وزارة الخارجية العراقية... مقاطعة عائلية حزبية

31 يناير 2017
استقرت أحوال الوزارة بعد وقت طويل (صفاء كيراسان/الأناضول)
+ الخط -
أخيراً هدأت عاصفة وزارة الخارجية العراقية واستقرت أحوال أقسامها الرئيسية التسعة، بعد التغييرات التي طاولت أغلب المسؤولين السابقين الذين استبدلوا بآخرين، معظمهم من أقرباء أو أعضاء حزب وزيرها إبراهيم الجعفري (الدعوة الإسلامية)، أو من الشخصيات المقرّبة من إيران على وجه التحديد. وشملت التغييرات الأخيرة في الوزارة نحو 500 موظف ودبلوماسي، أُحيل معظمهم على التقاعد أو تم نقلهم إلى وزارة أخرى، وهم من مختلف الطوائف والقوميات.

وعلى الرغم من جمع أعضاء البرلمان العراقي عشرات تواقيع الاستجواب للوزير إبراهيم الجعفري، على خلفية تهم فساد وإقصاء على أسس طائفية وحزبية من وزارته، وفشله في تطبيع العلاقات مع الدول العربية المختلفة، إلا أن الجعفري نجح في الإفلات من الاستجواب بفيتو ذكر برلمانيون أنه من إيران.

وشبّه أعضاء في البرلمان وسياسيون لـ"العربي الجديد"، وزارة الخارجية بـ"وزارة العائلة"، تهكّماً على ما آلت إليه هذه المؤسسة في مثل هذه المرحلة، فمدير مكتب الوزير هو والد زوجة ابن الوزير الجعفري، حق محمد الحكيم. أما مستشاره الخاص فهو صهره، كما يمسك أقسام ومفاصل الوزارة الأخرى بصفة مشرفين ومراقبين عليها كل من ليث حسن الأشيقر، وضرغام حسن الأشيقر (أولاد أشقاء الجعفري)، فضلاً عن ياسر حسن الأشيقر، ووسام ليث حسن الأشيقر، ومحمد ليث حسن الأشيقر، وجعفر صادق باقر الأشيقر (أحفاد الجعفري).

كما وضع الجعفري أصدقاءه في سفارات عراقية بدول أوروبية، فيما بات أحمد جمال متحدثاً رسمياً باسم الوزارة، علماً أن جمال كان مذيع قناة "بلادي" التي يملكها الجعفري، المعروفة بطابعها الديني المذهبي، وعُرفت عنه تصريحاته المسيئة لدول عربية مختلفة، خصوصاً الخليجية، بشكل سبّب إحراجاً لحكومة حيدر العبادي، وكان آخرها مهاجمته مملكة البحرين إثر إعدام ثلاثة أشخاص عدته المنامة تدخّلاً سافراً في شؤونها الداخلية واستدعت القائم بالأعمال العراقي لديها احتجاجاً على تلك التصريحات.

واتهمت كتلة الأحرار البرلمانية بزعامة مقتدى الصدر أخيراً، الجعفري بتعيين أقربائه في الوزارة. وقال النائب عن الكتلة ياسر الحسيني، إن "وزير الخارجية يقوم بتعيين أقربائه في الوزارة"، منتقداً غيابه الدائم عن الوزارة وتعطيل بريدها اليومي واستقبال مسؤولي الدول في مكتبه الشخصي. وطالب لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان باستدعائه، فيما أعرب عضو لجنة العلاقات الخارجية ريناس جانو، عن أسفه "لشيوع المحسوبية بالتعيينات في وزارة الخارجية"، مشيراً إلى أن "اللجنة لا تعتمد على ما يتداوله الإعلام بشأن تعيين وزير الخارجية، إبراهيم الجعفري، لأقربائه في الوزارة، لكنها ستقوم بدورها الرقابي في هذا الموضوع في حال توافرت لديها معلومة دقيقة عنه". واعتبر أن "إقامة الوزير لفعاليات الوزارة الدبلوماسية في منزله مخالف للأعراف الدبلوماسية".



