04 ابريل 2016
وسام بنسعيد وشموعه
شكّل توشيح الملك محمد السادس أحد قيادات جيش التحرير الوطني في المغرب وساماً وطنياً رفيعاً سجالاً سياسياً كبيراً، دام أياماً، على وسائط التواصل الاجتماعي، وحاول محسوبون على اليسار الراديكالي وآخرون النيل من سمعة المقاوم محمد بنسعيد آيت يدر، القائد السياسي الذي قاد جيلا من الشباب في أواخر الستينيات وسنوات السبعينيات، إبّان تأسيس حركة 23 مارس اليسارية، سنوات العمل السري ضد الحكم. ثم بعد ذلك في منفاه من فرنسا، حيث أدار حواراً مع النظام من أجل العودة إلى المغرب، والدخول في العمل الشرعي، عندما أسس، رفقة هؤلاء الشباب، حزباً سياسياً أطلقوا عليه منظمة العمل الديمقراطي الشعبي. وسمحت له السلطة، أيام حكم الملك الراحل الحسن الثاني، بالعمل له ولشباب حزبه الحالم بالتغيير وبمغرب أفضل، على الرغم من أن الملك، وقتها، لم يكن راضيا على الشعارات التي كان يحملها الحزب الصغير الوليد آنذاك، وهو شعار "دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع".
ففي حين كان المغرب خارجا بصعوبة من محاولتي انقلاب، ومن "مسيرة خضراء"، ومن حرب في الصحراء، وأحداث اجتماعية مؤلمة، بعد ثورة الخبز في الدار البيضاء في سنة 1981، سيأتي من يقول للسلطة الحاكمة إن السبيل لتجنيب المغرب منزلقات جديدة، وعالية الفاتورة، هو "الدمقرطة، بشقيها المجتمعي والمؤسساتي"، من انتخابات نزيهة وبرلمان بصلاحيات تشريعية وإطلاق جديد للمبادرة السياسية، وإنعاش المجال العام.
لكن، من مكر المصادفات أن السنة التي خرجت فيها حركة 23 مارس من السرية إلى العلنية، وتحولت إلى حزب شرعي في 1983، ستعرف تزويراً فادحا في الانتخابات البرلمانية، وبلقنة غير مسبوقة للخريطة السياسية، بتفريخ أحزاب جديدة.
كان هذا مؤشرا على تردد عقل السلطة الباطني، وصراعه الداخلي بين رغبة الإصلاح وكوابح الركود والمحافظة.
منذ ذلك الوقت، ومحمد بنسعيد آيت يدر يحاول بناء أداة حزبية، تكون مشروعا اجتماعياً وسياسياً، ونواة تجمع مثقفين وفئات اجتماعية مختلفة، وقد تحقق له ذلك، بفضل التجربة الإعلامية المشرقة التي قادها مختبر إعلامي اسمه صحيفة أنوال، كانت في تلك الفترة البديل العملي الذي يطرح سؤال المثقف وتطلعات المجتمع المغربي للغد الأفضل.
تجربة بنسعيد السياسية غاية في الإثارة، كان الشيخ الذي يحكم الشباب، أو يقودهم على الوجه الأدق. فبخبرته التي راكمها، منذ فترة النضال المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، وبشخصيته الهادئة، استطاع أن يقود سفينة الشباب الجامحة، وسط الأهوال التي عرفها المغرب في فترات سنوات الرصاص وما تلاها.
ظل حسه "الشبابي" ملازما له، حتى وهو على مشارف التسعينيات من عمره، يتصدر شباب الحراك الاجتماعي في المغرب مع حركة 20 فبراير، يجدون فيه صمام أمان وأبا روحيا، كان المغرب بالنسبة إليه أولوية الأولويات.
