وهذا نص المقابلة:
تعتبر الصناعة السياحية قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، وقد حققت نتائج إيجابية ومشجعة بفضل الرعاية الملكية التي تحظى بها. وبالرغم من الظروف العالمية الصعبة، بيّنت الصناعة السياحية صمودها، حيث سجلت سنة 2014 زيادة بنسبة 2.4 % بالنسبة للوافدين مقارنة مع سنة 2013، ونفس النسبة أي 2.4 % بالنسبة لليالي المبيت.
وبالنسبة للمداخيل بالعملة الصعبة فقد ظلت في نفس المستوى الذي كانت عليه سنة 2013 أي ما مجموعه 57.4 مليار درهم.
وتتجلى خصوصية القطاع السياحي المغربي في مجموعة من الديناميكيات، ما يمكّن من تقديم عرض مناسب لمتطلبات السائح، مع الأخذ بالاعتبار العوامل الموسمية والبنية التحتية السياحية والمحافظة على البيئة وكذا توفير وسائل التواصل.
ورغم الأزمات البارزة التي عرفها العالم في العقدين الأخيرين، لا يزال المغرب يحقق نتائج جيدة في قطاع السياحة ويستجيب لمتطلبات السياح بفضل تنوع منتوجاته في إطار المشاريع المندرجة في رؤية 2020.
وأريد أن أشير إلى أن أهم رهانات القطاع، تتمثل في تطوير تنافسية وجاذبية المناطق السياحية وتثمين الموارد السياحية للاستجابة بشكل دقيق لمتطلبات الأسواق السياحية الدولية، وكذا جذب الاستثمارات الكافية.
*هناك رهان مغربي قوي على أسواق سياحية جديدة ومن بينها الألمانية، لماذا؟
نحن نعمل على جذب السياح الألمان، لأنه هناك خزان كبير للسياح في السوق الألمانية، التي توفر معدل رحلات يقدر سنوياً بـ 90 مليون رحلة بالنسبة إلى بلد يبلغ عدد سكانه نحو 82 مليون نسمة.
كما أن هذه السوق تنفرد بمميزات خاصة، تكمن، في وجود عدد كبير من منظمي الرحلات، والذين يشكلون قناة تسويق مميزة لإضفاء جاذبية أكبر على السياحة المغربية، إلى جانب التطور الذي تعرفه السياحة الفردية لدى الألمان.
هذا بالإضافة إلى القدرة الشرائية الجيدة للألمان، وكون هذا البلد يشكل قاطرة للتنمية الاقتصادية في أوروبا. كل هذه الأمور تجعل المغرب يهتم بهذه السوق. وللإشارة فقد بلغ عدد السياح الألمان الوافدين إلى المغرب 550 ألف سائح سنة 2014 وهو رقم قابل للارتفاع مستقبلاً.
*بدأت بعض تجارب السياحة البيئة تظهر في المغرب هل تتوقعون نجاحها وما مدى حجم دعم الدول لها؟
هناك وعي متزايد بالبيئة التنافسية التي تطبع القطاع السياحي، خصوصاً على مستوى الحوض المتوسطي، حيث تضاعفت الوجهات السياحية، وزاد مجهود القطاع الاستثماري والتسويقي المرتكز على مكون الاستدامة. ولضمان استمرار هذه المكاسب، نسهر على إدراج "الاستدامة" ضمن كافة الخدمات المقدمة للزبائن على امتداد سلسلة القيم السياحية.
لقد أصبح رهان الاستدامة رافعة مهمة للتميز، باعتبارها عنصراً يساهم في تميز وتموضع الوجهة السياحية المغربية في العقود المقبلة.
*أصبح للعديد من المدن المغربية امتداد عالمي مثل مراكش، أكادير، ورززات، وكذلك طنجة. ما هو حجم استفادة هذه المدن وسكانها من النشاط السياحي بها، بخاصة على مستوى البنية التحتية؟
القطاع السياحي في المغرب يرتبط ببنية تحتية جيدة تلبي مستوى تطلعات العاملين في القطاع. لذلك نركز أساساً على تطوير البنية التحتية السياحية التي من شأنها أن تؤثر إيجابياً على النشاط السياحي.
والسياحة لها تأثير إيجابي كبير على النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، وتحفيز جميع الصناعات الأخرى التي تعتمد عليها، مثل الزراعة وصيد الأسماك والنقل والصحة والحرف والبنى التحتية، سواء الأساسية أو السياحية على وجه التحديد.
وقد حقق المغرب إنجازات كبيرة في تطوير البنى التحتية. وكمثال على ذلك، بناء ميناء بمعايير عالمية كميناء طنجة المتوسطي، ويستمر في متابعة الزخم مع إطلاق المخطط المديري 2010-2030 لإنجاز ستة موانئ باستثمار ما مجموعه 5.4 مليارات يورو.
