الأزمات السياسية في لبنان كثيرة ودائمة الحضور، خصوصاً أنّها تُستغل لحجب واقع الأزمات المعيشية والاجتماعية في البلاد المرتبطة باقتصاد يزيد الأثرياء ثراء والفقراء فقراً.
من تلك الأزمات المحجوبة أزمة السكن. يُطلَب من المواطن اللبناني الذي لا يتجاوز راتبه الشهري 800 دولار أميركي أن يؤمّن بيتاً. من يطلب ذلك منه؟ لماذا يطلب ذلك؟ الهوية مجهولة له، لكنّ الجميع يعيش هذا الهاجس منذ الصغر. فلكي تتزوج لا بدّ من تأمين بيت، بل هناك إعلان لقرض سكن مصرفي يرفض فيه والد العروس عريساً تقدم لخطبتها لديه مواصفات "مذهلة" لكنّه لا يملك بيتاً. ولكي تؤمّن حياتك - تلك العبارة الفضفاضة - لا بدّ من تأمين بيت.
البيت، وهو شقة سكنية لا تتجاوز 100 متر مربع عادة، ويبلغ سعرها في أفقر ضواحي العاصمة أكثر من 100 ألف دولار أميركي، هو الغاية النهائية للعامل والموظف إذ يرتبطان بقروض سكنية تنال من صحتهما مع نيلها من جيوبهما. مع التقسيط طوال عشرين عاماً يتزايد السعر من 100 ألف إلى أكثر من 160 ألفاً، إذا ما افترضنا انّه قادر فعلاً على تسديد دفعة شهرية قيمتها 700 دولار وما فوق يهرب عبرها من إيجار تتراوح قيمته بين 400 دولار و600 لشقة في المواصفات والمكان نفسه.
لكنّ التراث لا يعطيه أيّ مفرّ فـ"ركن بيتي حجر" و"البيت بيت أبونا والناس يخانقونا" و"نيال اللي عندو (هنيئاً لمن لديه) مرقد عنزة في جبل لبنان" بل حتى "الكلب ببيته سبع". العمل والإنتاج والادخار وكلّ ما له علاقة بالجهد لا غاية له إلاّ البيت إذ إنّ "كلمة يا ريت عمرها ما عمّرت بيت".
أحد الأصدقاء أمّن لابنه، الذي دخل عامه الثامن عشر للتو، عملاً في بلد أفريقي. واستثمر في هذا السفر ثلاثة آلاف دولار اقترضها، كي يتقاضى ابنه، آكلاً شارباً نائماً، 1500 دولار شهرياً يجمعها بأكملها طوال عامين ليصل إلى مبلغ 36 ألف دولار، على أمل أن يلحقه هو نفسه في القريب العاجل ويعمل أيضاً براتب أكبر يسمح للاثنين معاً بجمع المائة ألف اللازمة لشراء شقة "تؤمّن حياته". عاد الفتى بعد شهر هارباً محمّلاً والده ديناً وصل مجموعه إلى خمسة آلاف دولار. فالعمل لم يكن أكثر من خدعة، إذ بدلاً من الراتب المتفق عليه لم يكن أمامه غير القبول بثلثه بحجة عدم معرفته اللغة، والمخبز الكبير الذي سيعمل فيه لم يكن أكثر من محل فول مدمس صغير لا يتجاوز عدد زبائنه يومياً 20 شخصاً، أما الأكل فهو الفول نفسه طوال شهر كامل أمضاها هناك.
القرض السكني هو الأكثر انتشاراً حالياً، لكننا في دورة استهلاك رأسمالية لا تحترم فيها الدولة مواطنيها، بل هي ليست دولة أساساً ولا تعتبرهم مواطنين. تتركهم لأرباب رؤوس الأموال كي يأكلوهم ويزيدوا ثرواتهم على حسابهم.
يحدث أن يرحّب أهل العروس بذاك العريس الذي يقسّط بيتاً بقرض مصرفي، ويتغاضون عن كونه ضحية سرقة مفضوحة بـ60 ألف دولار في أقلّ تقدير، بل قد يشترطون أيضاً أن يكتب البيت باسم ابنتهم.
