وزير صناعة مرسي: لم نفشل وتعرضنا لتآمر ممنهج

30 ابريل 2014
حاتم صالح وزير الصناعة والتجارة الخارجية السابق(العربي الجديد)
+ الخط -

قال وزير الصناعة والتجارة الخارجية حاتم صالح في عهد الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، إن الفترة الأخيرة من حكم مرسي شهدت أزمات اقتصادية مفتعلة ليس لها مبرر حقيقي، لتجييش المصريين على هدف واحد وهو كراهية النظام المنتخب، رغم تحقيق نجاحات في عدة مجالات شهدت تردياً بعد يوليو/تموز.

وأطاح الجيش المصري مرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013 إثر تظاهرات دعت لها المعارضة في 30 يونيو/حزيران، بعد عام واحد من وصوله للحكم عبر أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

وأضاف صالح في مقابلة مع "العربي الجديد" في أول ظهور إعلامي له منذ إطاحة الجيش مرسي، إن مصر استردت خلال عام واحد نحو 60 مليار جنيه (8.6 مليارات دولار)، من أموال التهرب الضريبي والعقود الفاسدة التي تم إبرامها في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي أطاحته ثورة يناير.

وقال إن حكومة هشام قنديل عملت وسط مناخ يتسم بالتردي والتآمر الممنهج، ورغم ذلك تمكنت من تحقيق فائض في الميزان التجاري للبلاد لأول مرة منذ 50 عاماً، بقيمة 15 مليار جنيه (2.1 مليار دولار)، في النصف الأول من 2013، (آخر ستة أشهر في العام الذي قضاه مرسي بالحكم).

وكشف أن بعض القرارات التي اتخذتها حكومة قنديل، تصادمت مع بعض أصحاب المصالح، الذين كانوا يحرضون بعض وسائل الإعلام ضد الحكومة.

وقال إن المؤسسة العسكرية تتحكم إلى حد كبير بمساحات كبيرة من الأراضي المتميزة، تزيد كثيراً عن احتياجاته العسكرية الفعلية، حيث يجري استغلال أغلبها في ما بعد، في أنشطة تجارية أو ترفيهية، ليس لها ارتباط مباشر بالنشاط العسكري.

وحذر من أن سد النهضة الإثيوبي سيُفقد مصر 30% من نصيبها من المياه في غضون عامين على الأكثر، وأن مصر تواجه العديد من المخاطر، لكن أعظمها هو الانقسام المجتمعي الحاد والموجود الآن في كل بيت بمصر.

وقال إن أغلب أحزاب المعارضة ضد مرسي، بدأت تشعر بالخديعة الآن بعدما استُبعد أغلبهم من المشهد السياسي وتم تحقير أدوارهم واغتيال العديد من شخوصهم إعلامياً.

وأضاف أنه كان هناك مخطط للخروج عن أي مسار دستوري رسمه الشعب، للرجوع بالبلاد خطوات سريعة إلى دولة ما قبل ٢٥ يناير.

وقال إنه ليس هناك حل للخروج من الأزمة الحالية في مصر، بدون عودة الشرعية الدستورية للبلاد بنحو كامل وخروج القوات المسلحة وأجهزتها من المشهد السياسي وتفرغها لمهمتها الأساسية في حماية أمن البلاد.

وأشار إلى أن "الضرر الذي وقع على المؤسسة العسكرية العام الماضي، لم يحدث في تاريخ القوات المسلحة وقد يأخذ عقوداً لإزالته".

وهذا نص الحوار الذى اجرته "العربي الجديد" مع وزير الصناعة والتجارة الخارجية حاتم صالح:

* كثيراً ما تلقّت حكومة هشام قنديل في عهد مرسي اتهامات بالفشل في إدارة الملف الاقتصادي، فما تعليقك؟

- هذه الحكومة حققت نجاحات عدة، حيث سجل الميزان التجاري لمصر فائضاً لأول مرة منذ 50 عاماً قدره 15 مليار جنيه في النصف الأول من 2013.

