وقائع "استقلال" معلن

13 مايو 2015

أحد معسكرات الهاغاناة قرب اللد (11أبريل/1947/Getty)

+ الخط -
هذا العام سبقت إسرائيل العرب باستعادة يوم (استقلالها)، في 23 إبريل/نيسان المنصرم، أرخ التقويم العبري ليوم الاستقلال هذا متقدماً على التقويم العربي الذي سيستعيد المناسبة في 15 مايو/أيار الجاري، ولكن، تحت مسمّى "النكبة". تستدعي المفارقة السخرية، هي ليست المرة الأولى التي يتقدم فيها الإسرائيليون ويتأخر العرب، فمنذ 67 عاماً، ولا هم لنا إلا تسويق الأوهام، وخداع النفس، وطمس الحقائق، والإيحاء بأننا منتصرون، فيما الهزائم تحيط بنا من كل جانب وزاوية.

دعونا نستعير السؤال التاريخي الذي أطلقه شكيب أرسلان، وإنْ بصيغة أخرى: لماذا تأخرنا وتقدّم الإسرائيليون؟ ربما تعيننا "الوقائع" التي دوّنها ضابط بريطاني، عمل في إدارة الانتداب على فلسطين في حينه على تلمس الإجابة:

"قدمت إلى فلسطين عام 1918 بعثة الوكالة الصهيونية، برئاسة حاييم وايزمن، للشروع بتنفيذ وعد بلفور، وضمت أربعة ناشطين موصوفين بتفانيهم في خدمة الحركة الصهيونية، كما ضمت ممثلين عن مجتمعات اليهود في دول الغرب، وكان عليها إنجاز مهمتين في آن واحد: إيجاد وطن قومي لليهود، وإقامة مركز للأبحاث العلمية، وربطت الوكالة بين المهمتين باعتبار الواحدة تكمل الأخرى". لاحظوا أن إيجاد "الوطن القومي" يساوي "إقامة مركز للأبحاث العلمية" في العقل الإسرائيلي.

"أخذت الوكالة على عاتقها تطوير المؤسسات اليهودية في فلسطين، والتمهيد لإدارة مستقلة، تكون نواة للوطن القومي، بالتنسيق مع نشاط ضباط مخابرات بريطانيين، عملوا على شحذ الأذهان بمزاعم وجود مظالم ضد اليهود في أوروبا، على مدى قرون، داعين إلى التكفير عن تلك المظالم بالمساعدة على تأسيس وطن قومي لهم، ورفع ممثلو الحركة الصهيونية مذكرة إلى مؤتمر باريس للسلام، وصفوا فيها اليهود بأنهم رجال أقوياء شجعان، ذوو عزيمة راسخة، فيما وصفوا العرب بأنهم متفسخون، مخادعون، متأثرون برومانسية وصمت الصحراء". لاحظوا أن الهدف كان تشويه صورة العربي في الذهن الغربي، وإبراز صورة اليهودي على نحو إيجابي.

"في يوليو/تموز من العام نفسه، وضع حجر الأساس للجامعة العبرية في القدس وايزمن، خطوة على طريق العلم والمعرفة، وبداية عهد جديد في فلسطين". لاحظوا إنشاء الجامعة العبرية بعد شهور من بدء بعثة الوكالة عملها، وإبراز ذلك على أنه بداية عهد جديد.

"عام 1920، وصل إلى فلسطين هيربرت صموئيل، كأول مندوب سامي بريطاني لإنجاز مهمة تطبيق وعد بلفور، توافق ذلك مع وضع المنظمة اليهودية للعمل (الهستدروت) خطة لتهجير اليهود إلى فلسطين، وقد صادق المجلس الاستشاري الذي شكله صموئيل على تشريعٍ يتيح استقبال مستوطنين يهود جدد بمعدل ألف فرد شهرياً". لاحظوا أن خطة الهجرة اليهودية تعني تغييرا ديموغرافيا في كل أرض فلسطين.

"عمل صموئيل على محو تسمية فلسطين التاريخية، وأعطى اعترافاً رسمياً بالاسم اليهودي ERETZ ISRAEL، أي أرض إسرائيل، وتم تثبيت الاسم في الوثائق الرسمية والطوابع البريدية". كان ذلك يعني ولادة "إسرائيل" دولة، ولم يبق سوى تكريسها رسميا، وهو ما جرى عام 1948، أما العرب فقد احتاجوا إلى عقود كي يكتشفوا، وبعد تراجيديا تهجير الفلسطينيين، وتدمير قراهم من عصابات "الهاغانا"، أنهم أمام خطر داهم ومحدق، عندها دخلوا حرباً مع الدولة الجديدة كانت معروفة نتيجتها سلفا، في حينها كانت الإذاعات العربية كانت تصدر نشراتها الإخبارية بعبارة "النصر للعرب"، ولم ندرك نحن أن هذا جاء من قبيل تسمية الحال بعكسها إلا عندما كبرنا وصرنا نميز بين النصر والهزيمة.

لاحقاً، سوف تعرفنا حكوماتنا بأن إسرائيل "لقيطة نتجت من سفاح"، وأن كياناتنا السبعة التي خاضت غمار الحرب ضخام صحاح، وقد ارتفع عددها إلى أكثر من عشرين، ونحن بانتظار أن تتناسل أكثر فأكثر.

هكذا تعايشنا مع الكذب المباح، ووهم الانتصارات طوال 67 عاما، لم نكفّ فيها عن المتاجرة بفلسطين، ولم نتوان عن خوض حروبنا الخاصة تحت شعار "تحرير فلسطين". غزونا الكويت كي نعبر إلى القدس، ودخلنا بيروت كي نطوق تل أبيب، وأعلنا مولد دولة "إسراطين" كي نجمع العرب واليهود معاً، ولم ننس أن نقمع أصوات كل المعارضين لنا، إذ لا يمكن أن يعلو صوت فوق صوت المعركة، ولم ننس، أيضاً، أن نوقف كل برامج التنمية، كي نشتري أسلحة تكفي لمائة حرب، زعمنا أننا ندخرها للمعركة الفاصلة التي قلنا إنها سوف تكون "أم المعارك"، ثم اكتشفنا أن أسلحتنا تباع "خردة" في أسواق العالم.

بعد كل هذا لا تسألوا: لماذا تقدم الإسرائيليون، وتأخرنا نحن.

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"