أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في وقت متأخر يوم الخميس 26 يوليو 2019، وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وتشكيل لجنة لبحث آلية التنفيذ تبدأ عملها اعتبارا من الجمعة. كان ظاهر القرار يبدو جدياً، خاصة أنه يصدر عن رأس الهرم، لكن إضافة الرئيس لعبارة أن إسرائيل هي التي تنكرت لكل الاتفاقيات، وأنه لا يمكن لنا الاستمرار في التزاماتنا من طرف واحد؛ ثم إلحاق الرئيس للقرار بتشكيل لجنة لتنفيذه، يعني ضمن سياق عام متكرر أن القرار لن ينفذ، وإنما سينتظر حتى يتم تشكيل لجنة لتنفيذه، وقد حدث سابقا أن ذهبت السلطة إلى التلويح بتشكيل ما يزيد عن ثماني لجان لتنفيذ نفس القرار.
لم تكن المرة الأولى التي تعلن فيها السلطة الفلسطينية تجميد الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال والمتعلقة بالتنسيق الأمني والاعتراف بإسرائيل؛ بل إنه يمكن هنا استحضار ما يزيد عن 50 قراراً وتصريحاً صادرة عن السلطة وعن منظمة التحرير الفلسطينية ومجالسها، كانت المرة الأولى في آذار/مارس 2015 عندما قرر المجلس المركزي الفلسطيني وقف التنسيق الأمني. وتوالت القرارات، حتى قرر المجلس الوطني الفلسطيني، في 3 أيار/مايو 2018، تكليف اللجنة التنفيذية بتعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بالدولة الفلسطينية، وقال المجلس حينها بوقف التنسيق الأمني، والتحرر من بروتوكول باريس الاقتصادي وغيره، حتى بدا الأمر وكأن أوسلو قد نُسفت أو تلاشت وانتهت!.
يلاحظ هنا وفي ما سبق وتقرر من قرارات، وجود دلالتين غاية في الأهمية؛ الأولى أن المصطلح المستخدم في خطاب السلطة هو التجميد والتعليق وليس الإلغاء أو الإنهاء، بمعنى أن القرار المشار إليه أو القرارات التي تتقاطع معه هي رد فعل وليست فعلاً وهي مرتبطة بسلوك إسرائيلي ما، وليس استراتيجية فلسطينية كاملة ومكتملة، فالتجميد والتعليق مرتبطان بفترة زمنية معينة يمكن أن تنتهي، وهما يدلان على إجراء مؤقت يزول بزوال السبب. الدلالة الثانية أن هناك عملية تراكمية متتالية ومتوالية لمثل هذا القرار، وبالتالي يضاف هذا القرار إلى أرشيف القرارات المتخذة بهذا الخصوص، وهو ما أفضى إلى فقدان القرار جدواه وجديته.
بما في ذلك القرار الأخير الذي اتخذته السلطة وقد جاء كرد فعل على ما قامت به إسرائيل، يوم الإثنين الموافق 22 يوليو 2019، عندما شرعت بهدم 12 بناية لفلسطينيين في منطقة صور باهر الواقعة على طرف مدينة القدس وبين مناطق تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، ما أدى إلى فقدان عشرات الفلسطينيين منازلهم. وادعت إسرائيل أنها هدمت هذه المنازل بسبب قربها من الجدار، في حين أن المنازل تقع في منطقة نفوذ السلطة، وهذه البنايات قد شُيدت بناء على تصاريح وتراخيص من السلطة. وما بين الدلالتين الأولى والثانية نجد أن القرار ذاته قد أسقط الآلية المحددة لتنفيذه، وقال بتشكيل لجنة لتنفيذ القرار، لكنه سكت عن صلاحيات اللجنة وأعضائها ورئيسها والمدى الزمني المتاح لها ومرجعيتها؛ ما يعني ويؤكد أن هناك نية لدى السلطة للعودة إلى الالتزام بهذه الاتفاقيات في أي وقت.