وكما وسط مهنيي السياسة والمثقفين والأوساط الحضرية، كان لبنسعيد صيت كبير في البادية المغربية. فهؤلاء القرويون لم يكونوا يعرفون شيئا عن الصراع الطبقي، ولا عن حزب اسمه منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، لكن كانوا ينظرون إلى المنتمين لهذا الحزب، بإعجاب وخشية، ثم يبتسمون، بينما أعينهم تضيق في عرفان غامض: إنه "حزب بوطربوش"، وكانوا يقصدون محمد بنسعيد الذي عرف وسط المغاربة بطربوشه المميز، وبتدخلاته الصادمة للطبقة السياسية في البرلمان، زمن داخلية إدريس البصري، زمن الخوف والاختطافات، حيث كان يعثر على نشطاء سياسيين مرميين في أكياس علف الماشية في الخلاءات. في ذلك الزمن، لم يكن هناك إعلام اجتماعي، ولا "فيسبوك" ولا إنترنت، كي توصل صوتك. كان بوطربوش يخاطر بحياته وبلا ضمانات. حياة في كف اليد مثل بطل تراجيدي.
أما الآن، فحتى البومة يمكنها أن تغني وترقص!
لكن، من مكر المصادفات أن السنة التي خرجت فيها حركة 23 مارس من السرية إلى العلنية، وتحولت إلى حزب شرعي في 1983، ستعرف تزويراً فادحا في الانتخابات البرلمانية، وبلقنة غير مسبوقة للخريطة السياسية، بتفريخ أحزاب جديدة.
كان هذا مؤشرا على تردد عقل السلطة الباطني، وصراعه الداخلي بين رغبة الإصلاح وكوابح الركود والمحافظة.
منذ ذلك الوقت، ومحمد بنسعيد آيت يدر يحاول بناء أداة حزبية، تكون مشروعا اجتماعياً وسياسياً، ونواة تجمع مثقفين وفئات اجتماعية مختلفة، وقد تحقق له ذلك، بفضل التجربة الإعلامية المشرقة التي قادها مختبر إعلامي اسمه صحيفة أنوال، كانت في تلك الفترة البديل العملي الذي يطرح سؤال المثقف وتطلعات المجتمع المغربي للغد الأفضل.
تجربة بنسعيد السياسية غاية في الإثارة، كان الشيخ الذي يحكم الشباب، أو يقودهم على الوجه الأدق. فبخبرته التي راكمها، منذ فترة النضال المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، وبشخصيته الهادئة، استطاع أن يقود سفينة الشباب الجامحة، وسط الأهوال التي عرفها المغرب في فترات سنوات الرصاص وما تلاها.
ظل حسه "الشبابي" ملازما له، حتى وهو على مشارف التسعينيات من عمره، يتصدر شباب الحراك الاجتماعي في المغرب مع حركة 20 فبراير، يجدون فيه صمام أمان وأبا روحيا، كان المغرب بالنسبة إليه أولوية الأولويات.
وكما وسط مهنيي السياسة والمثقفين والأوساط الحضرية، كان لبنسعيد صيت كبير في البادية المغربية. فهؤلاء القرويون لم يكونوا يعرفون شيئا عن الصراع الطبقي، ولا عن حزب اسمه منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، لكن كانوا ينظرون إلى المنتمين لهذا الحزب، بإعجاب وخشية، ثم يبتسمون، بينما أعينهم تضيق في عرفان غامض: إنه "حزب بوطربوش"، وكانوا يقصدون محمد بنسعيد الذي عرف وسط المغاربة بطربوشه المميز، وبتدخلاته الصادمة للطبقة السياسية في البرلمان، زمن داخلية إدريس البصري، زمن الخوف والاختطافات، حيث كان يعثر على نشطاء سياسيين مرميين في أكياس علف الماشية في الخلاءات. في ذلك الزمن، لم يكن هناك إعلام اجتماعي، ولا "فيسبوك" ولا إنترنت، كي توصل صوتك. كان بوطربوش يخاطر بحياته وبلا ضمانات. حياة في كف اليد مثل بطل تراجيدي.
أما الآن، فحتى البومة يمكنها أن تغني وترقص!