واستطعنا أن نحقق هذا التحسن من خلال سياسات تحفيزية للصادرات وحلّ العديد من المشاكل التي واجهت المُصدّرين مثل مشكلة الألبان في العراق والبطاطس في اليونان والفراولة للولايات المتحدة.

كذلك فُتح باب تصدير الأرز، وبالتالي تحسين سعره المتدني للفلاح، بالإضافة إلى قيام البنك المركزي بتحسين سعر الصرف بنحو محسوب، والذي كان مثبّتاً بشكل غير واقعي ولا يعبّر عن قيمته الحقيقية، لفترة طويلة.

وأحدثت كل هذه القرارات طفرة في الصادرات بلغت زيادة سنوية بنسبة ٥٪، مقومة بالدولار، وهي معدلات تاريخية لم تتحقق حتى الآن، وإنما انخفضت هذا العام بحوالى ٧٪ عما وصلنا إليه العام الماضي، نتيجة الحالة السياسية والأمنية وإغلاق العديد من المصانع.

لكن البعض يرى أن تحقيق هذا الفائض كان نتاج انكماش الواردات بسبب تراجع الوضع الاقتصادي؟

- ليس صحيحاً، فقد قمنا بإعادة تشغيل ١٣٨ مصنعاً متوقفاً، ووضعنا أيضاً تصورات عديدة، بالتعاون مع البنك المركزي، لسياسات فعالة لترشيد الواردات غير الضرورية من خلال وضع أولويات فتح الاعتمادات، وكذلك مع وزارة المالية، في زيادة الجمارك على السلع التي لها بدائل محلية. كل هذه السياسات وغيرها ساهمت بنحو كبير في تحقيق هذا التحسن التاريخي في الميزان التجاري.

كذلك قمنا بدراسة أضرار الإغراق في العديد من السلع، واتخذنا عدة قرارات لحماية الصناعة الوطنية، التي أسهمت كثيراً في تقليل الواردات، مثل قرارات الرسوم الوقائية للحديد وللسكر ومنتجات الخزف وغيرها.

وحققنا هذا كله رغم أن البلاد شهدت أكثر من ٥ آلاف اعتصام و٢٤ تظاهرة مليونية وأكثر من 10 آلاف إضراب عمالي، تعاملنا معها بالحكمة والصبر لإنضاج تجربة ديموقراطية وليدة، لا تكبت حريات ولا تقصف أقلاماً وتحفظ دماء مواطنيها.

تتحدث عن تحسن في عدة مؤشرات، لكن هناك تظاهرات خرجت ضد مرسي فى 30 يونيو؟ 

- كانت هناك زيادة كبيرة في معدلات حركة السياحة الوافدة إلى مصر، وبلغت الإيرادات ١٤ مليار دولار، كما تخطت تحويلات المصريين العاملين بالخارج 19 مليار دولار بزيادة كبيرة عن العام الذي سبقه، ما ساهم إلى حدّ كبير في تقليل الاعتماد على الخارج في اقتراض الموارد الدولارية؛ حيث بلغ متوسط الاحتياج الشهري أقل من مليار دولار، بعدما كان حوالى ٢ مليار دولار في العام الذي سبقه، وأكثر من ٣ مليارات دولار في العام الجاري نتيجة الظروف السياسية والأمنية الحالية.

وأعتقد أن الحشود التي خرجت ضد مرسي كانت خليطاً من عدد من الفئات المتنافرة في الأصل، لكنها اجتمعت أو تم تجميعها أو تجييشها على هدف واحد هو كراهية النظام المنتخب. أعتقد أن المنطلقات اختلفت من فئة لأخرى، ولا نستطيع أن نقول إن المطالب الاقتصادية كانت هي المنطلق الوحيد.

وللأسف دأب الكثير من هذه الوسائل على تشويه الحقائق واغتيال الشخصيات حتى تساهم في تأجيج حالة السخط الموجودة، وأثناء الأحداث سألنا الأجهزة الأمنية عن تقديرات الأعداد والمطالب، فكانت تقديراتهم للحشود المعارضة تتراوح بين ٢ و٣ ملايين شخص نزلوا في كل أنحاء الجمهورية، بينما لم يعطوا تقديرات للحشود المؤيدة، التي نزلت في المقابل وكانت تقدر أيضا بالملايين.

