يوم تاريخي للمرأة الإيرانية

طهران

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
13 أكتوبر 2019
+ الخط -

قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كانت مدرجات ملاعب كرة القدم مفتوحة للمشجعين من الجنسين، لكنّ النساء منعن من الدخول منذ ذلك التاريخ. حظر انكسر جزئياً الخميس الماضي

أرض الملعب هي محط الاهتمام الأول والأخير في مباريات كرة القدم، لكنّ الأمر كان مختلفاً، الخميس الماضي، إذ خطفت مدرجات ملعب "آزادي" الشهير في العاصمة الإيرانية طهران، الأنظار، كونها احتضنت الآلاف من النساء الإيرانيات لأول مرة منذ 40 عاماً، لمشاهدة مباراة منتخبي إيران وكمبوديا، في التصفيات الآسيوية المزدوجة لكأس العالم 2022 وكأس آسيا 2023 في كرة القدم.




في هذا اليوم التاريخي للمرأة الإيرانية، غابت مشاهد "الفتيات الملتحيات" المتنكرات بهيئة الرجال أمام ملعب "آزادي" أو من على مدرجاته، حينما كانت بعضهن ينجحن في الدخول إليه، فدخلن هذه المرة إلى الملعب بحرية وبصفة رسمية وبأزيائهن النسائية ضمن 3500 امرأة، وهي عدد التذاكر المخصصة لهن للجلوس على 5 مدرجات في الاستاد. اللافت أنّ عدد المشجعات تجاوز عدد المشجعين الذكور في المباراة الذي لم يتجاوز 2000 مشجع.

عبرت النساء المتفرجات عن فرحتهن بحضور المباراة وتشجيعهن منتخب بلادهن، من خلال تحريك أعلام إيران والنفخ في الأبواق وإطلاق هتافات رياضية. وتضاعفت الفرحة؛ إذ سجل المنتخب الإيراني في حضورهن الرسمي الأول لمبارياته فوزاً ساحقا على كمبوديا بأربعة عشر هدفاً نظيفاً، ليتفاءل كثير من الإيرانيين بهذا الحضور النسائي، مطالبين بأن يستمر.

وأثار الحضور اهتماماً عالمياً واسعاً وتصدّر الأنباء والتغطيات الإعلامية، وفي إيران، إلى جانب التعليقات الشعبية المرحبة بالخطوة والتي اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي، لم يخفِ البعض من أبناء التيار المحافظ من معارضي السماح للنساء بحضور المباريات اعتراضهم، إذ احتجت صحيفة "كيهان" المتشددة، أمس السبت، على ذلك في عنوانها العريض، من خلال نشر صورتين لإيرانيات، الأولى لمشاركات في مراسم أربعينية الإمام الحسين، علقت عليها بـ"السائرات على درب الحرية"، والثانية لمتفرجات مباراة الخميس الماضي علقت عليها "ضحايا الحرية"، وهو ما أثار استياء البعض. فاتهم الناشط الإصلاحي الصحافي فريد مدرسي، عبر "تويتر" صحيفة "كيهان" بالسعي إلى إحداث التفرقة والاصطفاف داخل المجتمع الإيراني، معتبراً تعليقها على حضور النساء مباريات كرة القدم "بلاهة سياسية".

الحكومة الإيرانية بذلت جهوداً كبيرة لفتح الملاعب أمام النساء الإيرانيات، وإقناع المعارضين. واعتبر النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، عبر "تويتر"، أنّ "اليوم بعد دخول النساء إلى الملاعب قد تحقق أحد مطالب شريحة مهمة من النساء والشباب وناشطي المجتمع المدني". وبينما يعزو معارضو حضور النساء المباريات أحد أسباب معارضتهم إلى الأجواء الحاكمة في الملاعب و"المخاوف الأخلاقية"، حاول جهانغيري أن يطمئن هذه الجهات من خلال القول إنّ "الوعي الذي أظهره المتفرجون في الملعب كان مؤشراً على احترامهم حساسيات شريحة أخرى في المجتمع، وفي الوقت نفسه أزال القلق من استمرار إجراءات من هذا النوع".

وفي السياق نفسه، قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، الذي شاهد المباراة في ملعب "آزادي"، إنّ "المخاوف الثقافية منعت حتى الآن النساء من حضور هادئ ومحترم ومطمئن في الملاعب"، مضيفاً أنّ ذهاب النساء إلى صالات كرة السلة وكرة اليد "مهّد الأرضية الثقافية" لحضورهن مباريات كرة القدم من داخل الملاعب أيضاً.

البعض يعزو السماح للنساء بحضور مباريات كرة القدم بشكل رسمي بعد 40 عاماً من حظر ذلك، إلى تهديدات الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بفرض عقوبات كروية على إيران، وكذلك الأجواء الضاغطة بعد انتحار الفتاة الإيرانية الشغوفة بكرة القدم، سحر خداياري، بإضرام النار في نفسها في بداية سبتمبر/أيلول الماضي، أمام محكمة في طهران، بعدما قيل لها إنّ حكماً بالسجن لستة أشهر صدر بحقها لإهانة الشرطة أثناء سعيها الدخول إلى ملعب طهران متنكرة بزي رجالي، بحسب مصادر قضائية إيرانية. وعرفت خداياري بـ"الفتاة الزرقاء" لشغفها بنادي "استقلال" لكرة القدم، والذي يرتدي اللون الأزرق، وأثارت قصتها الرأي العام المحلي. لكنّ ربيعي نفى بحزم أن يكون القرار جاء نتيجة ضغوط الاتحاد الدولي لكرة القدم، قائلاً إنّ "البعض يود أن يربط الموضوع بالأجانب".



اليوم إلى جانب الحديث الرائج عن الأسباب، التي باتت قضية ثانوية لأنّ المهم هو أنّ الحاجز انكسر، تطرح تساؤلات قوية في الأوساط الإيرانية، خصوصاً النسائية، عما إذا كان هذا السماح سيستمر والملاعب ستفتح بالكامل أمام النساء الإيرانيات. ويجيب ربيعي على هذا التساؤل بالقول إنّه "إذا كانت السلوكيات معقولة فسيسمح للنساء الإيرانيات بالذهاب إلى الملاعب لتشجيع منتخبهن ولا تحدث مشكلة في ذلك". ويستقى من تصريحات المسؤولين الإيرانيين أنّ حضور النساء الإيرانيات في الملاعب سيقتصر على المباريات الوطنية، أي التي تجمع المنتخب الإيراني ونظراءه، من دون أن يشمل المباريات الداخلية. وفي هذا الإطار، قال وزير الرياضة الإيراني، مسعود سلطاني فر، إنّ "حضور النساء المباريات الوطنية سيستمر".

كذلك، فإنّ القيود التي تحدد أعداد النساء اللواتي يسمح لهن بالدخول إلى الملاعب لمشاهدة المباريات الوطنية حالياً ستتغير. وتتوقع أوساط إعلامية إيرانية أن تتزايد هذه الأعداد مع الوقت، حتى يتحول الأمر إلى مسألة عادية وتكون "الأجواء الأخلاقية والثقافية" في الملاعب "أكثر تهيؤاً".