07 أكتوبر 2024
وداعاً للمعارضة المسلحة في سورية
تنتزع روسيا سلاح فصائل المعارضة السورية بهدوء، ووفق برنامج توثيقي، تعيد من خلاله خريطة توزّع نفوذها داخل الأراضي السورية. وفي المناطق منزوعة السلاح المعادية لها، وذلك عبر وسيلتين أساسيتين: اتفاقات الهدن المحلية التي طوّرتها على شكل مناطق خفض التصعيد، وقرارات الإدارة الأميركية بوقف التسليح التي أعلنتها وكالة الاستخبارات "سي آي إيه".
وباتفاق الغوطة الشرقية الذي وقع في 22 يوليو/ تموز الجاري تكون موسكو التي أعلنت تفاصيل الاتفاق، أنهت ما تعتبره تأمين حزام جناح دمشق الجنوبي، لتلتفت إلى منطقة وسط سورية، وذلك قبل الانتقال إلى شمالها، لتعطي مزيدا من الوقت للقوات المدعومة من الإدارة الأميركية، لمتابعة خط سيرها باتجاه إنهاء وجود "داعش" من الرّقة، حيث تشهد المعركة حالة جمود واضحة، بينما يستقر القرار الأميركي، ربما، حول هوية من سيحرّر دير الزور من "داعش"! وفي السياق نفسه، تمارس الفصائل دورها في تنفيذ الرغبة الروسية تلك، عبر الانخراط في معارك بينية طاحنة، تستخدم فيها كامل عتادها من السلاح والبشر، حيث شهدنا أعنف المعارك خلال الأشهر السابقة في الغوطة بين الفصائل، وكان عدد الضحايا فيها من مقاتلي هذه الفصائل، المحسوبة على المعارضة، يتجاوز 400 ضحية، كل طرف منهم اعتبر من لقي حتفه من جهته شهداء لأسباب خاصة به، بعيداً عن المتعارف عليه في ما يتعلق بهذا المفهوم "المقدّس".
كذلك شهدت إدلب معارك طاحنة، أوقعت عشرات الصحايا بين "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) من جهة، و "أحرار الشام" وفصائل مؤيدة لها من جهة أخرى، لتكون النتيجة نهاية عملية إسباغ اللون الأسود على كامل إدلب، ما يفتح الباب على مصراعيه للتدخل الدولي، لاسيما التركي، من خلال التحالف الذي سيخوض معركته هناك تحت بند محاربة الإرهاب، وبالتالي التخلص من كل سلاح المعارضة، سواء التي تقف بوجه "النصرة" أو المساندة لها، والانتقال إلى المرحلة اللاحقة من صناعة مناطق النفوذ الدولية، تحت مسمّى مناطق منخفضة التوتر. وعليه، ترسم روسيا مسارات عديدة تؤدي إلى حقيقة واحدة، هي على الأغلب إجبار المعارضة، وخصوصا المسلحة، على رفع راية الاستسلام، في مقابل جزء من سلطةٍ في تلك المناطق، بحماية الشرطة الروسية، كما الحال في جنوب غرب سورية والغوطة الشرقية، وفي إدلب، وإن بالشراكة مع الشرطة التركية، أو تلك التي صنعت في تركيا. إذاً، يتمثل ما تسعى إليه روسيا ببسط سيطرتها على كامل مناطق سورية مع مراعاة المصالح الأميركية والإسرائيلية من جهة ومصالح النظام الذي يوفر لها شرعية احتلالها القرار السوري من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه، تسعى روسيا إلى تحويل الكتلة البشرية للمعارضة من عدوٍّ يواجهها إلى أدوات شرطية، تعمل بمبدأ الحماية مقابل السلطة، وهو المبدأ نفسه الذي سلم به النظام مفاتيح سورية لكل من إيران وروسيا، وكل قوى الظلام الطائفية التي تقاتل باسم زينب وفاطمة والحسين. على ذلك، تستنفد قوى المعارضة آخر ما تبقى لها من ذخيرة حية، لتخوض معاركها ضد بعضها، وفي مواجهة من كانت تتحالف معهم ضد النظام، لتعيد انتشارها من جديد، وتصطفّ مع النظام ضد كل من لا يرى الشمس تشرق ما بين موسكو والقاهرة.
