يُعدّ يهودا غليك، المستوطن الإسرائيلي المعروف باقتحاماته المتكرّرة للمسجد الأقصى المبارك في القدس، الواجهة اليهوديّة الأبرز في حملات الضغط من أجل فرض السيطرة الإسرائيليّة على المسجد الأقصى والسماح لليهود بالصّلاة فيه، وهو معروف باقتحاماته المتكرّرة للأقصى منذ سنوات عدّة.
يعيش غليك، المولود عام 1965 في الولايات المتحدة الأميركيّة، والذي هاجر من نيويورك إلى فلسطين المحتلة برفقة عائلته عام 1974، ليستقرّ في مدينة بئر السبع جنوباً، منذ التسعينيات في مستوطنة "عتنئل"، جنوبي مدينة الخليل في الضفّة الغربيّة، وهو متزوج وأب لثمانية أولاد وجد لحفيدين. يحمل شهادة البكالوريوس في تدريس الكتب اليهوديّة المقدّسة، وشهادة الماجستير في "تاريخ شعب إسرائيل"، فضلاً عن التعليم الديني الذي تلقاه في أكثر من مدرسة دينيّة استيطانيّة في الضّفة الغربيّة.
اشتهر والده شمعون، غليك بنشاطه الطبيّ، وهو مؤسّس قسم الأمراض الباطنيّة في مستشفى "سوروكا" في بئر السبع، والتحق بالسلك التعليمي في جامعة بن غوريون، ويُعرف بأنّه أوّل من أدخل شرط المقابلة الشخصيّة، لقبول الطلاب في دراسة الطب في الجامعة. وقد عرف والداه بحبهما الشديد للنقب، ومنحا عام 2012 لقب "شخصيّة بارزة في بئر السبع".
ويدأب غليك، منذ حصوله عام 2010 على رخصة "مرشد سياحي" من وزارة السّياحة الإسرائيليّة، على استخدام الأخيرة لاقتحام الأقصى ومرافقة مجموعات يهوديّة، بعد أن تنقل في مناصب رفيعة عدّة في وزارة "الاستيعاب والهجرة" الإسرائيلية. وعلى الرغم من تبوئه منصب الناطق باسم الوزارة، ومسؤول قسم منطقة عسقلان، لكنّه ما لبث أن استقال من الوزارة عام 2006، احتجاجاً على قرار حكومة الاحتلال آنذاك، الانسحاب من قطاع غزة. ويقول في إحدى مقابلاته الصحافية، في هذا السياق، إنّ خطة الانسحاب من غزة كانت "كسراً عظيماً في حياة الشعب الإسرائيلي، وفي حياتي الشخصيّة على وجه الخصوص".
بعد الانسحاب من غزّة، انضم غليك عام 1997 إلى حزب الليكود، ليترشّح عام 2012 لانتخابات الكنيست التاسعة عشرة على قائمة الحزب، متخذاً لنفسه شعار "يهودا غليك ــ برتقالي حقيقي في الكنيست"، في إشارة إلى اللون الذي اتخذه معارضو الانسحاب من قطاع غزة حينها، شعاراً لهم.
وفي حملته الانتخابيّة، جعل غليك من أولويات برنامجه "ضمّ الضفّة الغربيّة وفرض السيادة الاسرائيليّة وتطبيق القانون الإسرائيلي المدني فيها، كما هو الأمر في الجولان والقدس المحتلّة"، لكن فشله في الانتخابات حال دون مضيّه في تحقيق أهدافه.
