تقف هذه الزاوية، مع مبدع عربي في أسئلة حول انشغالاته وبعض ما يودّ مشاطرته مع القرّاء. "هذه مسرحيتي الأخيرة"، يقول المخرج التونسي لـ"العربي الجديد".
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- ما يشغلني دائماً هو المسرح، كتابةً وإخراجاً وتنظيراً. وضمن هذا الانشغال، شاركتُ منذ أيام في ندوة فكرية تناولتْ موضوع اللامركزية في المسرح التونسي، وقد حاولتُ مع المشاركين تسليط الضوء على مفهوم اللامركزية بالرجوع إلى تجارب سبقتنا، كما كانت مناسبة للالتقاء بأصدقاء عايشوا وسايروا تجربتي الممتدّة على مدى قرابة أربعين سنة، مثل محمد مومن وحمدي الحمايدي ورضا بوقديدة وعبد الحليم المسعودي وكمال الشيحاوي وكمال اليعلاوي وأحمد حاذق العرف، إضافة إلى عدد من الأصدقاء الذين يشرفون اليوم على مؤسّسات المسرح التونسي في مدن عديدة من تونس.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- آخر أعمالي مسرحية بعنوان "دولاب النار الباردة"، وقد فازت مؤخّراً في المسابقة الرسمية لـ"مهرجان المسرح التونسي". العمل من تأليفي وإخراجي، وقد فكّرت فيه ضمن تأمّل في تجربتي المسرحية مع مرور ثلاثين عاماً على "دار سندباد"، الهيكل الدرامي الذي أسّسته منذ سنة 1989، وأنتج من خلاله أعمالي المسرحية. ومن المتوقّع أن نقيم احتفالية قريباً بتنظيم معرض وثائقي لعشرين مسرحية مع عرض فيلم وثائقي يضيء أهم محطّات هذه الرحلة، كما أنني أصدرت مؤخّراً كتاباً بعنوان "دار سندباد للمسرح.. النشأة والمسار" قدّم له محمد مومن وذيّلته فوزية المزّي بقراءة عامة في تجربتي. أما في ما يخص عملي القادم، فأنا لا أفكّر في مواصلة ممارسة المسرح. يعود هذا القرار إلى إشكاليات متعدّدة أًصبحت عليها الممارسة المسرحية؛ منها غياب الفضاءات، وغياب الدعم القائم على معايير موضوعية وفنية، وغياب سياسة الترويج، وبشكل عام غياب بيئة احترافية لدى كل المتداخلين في المجال المسرحي، ومنهم المسؤولون، سواء منهم الجهويّون أو في المركز، بحيث يجد المسرحي نفسه دائماً في محاولة إقناع الآخرين بأهمية الممارسة المسرحية على الرغم ممّا في ذلك من بداهة.
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- طبعاً أنا راض عن إنتاجي. ولا يعني ذلك التوقّف عند الرضا؛ حيث أنّني أحاول دائماً التجديد بما يتضمّنه ذلك من شعور بضرورة تجاوز ما تحقّق، والبحث المتواصل في الشكل وفي المواضيع، وكان ذلك التزاماً صاحبني منذ بدايات مسيرتي المسرحية، مع الاجتهاد في كل خطوة لإيصال منتج ثقافي يحترم المتفرّج ويكون في غاية من النضج والإتقان.
■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- كنت سأختار السينما، وقد كنت منذ طفولتي مغرماً بهذا الفن وودت لو كان هو مجال احترافي. لكن في ذلك الزمن لم تكن هناك معاهد لدراسة الفن الرابع، فاتّجهتُ صوب المسرح، وكانت ابنتي المرحومة خولة مغرمةً هي الأخرى بالسينما، وكانت تنوي دراسته في بولندا بعد استشارة صديقي المرحوم شوقي الماجري، والذي رحّب بالفكرة، وكان يعتزم أن يتكفّل بكل الإجراءات ليمكّنها من السفر ودراسة هذا الفن في ظروف جيّدة، ولكن القدر حال دون ذلك.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- قبل انتظار التغيير في العالم، أنتظر تغييراً في بلدي تونس. أتمنّى حقيقةً أن يحدث تغيير عميق في سياسة الدولة، ويتضمّن ذلك بالتأكيد نظرة مغايرة إلى الثقافة كعنصر استراتيجي، وبالتالي أن تُوفَّر له الاعتمادات اللازمة، كتلك التي توُفَّر للأمن وغير ذلك من القطاعات التي تحظى برعاية مكثّفة، وقتها فقط يمكن أن نقول بأن الدولة تراهن على العقل الثقافي التونسي، ولو فعلت ذلك لتلافينا عدّة إشكاليات اجتماعية وسياسية.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- أتمنّى لقاء أبي الطيّب المتنبّي. غير أن هذه الرغبة كنتُ قد أشبعتها نسبياً حين التقيت به في مسرحية "أحبّك يا متنبّي"، والتي أخرجتها سنة 1985، وخضت خلالها في أغوار هذه الشخصية واستقرأتها بما تختزله من إحالات فكرية وحضارية. لكنني أعتقد بأنني، إلى اليوم، في سجال مع شخصيته، وأنّني أعيش كل تناقضات مجتمعنا اليوم كما عاشها المتنبّي في القرن الرابع للهجرة، وأشعر أن التاريخ كأنه توقّف، أو كأنه بصدد إعادة شيء من نفسه، وهذا ما يحيّرني ويُدخلني في العديد من التساؤلات.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- ليس كتاباً واحداً. هناك العديد من الكتب التي أعود إليها، مثل "دروب الإبداع المسرحي"؛ عمل مشترك بين جيرزي غروتوفسكي وأوجينيو باربا، وهو بالتأكيد من أكثر الكتب التي أعود إليها.
■ ماذا تقرأ الآن؟
- أنا بصدد قراءة كتاب "الدراما ما بعد الحداثة" للمنظّر الألماني هانز ذيس ليمان Hans-Thies Lehmann، وهو عمل يلازمني منذ قرابة ثلاثة أشهر؛ حيث أقرأ بعض المقاطع أكثر من مرة لفهمها جيداً.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- لا أسمع موسيقى واحدة، بل تصاحبني موسيقات عديدة مع بعض، أحبّ إذاعة "مسك" التونسية بما توفّره من مادة موسيقية، ويبقى الجاز شغفي الأول، وخصوصاً تجربة ليونيل هامبتون.
بطاقة
كاتب وممثل ومخرج مسرحي تونسي من مواليد 1950. درس المسرح في تونس وفرنسا، وفي 1989 أسّس "دار سندباد للمسرح". من المسرحيات التي أخرجها: "النّاعورة" (1989)، و"حدّث أبو حيّان التّوحيدي قال" (1990)، و"دع عنك لومي" (1991)، و"حكاية طويلة" (2000)، و"سينما" (2007)، وحق الرد" (2009)، و"الكواسر" (2017)، وآخر أعماله بعنوان "دولاب النار الباردة" (الملصق)، وقد بدأت عروضها في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.