وفيما يخص بنى النقل الجوي لمرافقة سياسة الأجواء المفتوحة، فقد تحسنت منذ 2006 الروابط الجوية من المملكة، حيث زاد تدفق حركة المرور الدولي، وأُنجزت عدة مشاريع لتوسيع وتحسين البنية التحتية للمطارات، مثل توسيع وتطوير المطارات في الدار البيضاء، مراكش، طنجة، وجدة، الحسيمة، الصويرة والداخلة...
*هل ما تزال المدن المغربية مغرية للاستثمار السياحي؟ وما هي أهم الوجهات التي توفر فرصاً متكاملة لذلك؟
جل المناطق السياحية المغربية تتمتع بمؤهلات لاستقطاب مشاريع سياحية أجنبية. وكما تعلمون فمن أهداف رؤية 2020 مضاعفة حجم القطاع، وتنمية الصناعة السياحية على مستوى جميع مناطق المملكة، لتحقيق توزيع عادل للثروات. لهذا اعتمدنا مقاربة تشاركية، توجت ببلورة برامج عقود جهوية (مناطقية)، ساهم فيها كل المتدخلين والفاعلين المؤسساتيين، سواء كانوا منتخبين أو عاملين في القطاع الخاص. ويأتي ذلك من أجل إبراز ثماني مناطق سياحية توفر عروضاً متنوعة ومتكاملة. وقد تم حصر حوالي ألف مشروع سياحي بتنسيق مع المنتخبين والفاعلين المحليين وفي القطاع.
وتقوم الشركة المغربية للهندسة السياحية بتكثيف برامجها الترويجية لاستقطاب المستثمرين على المستوى الدولي، بهدف إنجاز المشاريع السياحية وبخاصة المشاريع ذات القيمة المضافة.
*ولكن ماذا عن بعض المدن السياحية الجبلية التي لا تنال نفس الاهتمام الذي تناله مدن أخرى رغم مؤهلاتها الطبيعية؟
من بين المشاريع التي نعمل عليها، يبرز تثمين مؤهلات العالم القروي لتنمية وتطوير العرض السياحي، مع الحرص على احترام خاصية واحتياجات المناطق التي تنمو فيها السياحة الجبلية أو السياحة القروية.
نحن واعون إلى مساهمة السياحة الجبلية في توفير فرص العمل للسكان المحليين، وفي توفير عائدات مهمة لهذه المناطق. ولكن من ناحية أخرى، لا بد من السيطرة على التدفقات السياحية من أجل الحفاظ على البيئة والتأثير على السكان المحليين وثقافاتهم.
وأريد أن أشير إلى أنه تم وضع برنامج وطني لتنمية مندمجة للسياحة الريفية والجبلية، حيث وقعنا خلال مناظرة السياحة في سبتمبر/أيلول 2014، على اتفاقية تتعلق بالسياسة الوطنية التي يجب اعتمادها، لتحسين الولوج للمواقع القروية ذات المؤهلات السياحية الكبيرة.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى تحديد مسؤولية وصلاحيات مختلف الأطراف، فيما يتعلق ببلورة مدارات سياحية، من شأنها تحسين الولوج للمواقع بالمناطق القروية، وكذا تعبئة الموارد الضرورية لتثمينها وجلب الاستثمارات اللازمة لتنفيذ هذا البرنامج، وتطوير المنتجات السياحية الخاصة بالعالم القروي.
*يعاني المغرب من نقص في السياحة الترفيهية وفضاءاتها. ما هي الحلول التي طرحتها رؤيتكم لسنة 2020 في هذا الصدد؟
تحتل السياحة الترفيهية مكانة مهمة في استراتيجية التنمية السياحية رؤية 2020. حيث تمت بلورة مجموعة من البرامج المهيكلة التي تسمح بظهور عرض سياحي متنوع، وذي جودة، يلبي حاجيات السياح. من ضمنها برنامج "التنشيط والرياضة والترفيه" الذي يهدف إلى إحداث عرض تنشيط غني ومتنوع ومكمل للبنى التحتية السياحية الأساسية، لتعزيز العرض السياحي المغربي، مما يجعله أكثر جاذبية وأكثر قدرة على المنافسة.
وخلال سنة 2014 سجلت كل من الرباط والدار البيضاء وطنجة إنجازات استثمارية، في إطار الصندوق المغربي للتنمية السياحية، وبشراكة مع الصناديق السيادية لدول الخليج، لإعطاء دفعة جديدة للمشاريع المهيكلة لوجهتي الرباط والدار البيضاء. حيث ستمكن هذه المشاريع من خلق مدينتين للترفيه والثقافة، وتوفير تجهيزات أخرى ترفيهية متنوعة.
