26 سبتمبر 2024
ياسر عبد ربه والتردّي الفلسطيني
إقالة ياسر عبد ربه من أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورسالته المفتوحة إلى اللجنة التنفيذية، يمكن قراءتها مؤشراً على مستوى التردي الذي آلت إليه الساحة الفلسطينية. من الواضح أن المُقيل والمُقال اختلفا على شيء لا علاقة له بالشأن العام، على الرغم من محاولة المُقال إلباس الإقالة هذا اللباس. فهو لم يُستشر في إقالته، وهو يرد بوصفه من "عظم الرقبة" التي لا يمكن الاستغناء عنها.
تذكّرك رسالة عبد ربه المفتوحة إلى اللجنة التنفيذية بالمؤتمر الانشقاقي للجبهة الديمقراطية في عمّان في عام 1991. في ذلك المؤتمر (الديمقراطي)، وكان الاتجاه الذي يتزعمه ياسر عبد ربه (يدعو للديمقراطية!) في ظل موجة الديمقراطية التي ضربت الدول الاشتراكية في ذلك الوقت. في ذلك المؤتمر، حاز سامر عبد الله (عماد أبو حطب) أعلى الأصوات في انتخابات اللجنة المركزية، متفوقا على عبد ربه نفسه، زعيم الانشقاق. استشاط عبد ربه غضبا، حرد وهدد بالانسحاب وترك المؤتمر، وأصبحت المشكلة الكبرى للمؤتمر تفوق سامر عبد الله على ياسر عبد ربه في عدد الأصوات، مما أحدث أزمة استدعت اجتماعات سريعة لقيادة الانشقاق لمراضاة عبد ربه، فانشغل المؤتمر بإعادة فرز الأصوات (بوصفها قضية كبرى) من جديد، ليتم تزويرها حتى يتفوق ياسر عبد ربه على سامر عبد الله في عدد الأصوات.
يدل المثل على أي نوع من الرجال هو. إنه لا يرى سوى نفسه، وهو ما تعكسه الرسالة التي كتبها ردا على إقالته. فبعد كل الخراب، الذي أصاب الساحة الفلسطينية، في أثناء وجوده عضواً تاريخياً في اللجنة التنفيذية (44 عاما) لم يكن يرى هذا الخراب، طالما هو في مقعده في اللجنة التنفيذية. فجأة، عند إقالته، أصبح يرى الخراب الذي يحتاج إلى إصلاح، ويرفض الخروج من منصبه لأنه شخصيا عنوان الإصلاح! ولم يفشل خيار أوسلو (هو أحد الذين استخدموا في صناعته) إلا عند إقالته، والفشل الذي يعترف به لا يعني محاسبة الذين تسببوا بهذا الفشل (وهو منهم) على الأقل استقالتهم بفشل خيارهم وهو أضعف الإيمان. على العكس، أصبحت إقالته شخصياً تمس تقاليد العمل الوطني، وكل الجرائم الكبيرة والصغيرة التي دمرت العمل الوطني، على الأقل منذ توقيع "أوسلو"، لم تمس بالعمل الوطني الذي جلس طويلاً على خرابه المريح. ولا يكتفي عبد ربه، عضو اللجنة التنفيذية المزمن، بذلك، فقد تحول، اليوم، إلى داعية، ليس فقط إلى الحفاظ على تقاليد العمل الوطني وحسب، بل هو اليوم يريد إحياء المشروع الوطني، بعد أن كان من أبرز الرموز التي ساهمت في تدمير المشروع الوطني، وتفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة. فهو، حسب رسالته، لا يريد أن "تطغى مسألة أمانة السر (موقعه في اللجنة التنفيذية) على الموضوع الأصلي"، فما يشغل عبد ربه قضايا جلل، فهو لا تشغله تفاهة المناصب، لأنه مشغول بـ"مصير مشروعنا الوطني في الظرف الراهن"، ويكون ذلك بتمسكه بموقعه النضالي على كرسي اللجنة التنفيذية التي أقيل منها. يقول: "وسأتابع العمل في موقعي داخل اللجنة التنفيذية، رافضاً الانجرار إلى طريق مهين لنا جميعاً أمام شعبنا بأسره والرأي العام الخارجي، ويسيء لنا كلنا، ويحط من قدر المؤسسة الرسمية الفلسطينية". أصبحت إقالته مهينة للجميع، وكل الإهانات التي جلبتها سلوكيات القيادة الفلسطينية للشعب الفلسطيني، ليست مهمة، المهم إهانته هو، ولأنه أُهين باتت المنظمة بحاجة إلى إصلاح، والمشروع الوطني بحاجة إلى إنقاذ.
