30 ديسمبر 2021
يوم من أيامه!
إلى الذين لا تفرق معهم دماء الشهداء ولا تضحيات الجرحى، بقدر ماتفرق معهم مصالحهم الشخصية المشروعة، إلى الذين لازالوا يسألون لماذا قامت ثورة يناير، ولازالوا يعتقدون أن حسني مبارك خدم مصر وحقق لها الأمن والإستقرار، أهديهم هذه الأرقام المعترف بها من آخر حكومة للرئيس المخلوع مبارك والتي اخترتها من نشرة مرصد عدالة التنمية الصادرة عن مركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار الصادرة في ديسمبر 2010، لعلهم يراجعون ضمائرهم قليلاً، ويدركوا أن هذه الثورة يمكن أن تكون طوق النجاة لمصر، لو تكاتفنا جميعا حولها وقررنا تطهير كافة جيوب الفساد وبناء مصر "على ميّة بيضا" لأول مرة في تاريخها.
شوف يا سيدي، عند رصد مؤشرات التنمية في مصر في 2008/2009 تم اكتشاف الآتي: هناك من بين كل 100 أسرة: 58 أسرة لا يكفي دخلها إحتياجاتها ـ 36 أسرة يرأسها رب أسرة أمي ـ 21 أسرة يرأسها رب أسرة حاصل على تعليم ثانوي ـ 12 أسرة فقط يرأسها رب أسرة حاصل على تعليم جامعي ـ 53 أسرة غير متصلة بشبكة عامة للصرف الصحي (في أزهى عصور البنية التحتية) ـ 46 أسرة لا تمتلك تليفون أرضي في حين تمتلك 63% من الأسر تليفونا محمولا على الأقل ـ 5 أسر فقط تمتلك سيارة خاصة ـ 18 أسرة تمتلك كمبيوتر ـ 4 أسر تمتلك مدخرات بنكية أو دفتر توفير أو شهادات إستثمار ـ 10 أسر شهدت تغيرا بالزيادة في حالتها المادية مقارنة بالعام الماضي ـ 50 أسرة شهدت تغيرا بالنقصان في حالتها المادية مقارنة بالعام الماضي. هناك فردان فقيران من بين كل خمسة أفراد طبقا لخط الفقر الدولي (2.5 دولار في اليوم) بنسبة 41% من السكان. يسكن في الريف 59% من إجمالي السكان في مصر بينما يعيش فيه 79% من الفقراء. لاحظ أن أحدث رقم تم إعلانه لنسبة السكان تحت خط الفقر طبقا لتقرير أعلنته القوات المسلحة في ندوة إقتصادية قبل شهر ونصف يقدر أن الفقراء يمثلون سبعين في المائة من السكان وهو الرقم الذي أفزع الكثيرين، وأثار تساؤلات حول سر إخفاء هذا الرقم ومدى دقة الأرقام السابقة عليه.
من بين كل مائة فرد أعمارهم عشر سنوات فأكثر هناك 28 فردا أمياً ـ و20 فردا فقط حاصلون على التعليم الأساسي ـ و25 فردا حاصلا على التعليم الثانوي ـ ومن بين كل مائة فرد بشكل عام هناك 12 فردا يعانون مرضا مزمنا أو أكثر ـ من بين كل مائة طفل أقل من 18 سنة هناك أربعة يعيشون في مساكن لا يتوفر لهم فيها مرحاض أو يتوفر مرحاض غير متصل بشبكة صرف صحي أو بيارة أو خزان و3 لم يذهبوا مطلقا إلى المدرسة و13 يعيشون في مساكن ذات أرضية ترابية و3 يعيشون في مساكن لا تتوفر لهم سبل للحصول على المياه إلا من مصدر غير محسن أو يستغرقون ثلاثين دقيقة أو أكثر لجلب المياه والعودة. وفي حين حصل في عام 2009 أغنى 20 في المائة من الأفراد على 41 في المائة من إجمالي الاستهلاك، لم يحصل أفقر 20 في المائة إلا على 9 في المائة فقط من أجمالي الاستهلاك. وكان نصيب أغنى 20 في المائة من الأفراد من إجمالي الاستهلاك يفوق نصيب أدنى 60 في المائة من الأفراد.
في ظل أزهى عصور الأمومة والطفولة تكشف الأرقام أن هناك 21,2 في المائة من الأطفال أي حوالي 6 ملايين طفل محرومون في إحدى هذه المجالات: التغذية ـ مياه شرب نقية ـ الصرف الصحي ـ الصحة ـ المأوى ـ التعليم والمعرفة. بينما هناك رقم إيجابي هو أن 91,7 في المائة من الأطفال مابين 12 ـ 23 شهرا حصلوا على التطعيمات الكاملة. بينما تصل نسبة الأطفال الأقل من 5 سنوات الذين يعانون من التقزم إلى 14%. وفي نفس العمر يتعرض 17,3 في المائة من الأطفال للحرمان من الغذاء أو الصحة، ويعاني نصف الأطفال في ريف الوجه القبلي من أحد أبعاد الحرمان المختلفة.
