ياسر العظمة... "مرايا" تتأمّل واقعاً مكسوراً

26 ديسمبر 2019
استدعت الجهات الأمنية الفنان للتحقيق معه فور عودته (فيسبوك)
+ الخط -
اختار الممثل السوري ياسر العظمة، بعد عودته إلى سورية في فبراير/شباط الماضي، متابعة تصوير مسلسله الكوميدي الشهير "مرايا"، في نسخة ستكون خاتمة لمسيرته الفنية الطويلة، وذلك بعد غياب عن الشاشة دام لأكثر من ست سنوات. مع انطلاق الثورة السورية منتصف 2011، غادر العظمة، شأنه شأن الكثيرين من الممثلين السوريين، البلاد تاركًا وراءه آخر إصدار للسلسلة في العام نفسه، وموقفًا محايدًا لا يليق بمعاناة شعب رأى فيه طوال العقود الأربعة الماضية فنانًا يرسم الابتسامة على وجوههم بلوحاته الفنية الناقدة واللاذعة للسلطة وممارساتها، وتسليط تلك اللوحات الضوء على الظواهر الاجتماعية والمعيشية التي تفاقمت بشكل كبير بعد اندلاع الحرب السورية.

بعد عامين من مغادرته سورية، يفاجئ العظمة جمهوره بتقديم نسخة جديدة للسلسلة، ظنًا منه أنها ستحقق النجاح، باعتبار هذه السلسلة رفيقة لأجيال عدة لن تقصيها التحولات والمتغيرات السياسية عن الشاشة. ولكن، للأسف أظهر العمل نسخة مشوهة ومزيفة لا ترتقي إلى مستوى الأجزاء الستة عشر السابقة، حيث كان الاعتقاد بأن العمل الذي تم تصويره في الجزائر، سيأخذ منحى وتوجهًا آخر، يتقاطع مع الأحداث الجارية في سورية والمنطقة العربية، من دون الخروج عن الثيمة الخاصة بالمسلسل، لكنه جاء مغايرًا للتوقعات ومخيبًا للآمال لأسباب عديدة، أهمها افتقار المسلسل للكادر التمثيلي المعتاد، حيث كان جليًا غياب عدد كبير من نجوم "مرايا" المألوفين في أجزائه السابقة عن هذه النسخة، واعتماده بشكل كلي على عدد ضئيل من النجوم السوريين، لا يزيد عددهم عن عشرة ممثلين؛ وهم جرجس جبارة ومحمد قنوع ومحمد خاوندي وعلي كريم وضحى الدبس، إضافة إلى الوجوه الشابة، وهم ولاء مرعشلي وعلا باشا وعلي إبراهيم. وكذلك كان من أسباب فشل نسخة 2013، ضعف تقنيات التصوير وتكرار مواقع التصوير التي غاب عنها عنصر الإقناع المتمثل في التواصل البصري والمكاني المألوف تجاه العمران والأحياء السكنية السورية، عند المشاهد السوري خاصة والعربي عامة.

معادلة جديدة كان لا بد أن يفرضها المشهد السوري خلال السنوات التسع الماضية، وتنعكس نتائجها على نوعية الجمهور والمنتج الفني الذي أصبح منوطًا بفئة معينة من المنتجين والممثلين الموالين للنظام السوري، ما ساهم بالدرجة الأولى في تراجع الدراما السورية بشكل لافت، ودفعها نخبة كبيرة من نجوم الشاشة السورية إلى التوجه نحو الخارج، وقد بقي الأمر على هذه الحال سنوات عديدة، إلى أن بدّل النظام السوري من موقفه تجاه نجوم الشاشة السورية القابعين في الخارج، العام الماضي، ولكن وفق شروط واستثناءات عدة سمحت لهم بالعودة إلى بلادهم، وهو ما عاد على العظمة بالنفع؛ فسارع الأخير إلى العودة حاملًا في مشروعه القادم آمال المتابعين والمراقبين بين الأوساط السورية التي رأت في عودته إنقاذًا للأزمة الفنية وكتفًا سيحمل بعضًا من أعباء السقوط الدرامي الذي تشهده الشاشة السورية، باعتباره من أهم الشخصيات الفنية المؤثرة والناجحة في الدراما الكوميدية.

لكن، ما أن عاد العظمة إلى سورية، حتى تلقفته فروع الأمن السوري بين سين وجيم حول هجرته والبلدان التي أقام فيها وهي مصر والجزائر والإمارات العربية، ثم فرض النظام شروطه الخاصة على مشروع العظمة الدرامي الأخير ومنع عنه أية أفكار تتناول الجانب السياسي كما كان يفعل سابقًا (قبل الأزمة)، ليكتفي العظمة بعد أن وضع اللمسات الأخيرة على "مرايا 2020" بتناول المواضيع الاجتماعية والحياتية بشكل خاص.

يجعلنا هذا كله نتساءل حول نجاح المسلسل الذي كان صلبه كوميديا الموقف، والجرأة على كشف عيوب النظام والفساد المتفشي بين أروقته، في ظل معطيات جديدة وتوجهات واضحة أرغمت الجمهور السوري والعربي على التكيف بما لا يرغب في متابعته وفق ميوله وإرادته الخاصة، وإنما بما يتناسب مع وجهة نظر الأعمال السورية المنقسمة في مسارين متوازيين، منغلقة وتابعة لإرادة الدولة السورية من جهة، ومنفتحة وخاضعة للدراما العربية المشتركة من جهة أخرى. فهل سيلقى العمل صدى له وفق هذه المعطيات؟ هل ستقدر لوحات العظمة المنتظرة أن تحاكي أوجاع الشارع السوري وواقعه الممزق بشفافية ومصداقية، في خضم حرب اصطدم فيها الحابل بالنابل، كما فعلت سابقًا قبل الحرب؟
المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.