ومن جانب آخر تم استكمال أعمال تجهيز وتطوير المدينة الشاطئية "فونتي"، وافتتاح أول مرافق التنشيط السياحي للقرية السياحية الايكولوجية الشاطئية "تغازوت" (ضواحي مدينة أغادير) وفندقها، وافتتاح محطة "بلادي إمي ودار" بطاقة إيوائية تتكون من 7 آلاف سرير.
*تشغلون كذلك منصب الناطق الرسمي باسم حزبكم الحركة الشعبية. هل ترون أن الحكومة المغربية قدمت إضافات وحلول اقتصادية منذ تنصيبها؟
لم تكن الظروف الاقتصادية في صالح المغرب، ولكن العمل الحكومي هو الذي مكن بلادنا من تجاوز مجموعة من المشكلات والعقبات الاقتصادية.
وسوف أعطي مثالاً في القطاع الذي أشرف عليه. حيث أعتقد أن الحصيلة الحكومية في قطاع السياحية إيجابية جداً والأرقام تبيّن ذلك، فقد حققنا بالرغم من الظروف الاقتصادية العالمية، وكذا الظروف الجيوسياسية غير المستقرة في العديد من دول المنطقة، نتائج إيجابية سواء في عدد الوافدين أو في عدد ليالي المبيت، حيث تمكنا ولأول مرة من تجاوز عتبة 10 ملايين سائح.
*تتوقعون أن يستمر التحالف الحكومي الحالي داخل الانتخابات البلدية المقبلة، والتي تملك مفاتيح المشاريع المحلية داخل المدن؟
نحن الآن نعمل داخل تحالف حكومي يتكون من أربعة أحزاب، ونتائج عمل الحكومة هي ملك لجميع مكوناته، والكل سيركز خلال الانتخابات المقبلة على النتائج التي تم تحقيقها. وأعتقد أن خصوصية الانتخابات المحلية قد لا تشجع في بعض الأحيان على عقد تحالفات قبلية، وبالتالي ستتم معالجة هذا الأمر بتنسيق فيما بين أحزاب الأغلبية مع مراعاة خصوصية كل منطقة.
وما يهمنا الآن هو أن نربح الرهان، وننظم انتخابات نزيهة وشفافة، باعتبارها أول انتخابات محلية يتم تنظيمها في إطار الدستور الجديد.
رهان على السياحة البيئية والثقافية
بدأ التوجه في المغرب أخيراً نحو البحث عن فرص استثمارية جديدة في القطاع السياحي. ومن بين التوجهات الاستثمارية البديلة، الاعتماد على خصوصية المناطق المغربية، لتسويق منتجات سياحية بيئية وثقافية، تعتمد أساساً على المخزون الطبيعي والتاريخي للعديد من المدن المغربية.
وعرفت مدن مثل الداخلة والعيون جنوبي المغرب، وقرى نواحي مدينة أغادير، والمدن الصغيرة المحيطة بمدينة فاس، إنشاء العديد من المشاريع السياحية البيئية والثقافية.
وقال وزير السياحة المغربي لحسن حداد، إن من بين أهم أهداف إطلاق الاستراتيجية التنموية الجديدة لرؤية 2020، تحقيق الرقي بالقطاع السياحي المغربي، ليصبح ضمن الوجهات السياحية العشرين الأولى على المستوى العالمي. وأوضح أن من بين ركائز تحقيق هذه الأهداف، اعتماده نموذجاً سياحياً فريداً، يجمع بين التنمية القوية، التدبير المسؤول للبيئة، واحترام الأصالة الاجتماعية والثقافية.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن المغرب أُدرج من ضمن الوجهات المرجعية في مجال التنمية المستدامة. إلى ذلك، عبّر وزير السياحة لـ "العربي الجديد" عن أهمية السياحة البيئية بالقول: "نحن نعتمد على منتوجات الجيل الجديد، والتدبير المستدام للنظم الإيكولوجية، وكذا إشراك السكان المحليين واستفادتهم من التنمية السياحية."
بطاقة
حصل لحسن حداد على شهادة الدكتوراه في العلوم الإنسانية من الجامعة المغربية سنة 1987، ثم على دكتوراه الدولة في العلوم الاجتماعية من جامعة "إنديانا" الأميركية. عمل أستاذاً جامعياً وخبيراً استراتيجياً دولياً.
إقرأ أيضا: دول عربية مأزومة تعيد المواطن إلى العصر الحجري (ملف)