أما عند دراسة نسبة الأسر الهشة أي المعرضة للوقوع في دائرة الفقر تم إكتشاف أن نصف الأسر في الحضر وثلثي الأسر في الريف لا يكفي دخلها للوفاء بإحتياجاتها، وأنه من بين كل عشر عاملين يعمل ثلاثة أفراد أعمالا غير دائمة. وفي حين تصل نسبة البطالة بين الأميين إلى 0,5 % فقط، فهي تصل إلى 11% بين الجامعيين في عام 2009 فقط. 17% فقط من جميع الأفراد في مصر مشتركون في التأمينات الإجتماعية ـ أقل من نصف الأفراد في مصر 47% مشتركون في التأمين الصحي بدون اختلافات في الحضر والريف. وطبقا لمؤشرات أكسفورد التي تقوم بقياس معدلات المعاناة من أنواع الحرمان المختلفة وهي كالآتي (الحرمان من شبكة مياه نقية ـ الحرمان من شبكة صرف صحي عامة أو خاصةـ الحرمان من حوائط صحية ـ الحرمان من عمل دائم ـ الحرمان من التعليم الأساسي ـ التكدس أو وجود 3 أفراد أو أكثر في الغرفة الواحدة وأخيرا الحرمان من التأمين الإجتماعي) فإن هناك حوالي 84 في المائة من المصريين الذين يزيد عمرهم على الخمسة عشر عاما يعانون من شكل واحد على الأقل من أشكال الحرمان، وهناك نسبة 56 في المائة من المصريين في نفس العمر يعانون من الفقر المطلق الذي يعني أن الفرد يعاني شكلين على الأقل من أشكال الحرمان، في حين يوجد 16 في المائة فقط منهم لا يعانون أي شكل من اشكال الحرمان المحددة سلفا، مما يعني أن سنوات مبارك كانت في حقيقة الأمر أزهى عصور الحرمان.
أرجوك الآن أن تتخيل ما الذي كان سيحدث لو استمرت الأحوال في مصر على ماكانت عليه من فساد وظلم إجتماعي وتصاعد في نسب الفقر بشكل مخيف؟ ألا يعد كل ما نشهده الآن من انفلات أمني بسب تراخي جهاز الشرطة في أداء دوره أرحم بكثير من ثورة جياع مدمرة تكتسح الأخضر واليابس كانت ستحدث لا محالة في ظل أرقام مفزعة كالتي قرأناها؟ ألا يجعلنا كل هذا نفهم لماذا اندلعت في كل شبر مصري صرخات الأنين التي يسمونها المظاهرات الفئوية والتي لن يجدي معها سوى تصحيح سريع لإختلال هيكل الأجور في مصر وضبط للإنفاق الحكومي وتفعيل للأجهزة الرقابية وضمان إستقلاليتها.
ضع بجوار كل هذه الأرقام تلك الأرقام التي أعلنها البنك المركزي قبل أيام وقال فيها أن القطاع المصرفي شهد زيادة ملحوظة في حجم المدخرات عقب قيام ثورة يناير، حيث زادت الإيداعات في النقد المحلي بزيادة 4,7 مليار جنيه لتصبح في يوم 19 مايو الجاري 946.9 مليار جنيه، بينما زادت الإيداعات بالنقد الأجنبي أكثر من 22,6 مليار جنيه لتصيح في يوم 19 مايو قيمتها 238,6 مليار جنيه، وفي حين توقع البنك المركزي سحب كميات كبيرة من النقد الكاش عقب فتح البنوك فقد شهدت البنوك تفوقا في الإيداعات على السحوبات، حيث سجل صافي الإيداعات في يوم 6 فبراير أول يوم عمل للبنوك إيداع 300 مليار و262 مليون جنيه بزيادة 10 مليارات و448 مليون جنيه على المبالغ التي تم سحبها من قبل المتعاملين مع البنوك، وعندما تعرف بعد كل هذا أن قروض العملاء التي تمنحها البنوك زادت أكثر من 4,4 مليار جنيه برغم حالة الكساد التي تسيطر على السوق لتصل إلى 460 مليار و689 مليون جنيه نهاية يوم 19 مايو الماضي، في حين أن حجمها يوم 27 يناير كان 456 مليار و285 مليون جنيه.
إذا كنت تفهم في الإقتصاد طشاش مثل حالاتي، ستدرك من قراءة هذه الأرقام أن حوالي نصف الأموال الموجودة لدى البنوك مستقرة دون حراك في السوق، وأن مصر لا ينتظرها الإفلاس بل ينتظرها مستقبل مشرق لو تم إعلان سياسات تنمية حقيقية وفاعلة في مجالات صناعية وزراعية تخلق فرص عمل حقيقية بعيدا عن شغل السمسرة والفهلوة الذي لا يخدم إلا فئات معينة ولا يخلق إقتصادا قوي الدعائم، لأن كل هذه الأموال المكدسة في البنوك سيتم تحريكها وسيكون لدى مصر بعد الثورة وبفضلها فرصة حقيقية لكي تبني اقتصاداً قوياً على دعائم محترمة عادلة، فقط لو توفرت إرادة سياسية حاسمة تمارس الشفافية في الحكم ولا توقع الناس في متاهات الغموض وتجعلهم قلقين من المستقبل بل مطمئنين إليه، في إطار توافقي لا يخيف أحداً لكي يطمئن آخرين، ولا يتبع سياسات متراخية في مواجهة الانفلات الأمني والفتنة الطائفية، والأهم في أن يرى الناس خططا واضحة في مجال العدالة الإجتماعية تقنع كل المصريين، ليس بأن يضحوا من أجل وطنهم، بل أن يكسبوا وطناً تسوده العدالة الإجتماعية التي تجعل الفقير أقل فقرا وأكثر رضا عن المعيشة، وتجعل الغنىّ أقل غنى ولكن أكثر أمانا وأكثر رضا عن النفس.
