وبحسب مصادر الصحافيين الأمنية، فإن وجود فريق الاغتيال من شأنه أن يقوض نهائياً محاولات حزب الله نفي صلته بالاغتيال. وفي هذا السياق قال مسؤول أميركي كبير سابق في الأمن القومي، سبق له المشاركة في جهود جمع المعلومات الاستخباراتية بعد مقتل الحريري: "ليس هناك شك" حول سيطرة حزب الله على فرقة الاغتيال، "حزب الله منظمة شديدة الانضباط".
الوحدة 121... تصريح بالقتل!
وعن الوحدة 121 تقول مصادر الصحيفة، "إنها وحدة سرية للغاية تضم عشرات الناشطين من الحزب، المنفصلين تماماً عن أي نشاط آخر، وتتلقى أوامرها من حسن نصر الله بشكل مباشر". كما ذكرت المصادر أن مصطفى بدر الدين كان من الدائرة الضيقة المطّلعة على عمل الوحدة وعملياتها، ويُتهم بدر الدين بأنه أحد المخططين المزعومين لاغتيال الحريري. وقد قُتل في سورية عام 2016، وبنتيجة ذلك أسقطت لائحة الاتهام التي تشير إلى أنه مشتبه به.
الوحدة سرية للغاية وتضم عشرات العناصر المنفصلين تماماً عن أي نشاط آخر، وتتلقى أوامرها من حسن نصر الله مباشرة
وفي هذا السياق يقول ماثيو ليفيت لواشنطن بوست، وهو محلل مكافحة الإرهاب السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الخزانة، ومختص بعمليات حزب الله، "إن الجماعة لديها صانعو قنابل من أصحاب الخبرة العالية، وهيكل قيادة معقد مصمم لإبعاد كبار المسؤولين عن اللوم". ويضيف ليفيت، "أعدّ حزب الله وحدات متخصصة للقيام بمهام فريدة، بعضها محدد زمنياً، وبعضها الآخر يتعلق بمجموعة مهارات معينة أو نوع من المهام". وتعد الوحدة 121 مثالاً حياً على ذلك.
كما أكّد اللواء أشرف ريفي، المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللبناني، في مقابلة مع الصحيفة، علمه بوجود "مجموعة داخل حزب الله مسؤولة عن العمليات والاغتيالات"، بما في ذلك مقتل الحريري وتفجير السيارات المفخخة التي استهدفت قادة آخرين. وأضاف ريفي أن عياش "كان جزءاً من تلك المجموعة".
ضحايا مفترضون
حددت الصحيفة أربع ضحايا مفترضين للوحدة 121، هم:
- العميد فرانسوا الحاج، مدير العمليات في أركان الجيش اللبناني، والذي كان مرشحاً ليصبح قائداً للجيش حال انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. وقد اغتيل مع مرافقه في 12 ديسمبر/كانون الأول 2007، في انفجار ضخم في منطقة بعبدا.
- النقيب في فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي، وسام عيد، الذي اغتيل بعبوة ناسفة عند مرور سيارته في منطقة الحازمية قرب بيروت، برفقة أربعة مدنيين آخرين بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2008. وينسب له فضل اكتشاف شبكة الهواتف الخليوية الحمراء والزرقاء والصفراء والوردية التي اعتمدتها المحكمة الدولية في إدانة عياش، وتبرئة باقي المشتبه بهم.
اغتالت الوحدة كل من يشكل خطراً على حزب الله أو على النفوذ السوري في لبنان
- العميد وسام الحسن، قائد أمن الحريري، ورئيس شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي، والذي اغتيل بتفجير وقع في منطقة الأشرفية ببيروت في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2012، أودى بحياة ثمانية أشخاص آخرين. وينسب للحسن الدور الأبرز في توقيف الوزير ميشال سماحة، وضبط قيامه بنقل المتفجرات من سورية إلى لبنان، في أغسطس/آب من العام نفسه.
- السياسي والاقتصادي اللبناني ووزير المالية الأسبق، محمد شطح، والذي كان من أبرز قيادات تيار المستقبل، ومن أبرز السياسيين اللبنانيين المؤيدين للثورة السورية والرافضين للهيمنة الإيرانية، وقد قتل في تفجير سيارة مفخخة استهدفه يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2013 في بيروت، وأسفر الانفجار عن مقتل 7 أشخاص آخرين.
توقعات بالمزيد..
وفي سياق متصل، أعرب عدد من المسؤولين الأمنيين الحاليين والسابقين والمحللين الأمنيين المختصين بحزب الله، عن خشيتهم من أن قادة الحزب قد يشعرون بالحاجة لشن هجمات جديدة، تستهدف قادة سياسيين وخصوماً محتملين في لبنان أو خارجه. وبحسب الصحيفة، فإن المحللين يرون أن الأوضاع المضطربة والفوضى التي تعيشها البلاد وخاصة بعد انفجار ميناء بيروت، قد تشكل فرصة مناسبة للحزب لإسكات منتقديه، أو من يحاولون ربطه بالتفجير.
ويرى روبرت باير، الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية والمختص بحزب الله، أن "أي شخص يحاول توريط حزب الله في الانفجار سيكون هدفاً للاغتيال". ويضيف "إنهم أذكياء للغاية ويعرفون أعداءهم".