يعيش أهالي شمال سيناء، شمال شرقي مصر، وقائع الحرب اليومية منذ سنوات في قراهم ومدنهم. من بين هؤلاء نازحون عن خمس قرى في المناطق التابعة لمدينة بئر العبد، ينتظرون تمكنهم من العودة إلى بيوتهم
تتجدد الوعود اليومية لنازحي القرى الخمس التي سيطر عليها تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم "داعش" قبل أكثر من أربعين يوماً، غرب مدينة بئر العبد، بمحافظة شمال سيناء، شرقي مصر، بإمكانية العودة إلى منازلهم خلال الفترة القريبة المقبلة بعد إحكام السيطرة عليها من قبل الجيش المصري، لكن مع صبيحة كلّ يوم تتبخر هذه الوعود مع أصوات إطلاق النار والانفجارات التي تهز ثلاث قرى من أصل خمس، ما زال التنظيم يوجد في أجزاء منها، وهي قرى قاطية وأقطية والمريح، التي تشهد خسائر مادية وبشرية في صفوف الجيش كان آخرها مقتل ثمانية عسكريين بينهم ثلاثة ضباط.
وفي تفاصيل وضع النازحين، يقول شيخ قبلي من سكان قرية رابعة، غرب مدينة بئر العبد، لـ"العربي الجديد" إنّ أوضاع النازحين تسوء بمرور الأيام، وفي ظل التجاهل الحكومي لأوضاعهم، بعدما تُركوا في العراء، ومن دون دعم ذي قيمة طوال الأسابيع الستة الماضية، وهي المدة التي أمضوها خارج قراهم نتيجة سيطرة تنظيم "داعش" عليها.
يضيف أنّه جرت مؤخراً دعوة الأهالي من قبل بعض المشايخ إلى التسجيل لدى معسكر الجيش المصري في قرية رابعة، من أجل حصر المواطنين الراغبين في العودة إلى قراهم، وتسهيل مرورهم إليها خلال الفترة المقبلة، فيما حدد هؤلاء المشايخ عدة مواعيد لعودة النازحين جميعها باء بالفشل. يضيف الشيخ القبلي أنّ النازحين كالغريق الذي يتعلق بقشة، فكلما سمعوا بموعد للعودة جهزوا أنفسهم وأمتعتهم، لكن في صبيحة يوم العودة يفاجأون بالتأجيل مرة أخرى، أو بطلب جديد من معسكر رابعة بتسليم المزيد من الأوراق والسجلات، ما أصابهم باليأس من إمكانية العودة في الوقت القريب.
وفي سياق متصل، يتابع النازحون عن كثب التوجهات الحكومية حيالهم على صعيد التعويضات المادية للخسائر المادية التي تعرضوا لها نتيجة سيطرة "داعش" وما تبعها من قصف جوي ومدفعي أدى إلى تدمير عشرات المنازل، والأراضي الزراعية قبل حصادها بوقت قصير، لكن في المقابل لا توجد أيّ إشارة من الجهات الحكومية إلى الرغبة في تعويض سكان القرى الخمس، على ما تعرضوا له، وهذا ما ظهر من عدم تعويض سكان قريتي رابعة والجناين بالرغم من نزعها من قبضة "داعش" على يد الجيش.
يقول أحد سكان قرية قاطية التي ما زالت خارج السيطرة الكاملة للجيش المصري، لـ"العربي الجديد": "ما نفهمه من كلام المشايخ أنّ عودتنا باتت مسألة وقت فقط بعد سيطرة الجيش على القرى، وما يجري حالياً عمليات تمشيط للطرقات والمنازل التي كان يوجد فيها التنظيم الإرهابي، وهذا يدفعنا إلى التفكير بالخطوة اللاحقة وهي التعويضات اللازمة لاستمرار بقائنا على هذه الأرض التي باتت مطمعاً للتنظيم".
يضيف أنّ مئات المواطنين خسروا مصدر رزقهم نتيجة التلف الذي أصاب محالهم التجارية أو مزارعهم، عدا عن الأضرار التي أصابت المنازل والسيارات وغيرها، وبالتالي فإنّ "التعويض أمر مهم لدى سكان القرى، وفي أقرب وقت ممكن للبدء في إعمار ما دمره الإرهاب إذا كانت الدولة معنية فعلاً بدعم صمودنا على هذه الأرض بالرغم من مضايقات داعش وما يتبعها من عمليات للجيش"، موضحاً أنّه على الرغم من تهديدات "داعش" وخطر العودة إلى القرى، فإنّ لدى غالبية النازحين رغبة جامحة بالعودة إلى ديارهم، وتشييدها بأيديهم، وزراعة أرضهم مجدداً. ويتابع: "هذا يتطلب دعماً حكومياً عاجلاً، لكنّ ضعف الجهد الإغاثي الحكومي لنا كنازحين ومنكوبين على مدار شهر ونصف مضى لا يبشر بخير ولا يدعونا للتفاؤل بالموقف الحكومي تجاهنا".
في ردّ على ذلك، يقول مسؤول حكومي بإدارة محافظة شمال سيناء لـ"العربي الجديد" إنّ البروتوكول المعتمد في التعامل مع حالات الدعم الحكومي للمتضررين من الإرهاب في سيناء، يتمثل في إرسال إشارة من المحافظة إلى الحكومة بالحالة الموجودة على الأرض، من ثم يأتي الرد الحكومي بمباشرة حصر الأضرار، والاتفاق على مبلغ التعويض كما جرى في تعويض سكان مدينة رفح المهجرة قبل سنوات، ومن ثم تبدأ الفرق الميدانية في الحصر بمعاونة من الفرق الهندسية التابعة للجيش المصري نظراً إلى أنّ شمال سيناء منطقة عسكرية، خصوصاً المناطق التي تقع فيها عمليات. من بعدها يجرى إرسال كشوفات التعويض للحكومة التي بدورها تصرف المبالغ المالية عبر المحافظة إلى المواطنين المتضررين.
يتابع أنّ هذه العمليات تحتاج إلى أشهر لإتمامها، فيما لم يتخذ أيّ إجراء في هذا الاتجاه حتى اللحظة، خصوصاً أنّ الجيش يؤكد سيطرته على القرى بشكل كامل ومن الواجب السماح لفرق المحافظة بالوصول إلى القرى وبدء الحصر، كسباً للوقت.
يشار إلى أنّ تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم "داعش" قد سيطر في 21 يوليو/ تموز الماضي على القرى الخمس غرب مدينة بئر العبد، فيما بدأ الجيش المصري في محاولاته لإعادة السيطرة بعد أكثر من أسبوعين، لكنّه قوبل بمقاومة شديدة من التنظيم، إلى أن تمكن من انتزاع قريتي رابعة والجناين بشكل كامل، بعد خسائر بشرية ومادية في صفوف الطرفين، وأكمل عملياته في سبيل إحكام السيطرة على القرى الثلاث المتبقية، التي باتت أجزاء منها تحت سيطرة الجيش، وما زالت الاشتباكات قائمة بين الطرفين، بالتزامن مع قصف جوي ومدفعي على تلك القرى.