خلال الفترة اللاحقة لاستقالته من وزارة "الاستيعاب والهجرة" الإسرائيليّة، تقلّد غليك مناصب في جمعيّات ومؤسّسات تُعنى بتكثيف التواجد اليهودي في المسجد الأقصى، وتتحرك في محاولة لتغيير "الستاتيكو" القائم في المسجد، والسماح لليهود بأداء الصّلوات فيه. في البداية، شغل منصب مدير "معهد المعبد" (مخون همكداش)، الذي يُعنى "بإعادة قضية الهيكل إلى الوعي الشعبي اليهودي". وقد عرّف عنه أحد المواقع الدينيّة اليهوديّة بأنّه يمضي نهاره في "الدعاء لرجوع المشياح (المسيح المنقذ وفق الديانة اليهوديّة) إلى إسرائيل".
وبعد أن شغل مهام المدير العام لمؤسسة الهيكل، انضم إلى مؤسّسة ميراث الهيكل، ثمّ أسّس حركة "هليبا"، وهي اختصار بالعبريّة لتسمية "الهيئة من أجل الدفاع عن حقوق اليهود في الوصول إلى جبل الهيكل".
تحتلّ مسألة "صلاة اليهود في الأقصى" صدارة أجندة عمل غليك اليوميّة، خلال السنوات الأخيرة، وهو ولا يوفّر يوماً من دون اقتحام الأقصى ومحاولة أداء الصلاة فيه. وذهب إلى حدّ دعوة الحاخامات اليهوديّة الرافضة لصلاة اليهود في المسجد الأقصى إلى تغيير فتاويها بهذا الخصوص.
تمنع شرطة الاحتلال، منذ عام 2009، غليك، من اقتحام المسجد الأقصى، وكان آخرها في سبتمبر/أيلول من الشهر الماضي، واستمر منعه في إحدى المرات ما يقارب العام. في يونيو/حزيران 2009، صوّر نفسه وهو يؤدي الصلوات داخل الأقصى من أجل الافراج عن الجندي الإسرائيلي المأسور آنذاك جلعاد شاليط، والجاسوس الإسرائيلي المسجون في الولايات المتحدة، جونثان بولاراد، وبعد نشره الفيديو، أبعدته شرطة الاحتلال عن الأقصى.
وفي مارس/آذار الماضي، عاود غليك اقتحام الأقصى، في حين قابله المرابطون الفلسطينيون بالتكبير، وانتهى الاقتحام باعتقاله وإبعاده عن الأقصى حتى نهاية شهر يوليو/تموز الماضي. عندها، أضرب غليك عن الطعام احتجاجاً على القرار، قبل أن يستأنف إلى المحكمة العليا، ما دفع الشرطة إلى التراجع عن قرارها مقابل تنازله عن الاستئناف في المحكمة.
يُعتبر غليك من المقربين إلى نائب رئيس الكنيست موشيه فيغلين، الذي يُكثر بدوره من اقتحام المسجد الأقصى، وكان شاهد عيان على حادثة إطلاق النّار عليه، أول من أمس. كما يُعدّ من المقرّبين إلى رئيسة لجنة الداخليّة في الكنيست، ميري ريجف، التي نظّمت في العام الأخير ما لا يقلّ عن 15 اجتماعاً في الكنيست من أجل مناقشة مواضيع السيادة في الأقصى.
وفي محاضرته الأخيرة التي ألقاها ضمن مؤتمر "إسرائيل تعود إلى جبل الهيكل"، والمنظم من قبل جميع المؤسسات العاملة والمختصة بأمور ما يسمى "جبل الهيكل"، رنّ هاتف غليك، ما دفعه إلى الاعتذار أمام الجمهور قائلاً: "أبقي هاتفي النقال مفتوحاً دائماً، حتى إذا اتصلوا بي وقالوا لي هناك موافقة وتصريح على بناء الهيكل، أترك المكان إلى هناك فوراً".
وفي مقابلة مع جريدة "هآرتس"، قبل أسبوع، توقّع غليك أنّ "يحصل التغيير في جبل الهيكل، في نهاية المطاف، كنتيجة لأعمال العنف، في اللحظة التي يؤذي فيها العرب نفساً في المسجد الأقصى، سيصحو رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو)، ولكن ذلك سيكون متأخراً جداً".