اقــرأ أيضاً
من تلك الأزمات المحجوبة أزمة السكن. يُطلَب من المواطن اللبناني الذي لا يتجاوز راتبه الشهري 800 دولار أميركي أن يؤمّن بيتاً. من يطلب ذلك منه؟ لماذا يطلب ذلك؟ الهوية مجهولة له، لكنّ الجميع يعيش هذا الهاجس منذ الصغر. فلكي تتزوج لا بدّ من تأمين بيت، بل هناك إعلان لقرض سكن مصرفي يرفض فيه والد العروس عريساً تقدم لخطبتها لديه مواصفات "مذهلة" لكنّه لا يملك بيتاً. ولكي تؤمّن حياتك - تلك العبارة الفضفاضة - لا بدّ من تأمين بيت.
البيت، وهو شقة سكنية لا تتجاوز 100 متر مربع عادة، ويبلغ سعرها في أفقر ضواحي العاصمة أكثر من 100 ألف دولار أميركي، هو الغاية النهائية للعامل والموظف إذ يرتبطان بقروض سكنية تنال من صحتهما مع نيلها من جيوبهما. مع التقسيط طوال عشرين عاماً يتزايد السعر من 100 ألف إلى أكثر من 160 ألفاً، إذا ما افترضنا انّه قادر فعلاً على تسديد دفعة شهرية قيمتها 700 دولار وما فوق يهرب عبرها من إيجار تتراوح قيمته بين 400 دولار و600 لشقة في المواصفات والمكان نفسه.
لكنّ التراث لا يعطيه أيّ مفرّ فـ"ركن بيتي حجر" و"البيت بيت أبونا والناس يخانقونا" و"نيال اللي عندو (هنيئاً لمن لديه) مرقد عنزة في جبل لبنان" بل حتى "الكلب ببيته سبع". العمل والإنتاج والادخار وكلّ ما له علاقة بالجهد لا غاية له إلاّ البيت إذ إنّ "كلمة يا ريت عمرها ما عمّرت بيت".
أحد الأصدقاء أمّن لابنه، الذي دخل عامه الثامن عشر للتو، عملاً في بلد أفريقي. واستثمر في هذا السفر ثلاثة آلاف دولار اقترضها، كي يتقاضى ابنه، آكلاً شارباً نائماً، 1500 دولار شهرياً يجمعها بأكملها طوال عامين ليصل إلى مبلغ 36 ألف دولار، على أمل أن يلحقه هو نفسه في القريب العاجل ويعمل أيضاً براتب أكبر يسمح للاثنين معاً بجمع المائة ألف اللازمة لشراء شقة "تؤمّن حياته". عاد الفتى بعد شهر هارباً محمّلاً والده ديناً وصل مجموعه إلى خمسة آلاف دولار. فالعمل لم يكن أكثر من خدعة، إذ بدلاً من الراتب المتفق عليه لم يكن أمامه غير القبول بثلثه بحجة عدم معرفته اللغة، والمخبز الكبير الذي سيعمل فيه لم يكن أكثر من محل فول مدمس صغير لا يتجاوز عدد زبائنه يومياً 20 شخصاً، أما الأكل فهو الفول نفسه طوال شهر كامل أمضاها هناك.
القرض السكني هو الأكثر انتشاراً حالياً، لكننا في دورة استهلاك رأسمالية لا تحترم فيها الدولة مواطنيها، بل هي ليست دولة أساساً ولا تعتبرهم مواطنين. تتركهم لأرباب رؤوس الأموال كي يأكلوهم ويزيدوا ثرواتهم على حسابهم.
يحدث أن يرحّب أهل العروس بذاك العريس الذي يقسّط بيتاً بقرض مصرفي، ويتغاضون عن كونه ضحية سرقة مفضوحة بـ60 ألف دولار في أقلّ تقدير، بل قد يشترطون أيضاً أن يكتب البيت باسم ابنتهم.