هذا لا يقلل بالطبع من تقديري واحترامي لكل من نزل في ٣٠ يونيو/حزيران ولو كان شخصاً واحداً، ويجب على أي حكومة تحترم شعبها أن تستمع له وتتفهم مطالبه، فهو في النهاية مواطن مصري يعبّر عن مطالبه التي يراها مشروعة ولا شيء في ذلك مادام تعبيراً سلمياً.

ولماذا فشلتم في إقناع الناس بهذه النجاحات؟

- كنا نعلن عنها ولكن أصوات التشوية والتشكيك كانت دائما أعلى، أعتقد أن أحد أخطاء هذه الحكومة كان التساهل مع بعض الأبواق الإعلامية التي دأبت على التحريض ونشر الكذب من دون سند من الحقيقة. كان رئيس الوزراء حريصاً على حرية الإعلام، وإتاحة أكبر مجال للنقد وحرية التعبير، ولكن أعتقد أن الكثير من هذه الوسائل تجاوزت الحدود المهنية والأخلاقية.

* وماذا عن أزمة الوقود الخانقة، لاسيما البنزين، التي شهدتها مصر في آخر أيام عهد مرسي؟.

- كانت هناك شكوك لديّ حولها، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من هذه الأزمة كان مفتعلاً، ولم يكن له أسباب حقيقية ومنطقية تبرره، روى لي أحد الوزراء عن عمليات تخريب في أحد المستودعات في ذلك الوقت أدّت إلى تعطل الإمداد من هذا المستودع، وحكى آخر عن امتناع شبه ممنهج لبعض أصحاب المحطات المعروفين بصلاتهم بنظام مبارك عن تسلّم الوقود، ومشاهد أخرى كثيرة توحي بافتعال الأزمة من أجل إيجاد حالة سياسية مرتبة.

ولماذا لم تسارعوا إلى وضع خطط بديلة لاحتواء الأزمة؟

- كانت لدينا بالفعل خطط بديلة، ولكن كما شرحت، كانت هناك قوى تتحرك ضدنا وصلت لحد التخريب المتعمد، وهذا يصعب مواجهته لعدم توقع مصادرها وتوقيتها.

* البعض يقول إن عهد مرسي شهد محاولات للتصالح مع رموز نظام مبارك من رجال الأعمال الذين خرجت ثورة يناير ضدهم؟.

- في عهد مرسي تم استعادة ما يقرب من ٦٠ مليار جنيه (8.6 مليارات دولار) في عام واحد من أموال التهرب الضريبي أو عقود فاسدة تم إبرامها في عهد مبارك، أعتقد أن هذا مبلغ كبير جداً في عام واحد بذلت فيه الوزارة جهوداً جبارة.

والفساد في مصر يفوق التصورات نتيجة ٦٠ عاماً من سوء الإدارة والحكم الفردي الذي لا يتعرض للمساءلة، وأبواق الإعلام الفاسد تُخدّم على ذلك وتدعمه.

كان "السوس" الذي ينخر في عظام الدولة من الداخل يسابق الزمن لإفشال جهود حكومة قنديل، لأنه كان يعلم أن الدور سيأتي عليه قريباً.

وبعض القرارات التي كنا نتخذها كانت تتصادم مع بعض أصحاب المصالح هنا وهناك، الذين كانوا يحرضون بعض وسائل الإعلام ضد الحكومة.

* لكن كانت هناك العديد من الأصوات، من بينها مؤيدون لمرسي، طالبت بإقالة حكومة قنديل؟.

- أداء الدكتور هشام قنديل في الملف الاقتصادي كان جيداً جداً، مقارنة بأداء من سبقوه، وحتى الذي لحقه. هذا ليس رأيي ولكن بشهادة الأرقام التي كانت الأفضل من حيث معدلات النمو والصادرات وتحويلات المصريين والسياحة ومعدلات النمو الصناعي والزراعي، ربما لو تُرك يعمل بدون منغصات سياسية، لكان الوضع أفضل بكثير مما هو عليه الآن.

