في عددها ذاك، كتبت "الغارديان": "الايميلات من "بي بي سي" و"رويترز" و"الغارديان" و"نيويورك تايمز" و"ذا صن" و"أن بي سي" و"واشنطن بوست" و"لوموند" الفرنسية كلها تعرضت للتجسس في عملية تدريب".
إنها قرصنة منظّمة بلا شك... لكنها ليست قرصنة تخريب، ولا هي قرصنة لتعزيز الثغرات الأمنية في "وسائل التعبير عن الحريات" وتعزيز السلطة الرابعة. بل تذكرنا بمسلسل "الدوغري"، المختزل للعقل المخابراتي في حمل ملف لكل من يراد التأثير عليه.
عملية سطو على رسائل الصحافة، كشفت عن أنها رسائل مفتوحة أمام عملاء الاستخبارات بدون توضيح ما إذا كان هناك اختيار محدد لصحافيين معينين أم تم ذلك عشوائيًا. بالتأكيد لن نسمع تعقيبًا استخباريًا على القصة، فهم منشغلون بـ"حماية حرية الصحافة"، بينما يتجسسون على الصحافيين ويسرقون رسائلهم على طريقة الأنظمة الشمولية التي تفتش الرسائل وما يدور حتى في المنامات.
بعد أن هرب ووصل به الحال لاجئًا مؤقتًا في روسيا، أسوةً بوليام أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس، في سفارة بيرو بلندن، وبعد أن كشف سنودن عام 2013 عن التجسس الكبير الذي تقوم به وكالة الأمن القومي الأميركي بالتعاون مع الاستخبارات البريطانية، في تجسس شمولي حتى على رؤساء حكومات دول... راح على إثرها وزير خارجية بلاده جون كيري يفتح أزرار جاكيته متحديًا سنودين حرفيًا: "أظهر أنك رجل، عد إلى البلاد وواجه المحكمة".
بطريقة "قبضايات" التحدي يطالب رجل بالعودة لمواجهة "العدالة" في بلاده التي كشف بنفسه قبح عدالتها حتى مع الكلمة والخصوصية... أمس أيضاً راح رئيس وزراء بريطانيا دافيد كاميرون يعطي درسا لمواطنيه المسلمين عن "حرية الرأي والتعبير"، في ذات الوقت الذي تشير فيه وثيقة "الغارديان" إلى عقل القرصنة على رسائل الصحافة.
نعم، يعترف المرء بوجود صحافة حرة في الغرب، وهذا منطق الأمور في فصل السلطات، لكن تلك الحرية لا يدوسها ولا يشوهها بضعة صبيان مراهقين في ضواحي مدن الغرب ممن يلاحقون على إرخاء اللحية. القصة أعمق من هذه العروض البهلوانية التي يقام لها حلقات بكاء وتلويح بالأيدي ورشقات من خطاب ديماغوجي عن الحريات بينما يتم الايماء لرجال متلصصون خلف أحدث الحواسيب أن "يمسحوا بلاط صاحبة الجلالة" بكل قمامة اللصوصية الممارسة باسم "الحفاظ على الأمن القومي".