وبحسب أحد مدراء الأقسام في الوزارة، فإن وزير الخارجية جاء بقيادات في حزبه، وسلمهم مواقع مهمة في الوزارة، مبيّناً أن "الأسابيع الماضية شهدت صدور أوامر وزارية بتعيين إحسان العوادي مستشاراً سياسياً، وقيس العامري مستشاراً قانونياً، وهما قياديان في حزب الجعفري".

وأضاف أن "الوزارة أصدرت أمراً وزارياً بتعيين ياسر عبد الحسين في منصب معاون عميد معهد الخدمة الخارجية التابع لوزارة الخارجية، والمسؤول عن الدورات الدبلوماسية والبعثات والإيفادات"، مشيراً إلى أن "عبد الحسين يشغل أيضاً منصب مدير مركز بلادي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية الذي أسسه إبراهيم الجعفري عام 2011".

وأشار المدير إلى أن "تولي ياسر عبد الحسين منصب معاون عميد معهد الخدمة الخارجية يحمل مخالفتين قانونيتين: الأولى هي حصوله على شهادة الدكتوراه حديثاً وعدم امتلاكه لقب (أستاذ دكتور) الذي يعد من شروط تولي مناصب المعهد الأساسية، والمخالفة الثانية هي أن القوانين العراقية لا تسمح للموظف العراقي بتولي منصب آخر أثناء تأدية وظيفته".

وكشف المدير بوزارة الخارجية العراقية، عن وجود مساومات لحملة الشهادات العليا في العلوم السياسية مقابل تعيينهم في وزارة الخارجية، لافتاً إلى أنه "تمّ عقد صفقة مع أكثر من مائة عراقي تم تعيينهم أخيراً، تقضي بالانتماء لتيار الإصلاح، مقابل التعيين في الوزارة".

"لا يمكن لأي شخص اختراق وزارة الخارجية، أو الحصول على تعيين فيها، من دون المرور بالحلقات الدنيا المرتبطة مباشرة بالجعفري"، بهذه الكلمات عبّرت زينة الربيعي، الحاصلة على ماجستير في العلوم السياسية منذ عام 2012، عن حسرتها لأنها لا تمتلك "واسطة" توصلها لوزير الخارجية، لتُعيّن في وزارة الخارجية. وكشفت الربيعي أيضاً أن "الوصول إلى وزارة الخارجية لا يتم بدفع رشى مالية كما يحصل في بقية المؤسسات العراقية، بل مرتبط بمدى علاقة الشخص الراغب بالتعيين بمركز بلادي، أو بمستشاري الجعفري".

وخلال عام 2016، خالف وزير الخارجية العراقي الإجماع العربي في اجتماعات ومؤتمرات عدة، أبرزها رفض العراق إدانة استهداف الحوثيين لمكة في السعودية بالصواريخ، ورفضه إدانة قانون جاستا الأميركي، الموجّه ضد السعودية، ورفض إدانة تدخل حزب الله في سورية، والتحفّظ على الفقرة الثالثة باجتماعات الجامعة العربية حول تدخل إيران السلبي في الدول العربية، ورفضه إدانة إحراق المقرات الدبلوماسية السعودية في طهران.

في المقابل، قادت وزارة الخارجية العراقية العام الماضي حراكاً سلبياً موجّهاً ضد دول عربية وخليجية، ساندت فيه مواقف إيرانية عدة، فضلاً عن تحوّل العراق إلى بيئة حاضنة لحركات تخلّ بأمن الدول العربية، أبرزها الحوثيون ومطلوبون للقضاء في البحرين، فضلاً عن شخصيات سعودية وكويتية، وجميعها تحت طابع طائفي. وفي حين أبقى العراق على شرط تأشيرة المواطنين العرب للدخول إلى أراضيه، فقد تم إلغاؤها عن الإيرانيين بشكل كامل.

ونجا الجعفري العام الماضي، من استجواب كان وشيكاً بسبب تهم بالفساد في وزارته، والتلاعب بالتعيينات، وقالت مصادر سياسية عراقية في حينها، إن ضغوطاً من حزب الله تسببت في إلغاء استجواب الجعفري في البرلمان.