قرار السلطة بوقف الاتفاقيات مع الاحتلال يفضي إلى سؤال مركزي ومصيري يتعلق بمصير السلطة نفسها ووظيفتها، وهي التي قد تشكلت بموجب تلك الاتفاقيات المراد وقفها وتجميدها، لأن إلغاء الاتفاقيات يعني ببساطة إلغاء السلطة نفسها بكل مكوناتها، فإلغاء الاتفاقيات مع الاحتلال، وقد جاء بصيغة الجمع ولم يذكر أو يخص اتفاقاً بعينه كالتنسيق الأمني مثلا؛ يعني أن القرار يشمل كل الاتفاقيات التي تم توقيعها بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، منذ أيلول/سبتمبر عام 1993. وقد وقّع عن الجانب الفلسطيني آنذاك الرئيس الفلسطيني محمود عباس وكان حينها أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ثم جاءت اتفاقية غزة أريحا عام 1994، وبموجبها تشكلت السلطة الفلسطينية، ثم تلاها بروتوكول باريس الاقتصادي 1994 الذي نظم العلاقات المالية بين السلطة وإسرائيل، ثم اتفاق طابا أو أوسلو الثانية 1995، والتي عملت على تحديد مناطق حكم السلطة والمناطق الخاضعة لإسرائيل، ثم اتفاق واي ريفر 1998 الذي يشمل التنسيق الأمني، ثم خريطة الطريق 2002 التي تركز على التسوية النهائية، واتفاقية المعابر 2005.
وبالتالي، سنجد أن هذه الاتفاقيات المشار إليها أو المقصودة في القرار تتعلق بالعديد من المضامين والمواضيع والمجالات، التي تطاول جميع الجوانب، وقطعا تجميدها سينعكس على كافة مناحي الحياة اليومية الفلسطينية وعلى استمرارية السلطة ذاتها، أي أن أحد معاني هكذا قرار سيكون بالضرورة تفكيك جميع بنى وآليات العمل والتنسيق والتعاون وضبط العمل الضروري المتبادل، وفقا للاتفاقيات الثنائية، أمنيا واقتصاديا وتجاريا وإداريا ومدنيا. بل إننا نجد أن هذه الاتفاقيات تقع داخلها اتفاقيات أخرى تفصيلية تتعلق بالمياه والكهرباء والاقتصاد والضرائب، حتى إجراء الانتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية، بل إن واحدة من هذه الاتفاقيات والتي تتعلق مثلا بالتنسيق الأمني تضع حوالي 400 ألف مستوطن يعيشون في الضفة الغربية في وضع أمني عمليا لا يمكن حدوثه ولا تقبل به إسرائيل على الإطلاق ولن تسمح به.
إن جدية قرار السلطة المتخذ وجدواه يمكن فهمها والإحاطة بها في رد الفعل الإسرائيلي وتعاطيه مع القرار واستقباله له، والملاحظ هنا أن إسرائيل استقبلت قرار الرئيس عباس بوقف العمل بالاتفاقيات ببرود لا يرقى لجدية لو كان القرار سيُتخذ أو سيدخل حيز التنفيذ بالفعل ولم تتعامل معه كما لو كان تهديدا، بل ذهبت صحيفة يديعوت أحرنوت إلى أن إعلان الرئيس عباس ليس بالجديد ولن يلتزم به، بل ذهب "موقع واللاه" العبري، على لسان مراسله "آمير بوخبوط"، إلى أبعد من ذلك عندما وصف القرار بأنه تهديدات غير مجدية؛ وأن الرئيس عباس أعلن عن وقف العمل وفقًا للاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وقال: "هذا التهديد سمعناه 70000". في حين وصفت صحيفة هآرتس، إعلان الرئيس عباس وقف العمل بالاتفاقات مع إسرائيل بأنه يبدو دراماتيكياً، وأشارت إلى أن مثل هذه القرارات قد اتخذت منذ عام 2015، وعلقت بأن الرئيس عباس سيغادر إلى تونس لحضور جنازة الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، وهذا يتطلب التنسيق مع إسرائيل.
في حين علق وزير الاقتصاد والصناعة الإسرائيلي، إيلي كوهين، قائلا: "إن الرئيس عباس، لم يكن ملتزما أصلاً بالاتفاقيات مع إسرائيل التي أعلن وقف العمل بها، مهدداً الشعب الفلسطيني بأنه هو من سيدفع الثمن". ويتساءل الوزير الإسرائيلي عما يمكن أن يقوم به الفلسطينيون بعد وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل؟
قرار الرئيس عباس تجميد الاتفاقيات مع إسرائيل تكذبه الوقائع على الأرض، ففي 6 أغسطس/آب الجاري التقى وزير المالية شكري بشارة مع مسؤولين في وزارة المالية الإسرائيلية، للتباحث حول عدة قضايا مالية شائكة، وفق ما ذكرته هيئة البث الإسرائيلية "مكان". وهو قرار إذا ما تم تنفيذه بالفعل فإنه يعني إنهاء السلطة التي نشأت وقامت بموجب الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، ولأنه ببساطة كل حبة دواء تحتاج إلى تنسيق مع إسرائيل.
