30 أكتوبر 2024
يمين، يسار، ما الفرق؟
تتبنّى أوساط كثيرة في المعارضة الإسرائيلية فكرة تقول إن سبب رسوخ السياسة العامة التي تنتهجها دولة الاحتلال، حيال قضية فلسطين، هيمنة اليمين على المؤسّسة السياسيّة. وفي هذا السياق، يُشار إلى أنها هيمنة ليست عابرة، فضلًا عن أنها تمتد على أغلبية سنوات قيام إسرائيل، وبدأت عام 1977 مع صعود حزب الليكود إلى الحكم. كما أنه داخل تلك الفكرة العامة يمكن العثور على تفاصيل خاصة مهمّة، منها أن هذه الهيمنة استحالت، في الوقت الراهن، إلى نفوذ ما يطلق عليه توصيف اليمين الإسرائيلي الجديد، والذي سبق لكاتب المقال أن نوّه إلى أنه يمينٌ يدمج بين تصورات قومية مقطوعة عن مقاربات ذات طابع ليبرالي، رفع رايتها اليمين التقليدي، وبالأساس فيما يخص الشأن المدني، وتوجهات دينية ترى في الدين جزءًا من منظومة فكره. وقد أمسى واضحًا أكثر فأكثر أن هذا اليمين الجديد يعمل على ضم الأراضي المحتلة منذ عام 1967. وعلى الصعيد الداخلي، يكره دولة الرفاه وحركة الاحتجاج الاجتماعي التي قامت من أجل تحسينها قبل سبعة أعوام، ويسعى إلى استيراد الأفكار المحافظة الأميركية وتطبيقها. كما يعمل على تقويض إنجازات ليبرالية، في طليعتها إنجازات لها طابع دستوري وغيرها. وهو يبني نفسه ليس بديلا لـ"الوسط - اليسار" فحسب، بل أيضًا لليمين القديم الذي رأى في المحكمة العليا مثلًا سلطةً مرجعيّةً، يجب أخذ آرائها في الاعتبار.
وقد تنطوي هذه الفكرة على قدرٍ ما من صحة التشخيص والاستحصال على حدّ سواء، ولكن فكرة أخرى تقف بموازاتها لا تقل صحّةً عنها، مؤدّاها أن المؤسسة السياسية الإسرائيلية لا تجد لنفسها فكاكًا من تلك الهيمنة اليمينيّة أيضًا من جرّاء تبدُّد البديل الجادّ الذي يمكن أن يُحسب على يسار الخريطة الحزبية، وفقًا للمعايير الإسرائيلية، بالارتباط مع قضية فلسطين.
ولعلّ في الوقائع المُتراكمة من الأعوام الأخيرة، خلال ولايات حكومات نتنياهو المتعاقبة منذ عام 2009، ما يؤكد هذا التبدّد، غير أن نُذره بدأت تلوح في أواسط تسعينيات القرن العشرين الفائت، وبلغت نقطتين حاسمتين: الأولى، في قمة كامب ديفيد في الولايات المتحدة عام 2000، وكتب الكثير بشأنها. والثانية، في أجواء انتخابات الكنيست الـ16، في يناير/ كانون الثاني 2003، بين حزبي الليكود الذي خاض تلك الانتخابات، وكان بزعامة أريئيل شارون (باعتباره ممثّل اليمين)، والعمل الذي خاضها، وكان بزعامة عمرام ميتسناع (باعتباره ممثّل "اليسار").
في تلك الانتخابات، وعد شارون الذي على ما يبدو فهم الوجهة التي تميل الأكثريّة نحوها بالخروج من أراضٍ فلسطينيّة محتلّة منذ 1967. ودلّت استطلاعات الرأي العامّ، عشيّة تلك الانتخابات، على أنّ نسبة المؤيّدين لشارون (نحو 60%) تؤمن، في الوقت نفسه، بأنّه سيخرج من تلك الأراضي، ويفكّك مستوطنات. وبذا ذرّ شارون رمادًا يساريًّا في العيون، ودارت دعايته الانتخابيّة عن إنهاء الاحتلال (وإن لم يكن ذلك من خلال هذا التعبير تحديدًا) وإخلاء مستوطنات. أما في برنامج ميتسناع فقد انزاح جانبًا الخروجُ من الأراضي المحتلّة، في حين كفّ هو ذاته عن الحديث عن انسحاب فوري، مكرّرًا أنّه ينبغي التفاوض. وبدا أنّ البرنامجين متماثلان، بل إنّ ميتسناع بدأ بالحديث عن إنشاء الجدار الفاصل.
