في مقال مشترك نشرته صحيفة "تايمز" البريطانية، أمس الخميس، تعهد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بتشكيل جبهة موحدة ضد التهديد الذي يمثله المتطرفون الإسلاميون و"إيديولوجيتهم المشوهة". وكتب الزعيمان "سواء كنّا نواجه أفراداً متعصبين أو منظمات إرهابية، مثل (القاعدة) أو (الدولة الإسلامية) أو (بوكو حرام)، فلن يروّعنا المتطرفون. سنهزم هؤلاء القَتَلة الهمجيين".
اللافت في مقالة أوباما وكاميرون هيمنة اللغة الناعمة التي تذكر بالتاريخ وما فيه من انتصارات غابرة، وتمجيد بالإنجازات الاقتصادية والديمقراطية التي حققتها المجتمعات الغربية بما فيها من حريات فردية ورفاهية اجتماعية، وبالمقابل غياب لغة "التحالف الدولي" و"الحرب على الإرهاب" التي طالما هيمنت على الخطاب السياسي للزعيمين خلال السنوات الماضية.
هذا ما قاله الزعيمان في مقالتهما، أما ما سكتا عنه فهو الأهم. رئيس الوزراء البريطاني، خلال زيارته الرسمية التي بدأها أمس إلى واشنطن، سيعرض على رئيس البيت الأبيض توسيع حرب "التحالف الدولي على الإرهاب" من جبهاته الحقيقية في العراق وسورية وغيرها من ميادين المواجهة العسكرية إلى فضاءات العالم الافتراضي، حيث تتمترس ماكينات الدعاية والتجنيد، التي تديرها تنظيمات "القاعدة" و"داعش" و"بوكو حرام" وحتى "حركة الشباب الصومالية".
رئيس الوزراء البريطاني، الذي دعا قبل مغادرته لندن، إلى ضرورة سنّ تشريعات تمنح أجهزة الاستخبارات البريطانية المزيد من الصلاحيات والسلطات لمراقبة مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وحل شفرات الرسائل المكتوبة، ومراقبة المحادثات الصوتية المتبادلة بين المشتبه في ضلوعهم في نشاطات إرهابية، يسعى خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية لإقناع الرئيس الأميركي بخطورة الجبهة الافتراضية. وبالتالي أهمية تعاون الشركات الأميركية المقدمة لخدمات الإنترنت والتواصل الاجتماعي، ولا سيما "تويتر" و"فيسبوك"، وكسب تأييدها للتعاون أكثر في تقديم أية معلومات وبيانات تطلبها أجهزة الأمن والاستخبارات البريطانية، التي تعمل على تعقب أنشطة الإرهابيين على شبكة الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
بالتأكيد لن يفاجأ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بطلب حليفه البريطاني، ولا سيما أنه يعلم تماماً مدى خطورة "الحرب الإلكترونية" وتحديداً بعد أن أظهرت التنظيمات الإرهابية براعة فائقة في استخدامها الإنترنت ليس للدفاع أو الدعاية وحسب، بل للهجوم على المؤسسات الأميركية الحساسة، مثلما حدث قبل أيام عندما نجحت "وحدات داعش الإلكترونية" في اختراق حساب القيادة العسكرية الأميركية للمنطقة الوسطى على موقعي "تويتر" و"يوتيوب"، وهو الأمر الذي لم تنكره وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون".
كما أنه سبق للولايات المتحدة أن طلبت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من حلفائها، الذين يشاركونها الحرب ضد تنظيم "الدولة الاسلامية" ضمن تحالف دولي عريض، توسيع نطاق هذه الحرب لتشمل الإنترنت، وذلك خلال اجتماع في الكويت خصص لمواجهة دعاية المتطرفين عبر الشبكة. يومها قال المنسق الأميركي للتحالف الدولي، الجنرال المتقاعد جون آلن، في افتتاح الاجتماع، إن هذه "الدعاية" تشكل "حرباً رهيبة تهدف إلى تجنيد وإفساد عقول أشخاص أبرياء. كما اعتبر أن "التهديد الذي يشكله تنظيم (الدولة الاسلامية) يتطلب مقاربة شاملة ومنسقة على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، وذلك عبر دمج العمل العسكري وتطبيق القانون والاستخبارات والوسائل الاقتصادية والدبلوماسية".
ويؤكد المسؤولون في الحكومة البريطانية أن خطة رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، الهادفة إلى سنّ تشريعات جديدة تمنح أجهزة الاستخبارات صلاحيات أوسع لجمع البيانات ومراقبة محتوى الاتصالات الإلكترونية لا يمكن أن تنجح من دون تعاون الشركات الأميركية المقدمة لخدمات الإنترنت والتواصل الاجتماعي. بدورها لا ترى وزيرة الداخلية البريطانية، تيريزا ماي، أي نجاح لجهود "الحرب في العالم الافتراضي" من دون انخراط الشركات المقدمة لخدمات الإنترنت والتواصل الاجتماعي الذي بات ملاذاً يستخدمه الإرهابيون لنشر أفكارهم المتطرفة، وتجنيد المتعاطفين معهم، وشن حرب على المجتمعات الغربية ومؤسساتها.
قد يتفهم رئيس الولايات المتحدة الأميركية مطالب ديفيد كاميرون ومخاوفه، ولا سيما وهي تتزامن مع العملية الإرهابية التي شهدتها باريس، لكن الأكيد أن الشركات الأميركية لن تتوافق تماماً مع رغبات كاميرون، ولا سيما أنها تتزامن مع "المسيرة المليونية"، التي سارت في باريس دفاعاً عن حرية الأفراد في التعبير والتواصل.