ويُشهد له أنه استطاع تحقيق هذه المعدلات بمساعدات خارجية لم تزد على ١٢ مليار دولار على مدار العام، في حين الوضع الآن أسوأ بكثير على الرغم أن معدل المساعدات الخارجية منذ يوليو الماضي وهذا العام يتوقع أن يقترب من ٤٠ مليار دولار، وهو معدل مرتفع للغاية لم يحدث من قبل في تاريخ مصر ولا يمكن أن يستمر.

ربما يؤخذ على قنديل أنه لم يتعامل مع الملفات السياسية بالسرعة والقوة المطلوبة لقلة خبرته السياسية، ولكن هذا أيضاً يجب رؤيته ضمن المشهد العام الذي كان يتسم بالتردي والتآمر الممنهج، وربما رأى الرئيس في ذلك الوقت إعطاء الأولوية للتماسك في الملفات الاقتصادية التي كانت قد بدأت تشهد تحسناً على الملفات السياسية، التي لم يكن يتوقع أحد أن تصل لما وصلت إليه.

قنديل رجل مجتهد ومخلص، وحزنت جداً للطريقة التي تم التعامل بها معه بعد ذلك أثناء القبض عليه، فلا يليق برئيس وزراء مصر التعامل معه بهذه الطريقة المهينة، مهما كان الخلاف السياسي، والحقيقة أن هذه الصورة ستظل محفورة في ذاكرة أجيال قادمة شاهدة على ظلم كبير، وما كان ينبغي أن يحدث، وأتمنى أن يزول سريعاً ويفرج عنه بأسرع وقت هو وكل المعتقلين السياسيين.

* العدالة الاجتماعية كانت أحد مطالب ثورة يناير، والبعض انتقد مرسي لعدم إقراره الحد الأقصى للأجور وتوظيفه في تمويل الحد الأدنى؟.

- وضع حد أقصى للأجور ليس مورداً لتمويل الحد الأدنى العادل للأجور ولا يكفي حتى لتمويل عُشره، لكنه مظهر مهم من مظاهر تحقيق العدالة الاجتماعية، وقد تم تطبيقه بالفعل في العديد من الوزارات والمصالح الحكومية.

على سبيل المثال، كان الدخل الشامل لأي وزير في حكومة قنديل لا يتخطى ٢٩ ألف جنيه في الشهر، وهو دخل يقل كثيراً عما كان يحصل عليه في القطاع الخاص مثلاً، كما تم تقليص أعداد كبيرة من المستشارين.

وفي وزارة الصناعة مثلاً، في وقتنا كانت أعداد المستشارين تعد على أصابع اليد، بعدما كانت بالمئات، وأصبح متوسط دخولهم حوالى ١٥ ألف جنيه شهرياً، بعدما كان أكثر من ذلك بكثير، وتم الاعتماد على الكفاءات الشابة الموجودة بالوزارة وهي كثيرة ولم تكن تأخذ فرصتها، وتم تصعيد البعض منها، وكان هناك خطة لتأهيلهم بشكل محترف، تمهيداً لتصعيد العديد منهم في المستقبل القريب.

شهدت مصر عدة مشروعات في عهد مرسي منها تصنيع تابلت محلي باسم "إينار"، من جانب شركة بنها للصناعات الإلكترونية فما مصيره؟.

- لا معلومات لديّ تتعلق بأسباب التوقف عن الحديث عن هذا المشروع.

* وماذا عن مجمع المصانع السورية الذي كان من المقرر افتتاحه في مدينة بدر شرق العاصمة القاهرة؟.

- أعتقد أن هذا المشروع تعثر حالياً نتيجة التضييق على اللاجئين السوريين، ما دفع أغلب هؤلاء المستثمرين للسفر إلى تركيا وبدء نشاطاتهم هناك.

والحقيقة أننا قمنا بجهد كبير لمساعدة الأشقاء السوريين في إعادة توطين صناعتهم التي تضررت بشدة نتيجة المعارك المندلعة في سورية، وأعلنّا عن إنشاء منطقة صناعية عربية في مدينة بدر، لجذب هؤلاء المستثمرين.