إن وقف الاتفاقيات مع إسرائيل لا تجميدها يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية فلسطينية وطنية شاملة متكاملة يتحمل الجميع تبعاتها وتداعياتها، وليس مجرد رد فعل مرهون بسلوك إسرائيلي بعينه.
لم تكن المرة الأولى التي تعلن فيها السلطة الفلسطينية تجميد الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال والمتعلقة بالتنسيق الأمني والاعتراف بإسرائيل؛ بل إنه يمكن هنا استحضار ما يزيد عن 50 قراراً وتصريحاً صادرة عن السلطة وعن منظمة التحرير الفلسطينية ومجالسها، كانت المرة الأولى في آذار/مارس 2015 عندما قرر المجلس المركزي الفلسطيني وقف التنسيق الأمني. وتوالت القرارات، حتى قرر المجلس الوطني الفلسطيني، في 3 أيار/مايو 2018، تكليف اللجنة التنفيذية بتعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بالدولة الفلسطينية، وقال المجلس حينها بوقف التنسيق الأمني، والتحرر من بروتوكول باريس الاقتصادي وغيره، حتى بدا الأمر وكأن أوسلو قد نُسفت أو تلاشت وانتهت!.
يلاحظ هنا وفي ما سبق وتقرر من قرارات، وجود دلالتين غاية في الأهمية؛ الأولى أن المصطلح المستخدم في خطاب السلطة هو التجميد والتعليق وليس الإلغاء أو الإنهاء، بمعنى أن القرار المشار إليه أو القرارات التي تتقاطع معه هي رد فعل وليست فعلاً وهي مرتبطة بسلوك إسرائيلي ما، وليس استراتيجية فلسطينية كاملة ومكتملة، فالتجميد والتعليق مرتبطان بفترة زمنية معينة يمكن أن تنتهي، وهما يدلان على إجراء مؤقت يزول بزوال السبب. الدلالة الثانية أن هناك عملية تراكمية متتالية ومتوالية لمثل هذا القرار، وبالتالي يضاف هذا القرار إلى أرشيف القرارات المتخذة بهذا الخصوص، وهو ما أفضى إلى فقدان القرار جدواه وجديته.
بما في ذلك القرار الأخير الذي اتخذته السلطة وقد جاء كرد فعل على ما قامت به إسرائيل، يوم الإثنين الموافق 22 يوليو 2019، عندما شرعت بهدم 12 بناية لفلسطينيين في منطقة صور باهر الواقعة على طرف مدينة القدس وبين مناطق تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، ما أدى إلى فقدان عشرات الفلسطينيين منازلهم. وادعت إسرائيل أنها هدمت هذه المنازل بسبب قربها من الجدار، في حين أن المنازل تقع في منطقة نفوذ السلطة، وهذه البنايات قد شُيدت بناء على تصاريح وتراخيص من السلطة. وما بين الدلالتين الأولى والثانية نجد أن القرار ذاته قد أسقط الآلية المحددة لتنفيذه، وقال بتشكيل لجنة لتنفيذ القرار، لكنه سكت عن صلاحيات اللجنة وأعضائها ورئيسها والمدى الزمني المتاح لها ومرجعيتها؛ ما يعني ويؤكد أن هناك نية لدى السلطة للعودة إلى الالتزام بهذه الاتفاقيات في أي وقت.
قرار السلطة بوقف الاتفاقيات مع الاحتلال يفضي إلى سؤال مركزي ومصيري يتعلق بمصير السلطة نفسها ووظيفتها، وهي التي قد تشكلت بموجب تلك الاتفاقيات المراد وقفها وتجميدها، لأن إلغاء الاتفاقيات يعني ببساطة إلغاء السلطة نفسها بكل مكوناتها، فإلغاء الاتفاقيات مع الاحتلال، وقد جاء بصيغة الجمع ولم يذكر أو يخص اتفاقاً بعينه كالتنسيق الأمني مثلا؛ يعني أن القرار يشمل كل الاتفاقيات التي تم توقيعها بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، منذ أيلول/سبتمبر عام 1993. وقد وقّع عن الجانب الفلسطيني آنذاك الرئيس الفلسطيني محمود عباس وكان حينها أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ثم جاءت اتفاقية غزة أريحا عام 1994، وبموجبها تشكلت السلطة الفلسطينية، ثم تلاها بروتوكول باريس الاقتصادي 1994 الذي نظم العلاقات المالية بين السلطة وإسرائيل، ثم اتفاق طابا أو أوسلو الثانية 1995، والتي عملت على تحديد مناطق حكم السلطة والمناطق الخاضعة لإسرائيل، ثم اتفاق واي ريفر 1998 الذي يشمل التنسيق الأمني، ثم خريطة الطريق 2002 التي تركز على التسوية النهائية، واتفاقية المعابر 2005.
