تقف هذه الزاوية، مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- تشغلني ثلاثة كتب كنتُ انطلقت في العمل على تأليفها قبل مدّة، ولكنني لم أُوفَّق لحد الآن في إتمامها. إنه لهمٌّ كبير حقّاً أن تعيش تجارب متعدّدة ومتزامنة في الكتابة. كما يشغلني، قبل ذلك، مسار الحراك الشعبي في بلدي الجزائر، وكذا ديناميكية التغيير الذي نشهده حالياً ومنذ الثاني والعشرين فبراير/شباط الماضي. ولذلك أقول، بعيداً عن جميع أشكال النرجسية، إنني فخور بالانتماء إلى هذا البلد، وطناً وشعباً وتاريخاً وثقافةً ونضالاً. إنه شعب طيّب ومكافح، يأبى الخنوع والخضوع لكل أشكال التسلُّط، ويهوى التميُّز والتألُّق، وعلى طريقته الخاصة فإنه يجتهد في التقدُّم نحو الأفضل، رافضاً في ذلك تشبيهه ومقارنته مع الغير.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- لأسباب متباينة، على رأسها سعيي وراء إنتاج الجديد والبحث عنه، في ظل قناعتي الراسخة بأن الزمن الرديء الذي نعيشه لا يستحقّنا، فإن أعمالي صارت تصدر بشكل فوضوي وغير منتظم. هي فوضى غير مقصودة، ولكنها غير معقولة أيضاً بل ومؤرقة. ففي التأريخ للسينما صدرت لي الطبعة الثانية من كتاب "الثورة التحريرية في السينما الجزائرية" السنة الماضية. وفي البحث التاريخي أصدرتُ كتاب "مفهوم التاريخ عند الدكتور أبي القاسم سعد الله" سنة 2015. وفي الاستشارة التاريخية بمجال الفن السابع، أنهيتُ هذه السنة عملاً في إطار فيلم سينمائي تاريخي ضخم ومميّز، يتعلّق بفترة المقاومة الشعبية الجزائرية ضد المحتلّ الفرنسي والتي سبقت مرحلة ثورة التحرير. عملي القادم سيتمحور حول إخراج شريط وثائقي تاريخي خصّصتُه للعالم الجزائري الراحل أبو القاسم سعد الله، والذي عرفتُه عن قرب وتأثّرت به. لقد أنهيت مرحلة كتابة السيناريو وجمع المادة، وأنا الآن بصدد البحث عن منتج.
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- أعتقد أن الرضا معناه الموت والأفول والركون إلى راحة أزلية وإجبارية. لا أظنّ أن ثمّة مبدع في العالم يرضى بما قدّمه للجمهور، حتى وإن بلغ إنتاجه عنان السماء، وحتى وإن أغدق عليه الناس بالإعجاب، وحتى ولو حصد جميع جوائز التكريم والاعتراف. أن أرضى معناه أن أموت وأن أغتر وأن أنتفي تماماً وأمّحي من الخارطة. وحتى وإن كنت أشعر فعلاً أن موعد الرحيل غير بعيد، إلّا أنني أحاول استغلال الأمر في التعجيل بالإنتاج والإسراع في العمل. وإذا حدث وأن رضي المبدع بعمله المحقَّق، فإن ذلك باعتقادي المتواضع لا يعدو أن يكون العبث بعينه. وفي النهاية، فإن مسألة الرضى بالعمل المنجز من عدمه، إنما هي فكرة ذاتية ترتبط بجملة من القناعات، تكون في الغالب روحية واجتماعية، وتحدّد فيما بعد شخصية ونوعية ومصير هذا المبدع من ذاك، وكل في شلّة يسبحون.
■ لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- في الحياة، كنت سأختار الاستمرار في ممارسة الرياضة لأطول فترة ممكنة، وعدم الاسترسال في السهر مع المطالعة والكتابة ومشاهدة الأفلام... كنتُ لأقيم في البادية بعيداً عن المدينة الكبيرة. في ميدان الإبداع، أعتقد أن مجالات الصحافة والسينما والبحث التاريخي، كلّها تخصُّصات جذبتني إليها بعنف وحب متواصلَين، وما عشقتُ سواها، وأنا سعيد معها وفيها وبها للغاية.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- أتمنّى أن تتوقّف كل الحروب والنزاعات. وقبل الإعلان عن أية حرب، فإنني أتمنّى أن يفكّر المسؤولون عن تلك المآسي في الرقم الذي سيضيفونه إلى نسب الأمية والأمراض والفقر واليتامى والأرامل وهدر كرامة الإنسان ومحيطه ومستقبله. وهي الأفكار التي أحاول تجسيدها في كل ما أقوم به من أعمال. وفي الجزائر، آمل أن تفضي انتفاضة الشعب وحراكه إلى ما ينفع الناس ويمكّنهم من العيش في كنف الحب والاحترام والسعادة والديمقراطية.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- أود لقاء شخصية فكرية وتاريخية هامّة، لعبت دوراً بارزاً في تبرير الفعل الاستعماري والتنظير لفكرة الاحتلال... ألكسيس دي توكفيل الذي بارك احتلال الجزائر من طرف الاستعمار الفرنسي سنة 1830، وألّف كتباً تمجّد العنصرية وتحتقر المستضعفين.. لو ألتقيه فعلاً، فسأُظهر له صوراً وفيديوهات عمّا عاناه الناس في بلدي بسبب أفكاره المتعصّبة، ثم سأصوّر بالكاميرا ردّة فعله عمّا شاهده، وسأرى إن كان سيبكي أو يتأثّر، ولو أنني أستبعد ذلك.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- أنا دائم التفكير في صديقي وأستاذي الذي عشت معه لسنوات طوال، وهو المفكّر الجزائري أبو القاسم سعد الله. كما أن صور وكلمات كلّ من والدتي ووالدي - رحمة الله عليهما - لا تفارقني إطلاقاً. أعتقد أن من بين أسباب حبّي للتاريخ والماضي عموماً هو أن فيه كلّ غال أحببته ولا يمكنني نسيانه، بل وأخشى أن لا أُوفَّق حالياً في تعويض حب وحنان كل الذين أحببت من قبل، لولا يقيني بأن الله قادر فعلاً على أن يؤلّف بين القلوب ويحبّب بين الناس. أعتقد أنني أعترف بهذا لكوني، وبصراحة، لا أستطيع العيش من دون حب. علماً أن الحبيب هو كل من يخطر ببالنا في كل مرة، وهو الذي نعود إليه دوماً لنستشيره، سواء كان صديقاً أو عشيقاً أو أحد الوالدًين.
■ ماذا تقرأ الآن؟
- أقرأ كتاباً للمفكّر الفرنسي مارك فيرو عنوانه "السينما والتاريخ". إنه في غاية الروعة والأهمية، وجدت فيه إجابات لعدد من الأسئلة الجوهرية التي لطالما طرحتُها عن العلاقة بين التاريخ والسينما. ولذلك وجدتُني أحاول الاستزادة في هذا الموضوع بحثاً وتنقيباً، عساني أجيب عن الأسئلة التي تؤرقني.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- في الأغنية الشرقية، أفضّل الاستماع إلى أغاني السيّدة وردة الجزائرية، رحمها الله، والفنّانة اللبنانية ماجدة الرومي. وفي الأغنية الجزائرية العاصمية أو ما يُعرَف عندنا بـ"الشعبي"، فأنا مولع بالفنان الراحل الهاشمي قروابي، وخاصة أغنيته – القصيد "الحراز". ولا أخفي عشقي لأغاني السماع الصوفي.
بطاقة
كاتب وباحث في التاريخ وسينمائي ومترجم، من مواليد 1971 في الجزائر العاصمة. من بين إصداراته "حديث صريح مع أبو القاسم سعد الله" (2008)، و"مفهوم التاريخ عند أبي القاسم سعد الله" (2015)، و"ظواهر جزائرية" (2018)، و"الثورة التحريرية في السينما الجزائرية" (2015). ترجم رواية "عمر الصغير" لسهيلة عميرات سنة 2012، وأخرج فيلمين وثائقيّين هما: "ثوّار القصبة" (2013) و"تاريخ الراية الجزائرية" (2014).