وتقدم ٣٠٠ مستثمر بطلبات لإنشاء مصانع في هذه المنطقة، تم الترخيص لما يقرب من ٨٠ مستثمراً منهم، وكانت أغلب هذه الصناعات في مجال النسيج، الذي يتميز بأهمية استراتيجية كبيرة لمصر، حيث إنه كثيف الاستخدام للعمالة وقليل الاستهلاك للطاقة، التي نعانى من شح مواردنا فيها حالياً، وكان من المتوقع توظيف أكثر من ١٠٠ ألف عامل مصري.

* هل كانت هذه مبادرتكم الوحيدة لجذب المستثمرين الأجانب؟

- قمنا بعدة جولات أوروبية أسفرت عن تقدم ٢٥ مصنعاً أوروبياً، عانى أصحابها من مشاكل اقتصادية هناك، بطلبات لنقل مصانعهم من إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا إلى مصر، كانت هذه المصانع ذات مكوّن تكنولوجي متقدم جداً.

وماذا عن مصنع "سامسونج" للأجهزة الإلكترونية الذي كان مقرراً افتتاحه في المنطقة الصناعية ببني سويف جنوب القاهرة؟.

- يُعتبر هذا المصنع من قصص النجاح المتميزة لحكومة هشام قنديل؛ حيث استطعنا أن نجذب هذه الشركة العالمية لإنشاء مصنع من أكبر مصانعها حول العالم في صعيد مصر في مدينة بنى سويف، شجعتهم هذه الحكومة على إنشاء مركز أبحاث وتطوير عالمي، ولأول مرة وافقوا على إنشاء مركز بهذا الحجم خارج كوريا.

ولم يكن مصنع "سامسونج" هو الوحيد في هذه الفترة، حيث قامت شركة "لوريال" الفرنسية بإنشاء مصنع كبير لها للتصدير إلى المنطقة العربية كلها، قمت بزيارته بنفسي، وكان مقرراً أن أفتتحه مع وزير الصناعة الفرنسي في شهر سبتمبر/أيلول الماضي.

أكثر من ألف مصنع بدأت إنتاجها هذا العام، منها العديد من المصانع النوعية ومصانع أخرى كانت على الطريق في مجالات حيوية ونوعية كصناعة الطائرات والخلايا الشمسية والإلكترونيات الدقيقة والسيارات.

كنا نسعى دائماً مع هؤلاء المستثمرين إلى أن نعظّم من المكوّن المحلى بشكل كبير وننقل التكنولوجيا اللازمة لذلك، مع إعطائهم الحوافز المناسبة. كان لدينا رؤية للانتقال في الكثير من الصناعات الهامة من مراحل التجميع إلى مراحل التصنيع باستخدام التكنولوجيا المتطورة.

لا أعلم مصير هذه المصانع الآن، ولا أعتقد أن العمل توقف فيها بعد 3 يوليو/ تموز، لأنهم ضخوا استثمارات بالملايين وكانت في مرحلة بداية التشغيل عندما تركنا الحكومة.

* هل ترى أن المؤسسة العسكرية لعبت دوراً لإفشال نظام مرسي؟

- لمست تدخل المؤسسة العسكرية، وأعتقد أنه مازال موجوداً حتى الآن، وتحكّمهما بشكل كبير في مساحات كبيرة من الأراضي المتميزة، التي أعتقد أنها تزيد كثيراً عن احتياجاتهم العسكرية الفعلية، بالإضافة إلى استغلالهم لأغلب هذه الأراضي بعد ذلك في أنشطة تجارية أو ترفيهية ليس لها ارتباط مباشر بالنشاط العسكري.

ربما كان السبب في ذلك تاريخياً هو الرغبة في الاستقلال عن ميزانية الدولة، التي قد تتأثر عناصر السيولة بها، في أوقات الأزمات، بما يهدد قدرة الإمداد السريع للجيش وقت الاحتياج، وهي أسباب منطقية، لكن تحتاج إلى التقنين والرقابة حتى لا تكون أبواباً للفساد.