وكما تفيد تحليلات إسرائيلية عن تلك الفترة، عُدت إليها أخيرًا، أصبح ميتسناع رويدًا رويدًا غير مختلفٍ كثيرًا عن شارون، وتحديدا بالنسبة للموقف إزاء مستقبل الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة منذ 1967. وبلغة بعضهم، في اللحظة التي يكون فيها الخيار الماثل أمام المتردّدين، أو ما يُعرف بالأصوات العائمة في تلك الانتخابات هو بين يمينٍ واضح ونهجٍ مماثل، لكنه مُتبَّلٌ ببلاغة يساريّة جوفاء، فإنّ ذلك يُسعف في إقناع هؤلاء بأنّ طريق اليمين هي الوحيدة عمليًّا. أمّا إذا كان الخيار محاربة الفلسطينيّين والسعي إلى طردهم أو حصارهم، ففي وسع شارون أن يفعل ذلك أفضل بكثير.
وقد تنطوي هذه الفكرة على قدرٍ ما من صحة التشخيص والاستحصال على حدّ سواء، ولكن فكرة أخرى تقف بموازاتها لا تقل صحّةً عنها، مؤدّاها أن المؤسسة السياسية الإسرائيلية لا تجد لنفسها فكاكًا من تلك الهيمنة اليمينيّة أيضًا من جرّاء تبدُّد البديل الجادّ الذي يمكن أن يُحسب على يسار الخريطة الحزبية، وفقًا للمعايير الإسرائيلية، بالارتباط مع قضية فلسطين.
ولعلّ في الوقائع المُتراكمة من الأعوام الأخيرة، خلال ولايات حكومات نتنياهو المتعاقبة منذ عام 2009، ما يؤكد هذا التبدّد، غير أن نُذره بدأت تلوح في أواسط تسعينيات القرن العشرين الفائت، وبلغت نقطتين حاسمتين: الأولى، في قمة كامب ديفيد في الولايات المتحدة عام 2000، وكتب الكثير بشأنها. والثانية، في أجواء انتخابات الكنيست الـ16، في يناير/ كانون الثاني 2003، بين حزبي الليكود الذي خاض تلك الانتخابات، وكان بزعامة أريئيل شارون (باعتباره ممثّل اليمين)، والعمل الذي خاضها، وكان بزعامة عمرام ميتسناع (باعتباره ممثّل "اليسار").
في تلك الانتخابات، وعد شارون الذي على ما يبدو فهم الوجهة التي تميل الأكثريّة نحوها بالخروج من أراضٍ فلسطينيّة محتلّة منذ 1967. ودلّت استطلاعات الرأي العامّ، عشيّة تلك الانتخابات، على أنّ نسبة المؤيّدين لشارون (نحو 60%) تؤمن، في الوقت نفسه، بأنّه سيخرج من تلك الأراضي، ويفكّك مستوطنات. وبذا ذرّ شارون رمادًا يساريًّا في العيون، ودارت دعايته الانتخابيّة عن إنهاء الاحتلال (وإن لم يكن ذلك من خلال هذا التعبير تحديدًا) وإخلاء مستوطنات. أما في برنامج ميتسناع فقد انزاح جانبًا الخروجُ من الأراضي المحتلّة، في حين كفّ هو ذاته عن الحديث عن انسحاب فوري، مكرّرًا أنّه ينبغي التفاوض. وبدا أنّ البرنامجين متماثلان، بل إنّ ميتسناع بدأ بالحديث عن إنشاء الجدار الفاصل.
وكما تفيد تحليلات إسرائيلية عن تلك الفترة، عُدت إليها أخيرًا، أصبح ميتسناع رويدًا رويدًا غير مختلفٍ كثيرًا عن شارون، وتحديدا بالنسبة للموقف إزاء مستقبل الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة منذ 1967. وبلغة بعضهم، في اللحظة التي يكون فيها الخيار الماثل أمام المتردّدين، أو ما يُعرف بالأصوات العائمة في تلك الانتخابات هو بين يمينٍ واضح ونهجٍ مماثل، لكنه مُتبَّلٌ ببلاغة يساريّة جوفاء، فإنّ ذلك يُسعف في إقناع هؤلاء بأنّ طريق اليمين هي الوحيدة عمليًّا. أمّا إذا كان الخيار محاربة الفلسطينيّين والسعي إلى طردهم أو حصارهم، ففي وسع شارون أن يفعل ذلك أفضل بكثير.