"على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟". لا أعرف إن كان ياسر عبد ربه يصدق أنه يقنع الآخرين بما يقول، ولا أعرف إذا كان هو نفسه مقتنعاً بما يقول. لكن، ما أعرف، أن إقالته ورده على الإقالة مؤشر من آلاف المؤشرات على الدرك الذي وصلت إليه أوضاعنا الفلسطينية. بالتأكيد، ليس الخراب الذي يعم الساحة الفلسطينية من صناعة عبد ربه وحده، ولا وليد لحظة الإقالة. الخراب الذي تعيشه الساحة الفلسطينية هو نتاج الخيار السياسي بالذهاب إلى "أوسلو" لإنجاز تسوية، لا تملك أياً من شروط النجاح. هذا لم يدخل المشروع الوطني في متاهة فحسب، بل عمل على تفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة أيضاً. وباستبدال السلطة التي انبثقت عن "أوسلو" بالأطر التمثيلية الجامعة لمنظمة التحرير، أُدخلت المنظمة في حالة موات، وحافظت على حالة الموات القيادات التي تشغل مقاعد اللجنة التنفيذية، وجميعهم تجاوزوا سن التقاعد منذ زمن، وكأن الشعب الفلسطيني ليس فيه طاقات سوى هؤلاء الذين دخلوا دائرة العجز منذ زمن بعيد، وعبد ربه منهم. لكن، يبدو أنه، بعد أكثر من أربعين عاماً، من الجلوس في مقعد في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بات يعتبر هذا المنصب ملكية شخصية له، يريد أن يحتفظ به إلى نهاية العمر، فبدونه لا تنفع اللجنة التنفيذية لشيء، فالجلوس طويلا في المواقع القيادية يفسد العقول.
أي إصلاح أو إحياء للمشروع الوطني الفلسطيني، لن يكون عبد ربه وأمثاله شركاء فيه، إن لم يكن لدورهم السياسي الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه، على الأقل، لأنهم لم يعودا صالحين بحكم العمر، لكنهم لا يرغبون في ترك مقاعدهم، ويفكرون في حملها معهم إلى القبر. ولأن الثورات العربية دفنت فكرة التوريث، فقد سترتنا من هذه الموجة المخزية، وإلا كنا شاهدنا هذا المرض عندنا أيضاً.