التدخل الآخر تمثّل في القيود المفروضة على ارتفاعات أية مبان أو مصانع، حيث يجب الحصول على موافقة الجيش على حدود ارتفاع أي مبنى في الجمهورية، ما عرقل إلى حدّ كبير جهود التنمية لفرضهم مبالغ ضخمة ومُبالغ فيها جداً لأي منشأة تريد زيادة الارتفاعات لأغراض التنمية.

وكان التعليل لذلك من جانب المؤسسة العسكرية هو تأمين قواعد الرادارات، ولكن أعتقد أن هذا الموضوع كان فيه الكثير من المبالغة، التي أثرت على التوسعات في العديد من المصانع.

* دعا وزير الدفاع السابق المشير عبد الفتاح السيسي أحزاب المعارضة إلى لقاء في ديسمبر/ كانون الأول 2012، ألم يستشعر مرسي الخطر من تصاعد نفوذ وزير دفاعه؟.

- لم أكن قريباً من الرئيس وقتها لأعلم رد فعله على الدعوة التي ألغتها المؤسسة العسكرية بعد ذلك.

* هل لعب الجيش دوراً في عدم تنفيذ مشروع تنمية محور إقليم قناة السويس؟

- كان للمؤسسة العسكرية بعض التحفظات في البداية وتم الأخذ بها، وأعتقد أن الدولة العميقة المتمثلة في الإعلام الموجّه والبيروقراطية الحكومية هي التي لعبت الدور الأكبر بعد ذلك لتعطيل المشروع، ولا أتفق مع مقولة أنه فشل، فهناك إجماع حتى وقتنا هذا على أن هذا المشروع له أهمية استراتيجية كبرى لمصر.

* كيف ترى إعادة طرح المشروع بعد إطاحة مرسي والحديث عن شراكة مع مستثمرين إماراتيين؟

- ليست لدي تفاصيل عما يحدث الآن، وكلها أخبار غير موثقة أقرأها في الصحف هنا وهناك، وهذه إحدى المشاكل الكبرى الموجودة حالياً، أعتقد أن مشروعاً بهذا الحجم يجب أن يعامل بقدر أكبر من الشفافية والوضوح مع الرأي العام.

* كيف استقبلتم بيان مهلة الـ 48 ساعة التي أعلنها الجيش يوم 1 يوليو/تموز الماضي بعد التظاهرات التي نظمتها المعارضة في 30 يونيو؟.

- بالتأكيد شعورنا أن هناك نية من قبل المؤسسة العسكرية لتعطيل المسار الديموقراطي الموجود، والذي بذل الشعب فيه خمسة استحقاقات انتخابية، كانت نموذجاً حراً شهد العالم بنزاهتها، وأكسبنا احتراماً كبيراً لدى العالم كله، كنا نلمسه في جميع زياراتنا للخارج، كان ثمة إحساس كبير بالمرارة والإحباط من هذه الردة التي يعلم الله كم ستأخذنا للوراء.

* لماذا لم يتخذ مرسي إجراءات مضادة بعزل قيادات المؤسسة العسكرية، خصوصاً أن البيان كشف أن انقلاباً عسكرياً في الطريق؟.

- لم أكن قريباً من الرئيس في هذا التوقيت ولا يمكنني الجزم بالظروف المحيطة به آنذاك.

* هل أخطأ مرسي بعدم الدعوة إلى استفتاء شعبي على إجراء انتخابات مبكرة للخروج من المأزق الحالي؟.

- لا أعتقد أن الرئيس مرسي كان حريصاً على الرئاسة كما يتوهم البعض، بل إنه لم يكن يمانع في إجراء انتخابات مبكرة، ولكن حرصه الشديد كان ألا تتم أي خطوة إلا في إطار الشرعية الدستورية، التي كان يشعر بأنها مهددة بشدة، وهو ما ثبت بالفعل لاحقاً.

لكن هناك الكثير من الحقائق التي تم طمسها عن الرأي العام في وقتها عن عمد حتى لا يهدأ الشحن المعارض.

ومن هذه الحقائق، أنه لم نكن بحاجة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، حيث كان من المقرر إجراء انتخابات نيابية خلال شهرين أو ثلاثة، ولو كانت هناك قوى معارضة حقيقية قوية وكاسحة كما كان يصوَّر، فكان من الطبيعي، أن تكسب هذه الانتخابات وتشكل البرلمان.