وعليه، فإن هكذا مسار سيكشف إلى العلن، بين فترة وأخرى ربما، ما تبقى من قصص انقلابات في العلاقات بين شخوص المعارضة التي كانت على طرفي نقيض، وأصبحت اليوم في معركة واحدة ضد حلفاء سابقين، ومنهم "جبهة النصرة" وما تسمى "أخوة المنهج" جميعاً. بعد "أستانة 6"، وخلال الرتوشات الأخيرة لاتفاقات ما فوق "أستانة" و"جنيف" (الجنوب السوري والغوطة الشرقية ولاحقاً المنطقة الوسطى)، لم يعد هناك تقريبا، كما تتوقع موسكو وكما عملت بجد عليه، ما تسمى معارضة مسلحة، وإنما شرطة معارضة لا تختلف كثيراً عن فروع الأمن التي كانت سبباً مباشراً لثورة 18 مارس/ آذار 2011.
في المحصلة، قد يفضي الواقع الناشئ اليوم إلى مسارات مختلفة في الصراع السوري، من أهم علاماتها ضمور المعارضة العسكرية، وانحسار النفوذ الإيراني، بالإضافة إلى تعزيز الجهد الدولي لإيجاد نوع من تسويةٍ، ربما تمهد لتغيير سياسي في سورية، لكن ليس إلى الحد الذي كان يطمح إليه، أو يأمله، أغلبية السوريين، حينما انطلقوا بثورتهم في 2011، وليس إلى الحد الذي يجعل النظام منتصراً، حتى ولو بفكرة سيطرته على مناطقه التي ستكون تحت الوصاية الروسية في أحسن الأحوال. أيضاً وداع ما تسمى معارضة مسلحة لا يعني أن الثورة انتهت، فهي ربما لم تبدأ بالشكل المطلوب لثورات الشعوب التي تقودها نخبة وطنية، تتشارك فيها مر التجربة، وليس مالها السياسي.
وباتفاق الغوطة الشرقية الذي وقع في 22 يوليو/ تموز الجاري تكون موسكو التي أعلنت تفاصيل الاتفاق، أنهت ما تعتبره تأمين حزام جناح دمشق الجنوبي، لتلتفت إلى منطقة وسط سورية، وذلك قبل الانتقال إلى شمالها، لتعطي مزيدا من الوقت للقوات المدعومة من الإدارة الأميركية، لمتابعة خط سيرها باتجاه إنهاء وجود "داعش" من الرّقة، حيث تشهد المعركة حالة جمود واضحة، بينما يستقر القرار الأميركي، ربما، حول هوية من سيحرّر دير الزور من "داعش"! وفي السياق نفسه، تمارس الفصائل دورها في تنفيذ الرغبة الروسية تلك، عبر الانخراط في معارك بينية طاحنة، تستخدم فيها كامل عتادها من السلاح والبشر، حيث شهدنا أعنف المعارك خلال الأشهر السابقة في الغوطة بين الفصائل، وكان عدد الضحايا فيها من مقاتلي هذه الفصائل، المحسوبة على المعارضة، يتجاوز 400 ضحية، كل طرف منهم اعتبر من لقي حتفه من جهته شهداء لأسباب خاصة به، بعيداً عن المتعارف عليه في ما يتعلق بهذا المفهوم "المقدّس".