يدل المثل على أي نوع من الرجال هو. إنه لا يرى سوى نفسه، وهو ما تعكسه الرسالة التي كتبها ردا على إقالته. فبعد كل الخراب، الذي أصاب الساحة الفلسطينية، في أثناء وجوده عضواً تاريخياً في اللجنة التنفيذية (44 عاما) لم يكن يرى هذا الخراب، طالما هو في مقعده في اللجنة التنفيذية. فجأة، عند إقالته، أصبح يرى الخراب الذي يحتاج إلى إصلاح، ويرفض الخروج من منصبه لأنه شخصيا عنوان الإصلاح! ولم يفشل خيار أوسلو (هو أحد الذين استخدموا في صناعته) إلا عند إقالته، والفشل الذي يعترف به لا يعني محاسبة الذين تسببوا بهذا الفشل (وهو منهم) على الأقل استقالتهم بفشل خيارهم وهو أضعف الإيمان. على العكس، أصبحت إقالته شخصياً تمس تقاليد العمل الوطني، وكل الجرائم الكبيرة والصغيرة التي دمرت العمل الوطني، على الأقل منذ توقيع "أوسلو"، لم تمس بالعمل الوطني الذي جلس طويلاً على خرابه المريح. ولا يكتفي عبد ربه، عضو اللجنة التنفيذية المزمن، بذلك، فقد تحول، اليوم، إلى داعية، ليس فقط إلى الحفاظ على تقاليد العمل الوطني وحسب، بل هو اليوم يريد إحياء المشروع الوطني، بعد أن كان من أبرز الرموز التي ساهمت في تدمير المشروع الوطني، وتفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة. فهو، حسب رسالته، لا يريد أن "تطغى مسألة أمانة السر (موقعه في اللجنة التنفيذية) على الموضوع الأصلي"، فما يشغل عبد ربه قضايا جلل، فهو لا تشغله تفاهة المناصب، لأنه مشغول بـ"مصير مشروعنا الوطني في الظرف الراهن"، ويكون ذلك بتمسكه بموقعه النضالي على كرسي اللجنة التنفيذية التي أقيل منها. يقول: "وسأتابع العمل في موقعي داخل اللجنة التنفيذية، رافضاً الانجرار إلى طريق مهين لنا جميعاً أمام شعبنا بأسره والرأي العام الخارجي، ويسيء لنا كلنا، ويحط من قدر المؤسسة الرسمية الفلسطينية". أصبحت إقالته مهينة للجميع، وكل الإهانات التي جلبتها سلوكيات القيادة الفلسطينية للشعب الفلسطيني، ليست مهمة، المهم إهانته هو، ولأنه أُهين باتت المنظمة بحاجة إلى إصلاح، والمشروع الوطني بحاجة إلى إنقاذ.
"على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟". لا أعرف إن كان ياسر عبد ربه يصدق أنه يقنع الآخرين بما يقول، ولا أعرف إذا كان هو نفسه مقتنعاً بما يقول. لكن، ما أعرف، أن إقالته ورده على الإقالة مؤشر من آلاف المؤشرات على الدرك الذي وصلت إليه أوضاعنا الفلسطينية. بالتأكيد، ليس الخراب الذي يعم الساحة الفلسطينية من صناعة عبد ربه وحده، ولا وليد لحظة الإقالة. الخراب الذي تعيشه الساحة الفلسطينية هو نتاج الخيار السياسي بالذهاب إلى "أوسلو" لإنجاز تسوية، لا تملك أياً من شروط النجاح. هذا لم يدخل المشروع الوطني في متاهة فحسب، بل عمل على تفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة أيضاً. وباستبدال السلطة التي انبثقت عن "أوسلو" بالأطر التمثيلية الجامعة لمنظمة التحرير، أُدخلت المنظمة في حالة موات، وحافظت على حالة الموات القيادات التي تشغل مقاعد اللجنة التنفيذية، وجميعهم تجاوزوا سن التقاعد منذ زمن، وكأن الشعب الفلسطيني ليس فيه طاقات سوى هؤلاء الذين دخلوا دائرة العجز منذ زمن بعيد، وعبد ربه منهم. لكن، يبدو أنه، بعد أكثر من أربعين عاماً، من الجلوس في مقعد في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بات يعتبر هذا المنصب ملكية شخصية له، يريد أن يحتفظ به إلى نهاية العمر، فبدونه لا تنفع اللجنة التنفيذية لشيء، فالجلوس طويلا في المواقع القيادية يفسد العقول.
أي إصلاح أو إحياء للمشروع الوطني الفلسطيني، لن يكون عبد ربه وأمثاله شركاء فيه، إن لم يكن لدورهم السياسي الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه، على الأقل، لأنهم لم يعودا صالحين بحكم العمر، لكنهم لا يرغبون في ترك مقاعدهم، ويفكرون في حملها معهم إلى القبر. ولأن الثورات العربية دفنت فكرة التوريث، فقد سترتنا من هذه الموجة المخزية، وإلا كنا شاهدنا هذا المرض عندنا أيضاً.