وفى هذه الحالة، وطبقاً لدستور 2012، الذي استفتي فيه الشعب، كان يمكن للبرلمان سحب الثقة من الرئيس وبالتالي عزله، لكن أعتقد أن المخطط كان التعتيم على الناس بأكبر قدر ممكن، للخروج عن أي مسار دستوري رسمه الشعب للرجوع بخطوات سريعة لدولة ما قبل ٢٥ يناير/ كانون الثاني من العام 2011.

ويبدو أن أحزاب المعارضة وجدت دعماً في توقيت معيّن أشعرها بقدرتها على تغيير شكل النظام والجلوس مكان الحزب الحاكم بدون الآليات الديموقراطية المعروفة، مما جعلها تتعنت بنحو كبير ووصل بها الأمر إلى مقاطعة أغلب دعوات الحوار مع الرئاسة بعد ذلك.

أرى الآن أن أغلب أحزاب المعارضة بدأ يشعر بالخديعة، بعدما استبعد أغلبهم من المشهد السياسي وتم تحقير أدوارهم واغتيال العديد من شخوصهم إعلاميا، وربما يكون قد أدى ذلك إلى تفككهم مرة أخرى.

* ما رؤيتك للخروج من الأزمة في ضوء قرب الانتهاء من الخطوة الأخيرة من خارطة الطريق وإجراء الانتخابات الرئاسية؟.

- ليس هناك حل بدون عودة الشرعية الدستورية للبلاد بنحو كامل، وخروج القوات المسلحة وأجهزتها من المشهد السياسي وتفرغها لمهمتها الأساسية في حماية أمن البلاد. أرى أن الضرر الذي وقع على المؤسسة العسكرية العام الماضي لم يحدث في تاريخ القوات المسلحة، وقد يأخذ عقوداً لإزالته.

هذا بالإضافة إلى الوضع المتردي الذي وصلت إليه البلاد، اولذي لا يخفى على أحد، ما يمثّل تهديداً خطيراً لكيان الدولة المصرية، بالإضافة إلى مخاطر لا تقل خطورة عن الخطر الاقتصادي كخطر سد النهضة الذي يبشر بنقصان نصيب مصر من المياه بنسبة ٣٠٪ في غضون عامين على الأكثر، بالإضافة إلى خطر شح مصادر الطاقة الذي تسبب في توقف العديد من المصانع حتى الآن.

هناك مخاطر اجتمعت على الأمة المصرية في توقيت متزامن، ولكن أستطيع الجزم بأن الخطر الأكبر والأعظم الآن هو الانقسام المجتمعي الحاد والموجود في كل بيت، ويمكننا مواجهة كل الأخطار إذا استطعنا أن نستعيد وحدتنا.

* ما مستقبل المصالحة بين فرقاء الثورة في ظل تمسك "تحالف دعم الشرعية" بعودة مرسي، وهو ما ترفضه الحركات الاحتجاجية الأخرى؟.

- لا أعتقد أن من حق أحد أن يقرر بقاء الرئيس من عدمه غير الرئيس نفسه، الذي جاء به الشعب في أول انتخابات حرة ونزيهة، في تاريخ مصر. وتنحّي الرئيس عن منصبه بشكل شرعي يقتضي إما أن يقرر الرئيس ذلك بنفسه أو الاحتكام إلى شرعية دستورية كمجلس النواب، ولا يملك أحد الاتفاق على غير ذلك خارج الأطر الشرعية.

وكما قلت وبحكم معرفتي بالرئيس، فإن حرصه الأكبر ليس على بقائه كشخص، وإنما على بقاء الشرعية الدستورية، التي كان دوماً يردد أنه على استعداد لأن يفتديها بحياته، وهو ما أتفهمه جيداً، لأنها ببساطة تعني التمسك بمبدأ الحفاظ على حق الشعب في اختيار من يمثله في الإطار الذي اختاره الشعب لنفسه، وليس في أي إطار آخر يملى عليه.

المساهمون