فاجأت رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة، تيريزا ماي، الأوساط السياسية والإعلامية، بتعيين عمدة لندن السابق، بوريس جونسون، وزيراً لخارجية المملكة المتحدة، نظراً لما تثيره شخصيته ومواقفه السياسية من جدل وردود فعل غالباً ما تتسم بالاستهجان والسخرية، دون التقليل من أهميتها، أو الاستخفاف بوزن جونسون كسياسي براغماتي محترف.
وُلد رئيس الدبلوماسية البريطانية الجديد، إلكسندر دي بوريس جونسون، في 19 يونيو/حزيران 1964 بمدينة نيويورك الأميركية. زامل جونسون في كلية "أيتون" ولاحقاً في جامعة أكسفورد، نخبة من الطلبة الذين سيرافقهم لاحقاً في العمل السياسي، ومنهم على وجه الخصوص، رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، ووزير الخارجية الأسبق، وليام هيغ، ووزير العدل الأسبق، مايكل غوف، ووزير الصحة الأسبق جيرمي هنت.
ورغم انشغاله في دراسة الفلسفات الرومانية واليونانية واللاتينية القديمة، ترأس جونسون اتحاد الطلاب في جامعة أكسفورد، حيث بدأت شخصيته السياسية تتشكل، كواحد من جيل السياسيين الذين سيقودون دفة الحكم في بريطانيا في القرن الـ 21.
وبعد انتهائه من الدراسة الجامعية، اتجه جونسون للعمل الصحافي، حيث التحق في نهاية العام 1987 كصحافي مُتدرب في صحيفة "تايمز"، وما لبث أن طُرد بعد نشره تقريراً صحافياً بالاستناد على معلومات مغلوطة. ثم انتقل للعمل في مكتب صحيفة "دايلي تلغراف"، في بروكسل، كمراسل لشؤون الاتحاد الأوروبي، وهناك بدأ مشواره في انتقاد الاتحاد.
ومع أن جونسون وُلد لأبوين إنكليزيين، إلا أنه يتحدر من أصول تركية، وجده الأكبر، علي كمال كان وزيراً في الدولة التركية وقُتل في العام 1922 بعد إثارته غضب مصطفى أتاتورك، مؤسس الدولة التركية الحديثة.
ولفتت صحيفة "ذي إندبندنت" في تقرير لها إلى أن بوريس جونسون "ينحدر من الزوجة الأولى لعلي كمال وكانت فتاة من أصول بريطانية وسويسرية واسمها وينيفريد بيرن، إلا أنها توفيت بعد ولادة جد بوريس". وتم تغيير لقب جد بوريس إلى ويلفريد جونسون بدلاً من علي كمال؛ نظراً للحساسية الإنكليزية تجاه الأتراك قبيل الحرب العالمية الأولى، ولولا هذا لكان اسم عمدة لندن السابق بوريس كمال بدلاً من بوريس جونسون، بحسب صحيفة اندبندنت البريطانية.
وفي انتخابات عام 2001 انتخب جونسون لمجلس العموم البريطاني، ثم تم انتخابه عمدة لمدينة لندن عام 2008، وأعيد انتخابه مرة أخرى للمنصب لفترة ثانية، وظل في ذلك المنصب حتى عام 2016. وترك جونسون بصماته في كل مكان في لندن حيث غيّر تصميم الباص اللندني الأحمر المشهور، وألغى صناديق الهاتف التقليدية من الشوارع، وشجع تنقل الناس بالدراجات الهوائية. وتألق نجمه عالمياً ومحلياً عندما نجح في تأهيل لندن لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية سنة 2012.
وتخلى عمدة لندن السابق، عام 2015 عن جنسيته الأميركية لإثبات "التزامه تجاه بريطانيا"، كما قال لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية.
ويعتمد "بوريس" في حياته السياسية على الثقافة الشعبوية في بناء الصورة، ويقوم على التلقائية وتحريك عواطف الجمهور، دون الإكثار من الحقائق والمنطق، ولذا كان دائماً في حياته كصحافي وكمؤرخ، وأيضاً كسياسي، متنبهاً للغاية للعب الدور المناسب في المجال العام.
ويتهمه السياسيون الذين عملوا معه بأن ذاته متضخمة وشديدة الطموح، وبأنه لا يأخذ بعين الاعتبار الحقيقة أو الآخرين. مع ذلك، فإن صورته العامة هي أقرب لنجم تلفزيوني محبوب، شديد التلقائية والمرح، يحسن التحدث ويستخدم لغة لا يقدر عليها السياسيون الآخرون، حتى قيل إن منطق معسكر الداعين للخروج من الاتحاد كان أفضل من منطق الطرف الآخر نظراً لامتلاك بوريس لغة قوية وحضوراً لافتاً مقارنةً بكاميرون الباهت والسطحي.
ولا يشكو "بوق" معسكر "بريكست" في الاستفتاء الذي أفضى في يونيو/ حزيران الماضي إلى تصويت 52 بالمائة من البريطانيين لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من قصر اللسان، وهو الذي يتحدث خمس لغات من بينها الروسية والألمانية والفرنسية بالإضافة الى اللاتينية والإنكليزية. وقد اشتهر جونسون بإطلاق المواقف السياسية المُثيرة للجدل، والتي غالباً ما يُعبر عنها في مقال أسبوعي في صحيفة "ذي تلغراف".
وكان أشد ما قاله في إبريل/ نيسان الماضي، مُنتقداً تدخل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في مسألة الاستفتاء، حيث كتب، بتعبير لا يخلو من العنصرية، أن "التراث الكيني في شخصية أوباما عزز مشاعره المعادية لبريطانيا"، مضيفاً أن "الرئيس نصف الكيني يكن كراهية للإمبراطورية البريطانية".
وخلال معركة الاستفتاء حول مصير عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، هاجم جونسون قادة الاتحاد الأوروبي، وقال إن مساعيهم لبناء "دولة أوروبا الكبرى" لا تختلف عن مساعي هتلر ونابليون بونابرت في توحيد أوروبا.
وأثناء زيارة لإسرائيل في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، وصف جونسون حملة المقاطعة الدولية لإسرائيل (BDS) بـ"الفكرة الغبية"، زاعماً أن "حملة المقاطعة المحصورة في أوساط أكاديمية يقودها نفر من اليسار الجامعي لا يمثلون السلك الأكاديمي أو التيار المركزي في الغرب، وبالتالي لا تأثير لهم في بريطانيا".
وكتب بوريس جونسون في ديسمبر/ كانون الأول، أنه يتعين على بريطانيا أن تعمل مع "الشياطين" الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، لهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية". وعاد جونسون في مارس/ آذار الماضي للإشادة بدعم بوتين للأسد لدحر"داعش" من تدمر. وفي وقت سابق من هذا العام فاز جونسون بمسابقة "الشعر الهجومي" التي تنظمها مجلة "سبيكتوتر"، بقصيدة هاجم فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.