تتواصل جهود المفكّر التونسي يوسف الصدّيق في شرح "القوْل القرآني" لتحرير النص من سلطتي التقليد والفقهاء، منذ أكثر من نصف قرن عبر دراسته لجذور الفلسفة العربية الممتدّة إلى الحضارة اليونانية، مع تركيزه على أن العرب كانوا مساهمين أساسيين فيها، بالنظر إلى معرفته العميقة باللغة الإغريقية وأدبياتها.
يتبلور مشروعه البحثي في استحضار ما يُطلق عليه "عصر الأنوار العربية"، في عهد الوحي والنبوة، وهو الذي يعرّف الفلسفة بأنها حوار مفتوح بين مجموعة من البشر متّصلي السياق، خلال حديثه في برنامج "فسحة فكر"، الجمعة الماضية، في "التلفزيون العربي"، مؤكداً أنه لا يمكن فصل الفلاسفة العرب كالفارابي وابن رشد عمن سبقهم من فلاسفة اليونان، وعلى رأسهم أرسطو وأفلاطون.
المفكّر التونسي المولود عام 1943 في مدينة توزر، يصف رحلته بقوله: "ذهبت للبحث عن نص يمكن أن أُعمل فيه الفلسفة ولا يكون له علاقة بالفلسفات الغربية، فوجدت القرآن، كالفيلسوف إيمانويل ليفيناس، الذي طوّر التوراة وجعلها نصاً فلسفياً بحتاً، كما أنه في المسيحية هناك الفيلسوف تيلار دي شاردان، الذي طوّر الإنجيل حتى أعد نصاً فلسفياً كاملاً يدرّس في مدارس الفلسفة العلمانية".
في دراساته المنشورة بالفرنسة حول الفلسفة اليونانية القديمة وأنثربولوجيا القرآن، وجد الصدّيق أن هناك حوالي 800 كلمة في القرآن جاءت مباشرةً من اليونانية، فعلى سبيل المثال قول النص "سيماهم في وجوههم"، حيث غياب الهمزة العربية المضمومة في كلمة "سيماؤهم" غيّبت الأصل العربي للنص، فيتضح للصدّيق أن الكلمة يونانية الأصل أتت من الكلمة اللاتينية "Semiotics"، والتي تعني علم العلامات.
يخلص إلى نتيجة بأن الألفاظ والأفكار يقعان في دائرة مغلقة، حيث لا يمكن أن تنتقل الألفاظ اليونانية إلى القرآن من دون انتقال الأفكار، وبالتالي الفلسفة، وهي الأطروحة التي قدّمها في كتابه "هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها".
الصدّيق يرى أن مشكلة تفسير النص عند المسلمين هي مشكلة أيديولوجية، جعلت رؤى المفسّرين المتغلبة وهي رؤية السلطة الأحادية للنص، فما استطاعوا أن يستوعبوا أن النص يحمل في داخله العديد من المعارف الأنثروبولوجية التي تحتمل مرونة السرد الزمني وسياقه.
يلفت في حواره المتلفز إلى أن إعجاز القرآن لم يأت في الكلمات أو الأسلوب أو زخارف القول كما عبّر عنه إبراهيم النظامي، وإنما في القدرة على استيعاب المعارف السابقة، فالقرآن غرضه الأساسي ليس توصيل المعرفة، ولكن الهداية إلى البحث والسعي خلف المعارف، على حد تعبير الصدّيق.