كذلك شهدت إدلب معارك طاحنة، أوقعت عشرات الصحايا بين "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) من جهة، و "أحرار الشام" وفصائل مؤيدة لها من جهة أخرى، لتكون النتيجة نهاية عملية إسباغ اللون الأسود على كامل إدلب، ما يفتح الباب على مصراعيه للتدخل الدولي، لاسيما التركي، من خلال التحالف الذي سيخوض معركته هناك تحت بند محاربة الإرهاب، وبالتالي التخلص من كل سلاح المعارضة، سواء التي تقف بوجه "النصرة" أو المساندة لها، والانتقال إلى المرحلة اللاحقة من صناعة مناطق النفوذ الدولية، تحت مسمّى مناطق منخفضة التوتر. وعليه، ترسم روسيا مسارات عديدة تؤدي إلى حقيقة واحدة، هي على الأغلب إجبار المعارضة، وخصوصا المسلحة، على رفع راية الاستسلام، في مقابل جزء من سلطةٍ في تلك المناطق، بحماية الشرطة الروسية، كما الحال في جنوب غرب سورية والغوطة الشرقية، وفي إدلب، وإن بالشراكة مع الشرطة التركية، أو تلك التي صنعت في تركيا. إذاً، يتمثل ما تسعى إليه روسيا ببسط سيطرتها على كامل مناطق سورية مع مراعاة المصالح الأميركية والإسرائيلية من جهة ومصالح النظام الذي يوفر لها شرعية احتلالها القرار السوري من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه، تسعى روسيا إلى تحويل الكتلة البشرية للمعارضة من عدوٍّ يواجهها إلى أدوات شرطية، تعمل بمبدأ الحماية مقابل السلطة، وهو المبدأ نفسه الذي سلم به النظام مفاتيح سورية لكل من إيران وروسيا، وكل قوى الظلام الطائفية التي تقاتل باسم زينب وفاطمة والحسين. على ذلك، تستنفد قوى المعارضة آخر ما تبقى لها من ذخيرة حية، لتخوض معاركها ضد بعضها، وفي مواجهة من كانت تتحالف معهم ضد النظام، لتعيد انتشارها من جديد، وتصطفّ مع النظام ضد كل من لا يرى الشمس تشرق ما بين موسكو والقاهرة.
وعليه، فإن هكذا مسار سيكشف إلى العلن، بين فترة وأخرى ربما، ما تبقى من قصص انقلابات في العلاقات بين شخوص المعارضة التي كانت على طرفي نقيض، وأصبحت اليوم في معركة واحدة ضد حلفاء سابقين، ومنهم "جبهة النصرة" وما تسمى "أخوة المنهج" جميعاً. بعد "أستانة 6"، وخلال الرتوشات الأخيرة لاتفاقات ما فوق "أستانة" و"جنيف" (الجنوب السوري والغوطة الشرقية ولاحقاً المنطقة الوسطى)، لم يعد هناك تقريبا، كما تتوقع موسكو وكما عملت بجد عليه، ما تسمى معارضة مسلحة، وإنما شرطة معارضة لا تختلف كثيراً عن فروع الأمن التي كانت سبباً مباشراً لثورة 18 مارس/ آذار 2011.
في المحصلة، قد يفضي الواقع الناشئ اليوم إلى مسارات مختلفة في الصراع السوري، من أهم علاماتها ضمور المعارضة العسكرية، وانحسار النفوذ الإيراني، بالإضافة إلى تعزيز الجهد الدولي لإيجاد نوع من تسويةٍ، ربما تمهد لتغيير سياسي في سورية، لكن ليس إلى الحد الذي كان يطمح إليه، أو يأمله، أغلبية السوريين، حينما انطلقوا بثورتهم في 2011، وليس إلى الحد الذي يجعل النظام منتصراً، حتى ولو بفكرة سيطرته على مناطقه التي ستكون تحت الوصاية الروسية في أحسن الأحوال. أيضاً وداع ما تسمى معارضة مسلحة لا يعني أن الثورة انتهت، فهي ربما لم تبدأ بالشكل المطلوب لثورات الشعوب التي تقودها نخبة وطنية، تتشارك فيها مر التجربة، وليس مالها السياسي.