وبالتالي، سنجد أن هذه الاتفاقيات المشار إليها أو المقصودة في القرار تتعلق بالعديد من المضامين والمواضيع والمجالات، التي تطاول جميع الجوانب، وقطعا تجميدها سينعكس على كافة مناحي الحياة اليومية الفلسطينية وعلى استمرارية السلطة ذاتها، أي أن أحد معاني هكذا قرار سيكون بالضرورة تفكيك جميع بنى وآليات العمل والتنسيق والتعاون وضبط العمل الضروري المتبادل، وفقا للاتفاقيات الثنائية، أمنيا واقتصاديا وتجاريا وإداريا ومدنيا. بل إننا نجد أن هذه الاتفاقيات تقع داخلها اتفاقيات أخرى تفصيلية تتعلق بالمياه والكهرباء والاقتصاد والضرائب، حتى إجراء الانتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية، بل إن واحدة من هذه الاتفاقيات والتي تتعلق مثلا بالتنسيق الأمني تضع حوالي 400 ألف مستوطن يعيشون في الضفة الغربية في وضع أمني عمليا لا يمكن حدوثه ولا تقبل به إسرائيل على الإطلاق ولن تسمح به.
إن جدية قرار السلطة المتخذ وجدواه يمكن فهمها والإحاطة بها في رد الفعل الإسرائيلي وتعاطيه مع القرار واستقباله له، والملاحظ هنا أن إسرائيل استقبلت قرار الرئيس عباس بوقف العمل بالاتفاقيات ببرود لا يرقى لجدية لو كان القرار سيُتخذ أو سيدخل حيز التنفيذ بالفعل ولم تتعامل معه كما لو كان تهديدا، بل ذهبت صحيفة يديعوت أحرنوت إلى أن إعلان الرئيس عباس ليس بالجديد ولن يلتزم به، بل ذهب "موقع واللاه" العبري، على لسان مراسله "آمير بوخبوط"، إلى أبعد من ذلك عندما وصف القرار بأنه تهديدات غير مجدية؛ وأن الرئيس عباس أعلن عن وقف العمل وفقًا للاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وقال: "هذا التهديد سمعناه 70000". في حين وصفت صحيفة هآرتس، إعلان الرئيس عباس وقف العمل بالاتفاقات مع إسرائيل بأنه يبدو دراماتيكياً، وأشارت إلى أن مثل هذه القرارات قد اتخذت منذ عام 2015، وعلقت بأن الرئيس عباس سيغادر إلى تونس لحضور جنازة الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، وهذا يتطلب التنسيق مع إسرائيل.
في حين علق وزير الاقتصاد والصناعة الإسرائيلي، إيلي كوهين، قائلا: "إن الرئيس عباس، لم يكن ملتزما أصلاً بالاتفاقيات مع إسرائيل التي أعلن وقف العمل بها، مهدداً الشعب الفلسطيني بأنه هو من سيدفع الثمن". ويتساءل الوزير الإسرائيلي عما يمكن أن يقوم به الفلسطينيون بعد وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل؟
قرار الرئيس عباس تجميد الاتفاقيات مع إسرائيل تكذبه الوقائع على الأرض، ففي 6 أغسطس/آب الجاري التقى وزير المالية شكري بشارة مع مسؤولين في وزارة المالية الإسرائيلية، للتباحث حول عدة قضايا مالية شائكة، وفق ما ذكرته هيئة البث الإسرائيلية "مكان". وهو قرار إذا ما تم تنفيذه بالفعل فإنه يعني إنهاء السلطة التي نشأت وقامت بموجب الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، ولأنه ببساطة كل حبة دواء تحتاج إلى تنسيق مع إسرائيل.
إن وقف الاتفاقيات مع إسرائيل لا تجميدها يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية فلسطينية وطنية شاملة متكاملة يتحمل الجميع تبعاتها وتداعياتها، وليس مجرد رد فعل مرهون بسلوك إسرائيلي بعينه.