مع خالص الاعتذار لكل خبراء الإقتصاد إذا كنت قد أخطأت في قراءة أي رقم أو تعسفت في تحليله، فلن يكون ذلك على أية حال مشابهاً لصفاقة جمال مبارك وأحمد عز في التلاعب بالأرقام من أجل عيون مشروع التوريث، ولعل حسن النية يغفر لي سوء التحليل، أو هكذا أتمنى.
.....
إذا كنت ممن يعتقدون أن حنين الكثيرين إلى أيام مبارك هو أمر ظهر في السنين الأخيرة فقط، يؤسفني أن تعرف أنني نشرت السطور السابقة في صحيفة (المصري اليوم) بتاريخ 31 مايو 2011 تحت عنوان (أزهى عصور الحرمان)، لكن ما يؤسفني ويحزنني أكثر هو أن قتامة الواقع الذي نعيشه الآن، تجاوزت الآمال الواردة في تلك السطور، ومع ذلك لا زال بيننا من يعتبرون أن الحل يكمن في ترديد شعار "ولا يوم من أيامه"، كأن هناك شيئاً أوصلنا إلى هذه الأيام غير أيامه.
شوف يا سيدي، عند رصد مؤشرات التنمية في مصر في 2008/2009 تم اكتشاف الآتي: هناك من بين كل 100 أسرة: 58 أسرة لا يكفي دخلها إحتياجاتها ـ 36 أسرة يرأسها رب أسرة أمي ـ 21 أسرة يرأسها رب أسرة حاصل على تعليم ثانوي ـ 12 أسرة فقط يرأسها رب أسرة حاصل على تعليم جامعي ـ 53 أسرة غير متصلة بشبكة عامة للصرف الصحي (في أزهى عصور البنية التحتية) ـ 46 أسرة لا تمتلك تليفون أرضي في حين تمتلك 63% من الأسر تليفونا محمولا على الأقل ـ 5 أسر فقط تمتلك سيارة خاصة ـ 18 أسرة تمتلك كمبيوتر ـ 4 أسر تمتلك مدخرات بنكية أو دفتر توفير أو شهادات إستثمار ـ 10 أسر شهدت تغيرا بالزيادة في حالتها المادية مقارنة بالعام الماضي ـ 50 أسرة شهدت تغيرا بالنقصان في حالتها المادية مقارنة بالعام الماضي. هناك فردان فقيران من بين كل خمسة أفراد طبقا لخط الفقر الدولي (2.5 دولار في اليوم) بنسبة 41% من السكان. يسكن في الريف 59% من إجمالي السكان في مصر بينما يعيش فيه 79% من الفقراء. لاحظ أن أحدث رقم تم إعلانه لنسبة السكان تحت خط الفقر طبقا لتقرير أعلنته القوات المسلحة في ندوة إقتصادية قبل شهر ونصف يقدر أن الفقراء يمثلون سبعين في المائة من السكان وهو الرقم الذي أفزع الكثيرين، وأثار تساؤلات حول سر إخفاء هذا الرقم ومدى دقة الأرقام السابقة عليه.
من بين كل مائة فرد أعمارهم عشر سنوات فأكثر هناك 28 فردا أمياً ـ و20 فردا فقط حاصلون على التعليم الأساسي ـ و25 فردا حاصلا على التعليم الثانوي ـ ومن بين كل مائة فرد بشكل عام هناك 12 فردا يعانون مرضا مزمنا أو أكثر ـ من بين كل مائة طفل أقل من 18 سنة هناك أربعة يعيشون في مساكن لا يتوفر لهم فيها مرحاض أو يتوفر مرحاض غير متصل بشبكة صرف صحي أو بيارة أو خزان و3 لم يذهبوا مطلقا إلى المدرسة و13 يعيشون في مساكن ذات أرضية ترابية و3 يعيشون في مساكن لا تتوفر لهم سبل للحصول على المياه إلا من مصدر غير محسن أو يستغرقون ثلاثين دقيقة أو أكثر لجلب المياه والعودة. وفي حين حصل في عام 2009 أغنى 20 في المائة من الأفراد على 41 في المائة من إجمالي الاستهلاك، لم يحصل أفقر 20 في المائة إلا على 9 في المائة فقط من أجمالي الاستهلاك. وكان نصيب أغنى 20 في المائة من الأفراد من إجمالي الاستهلاك يفوق نصيب أدنى 60 في المائة من الأفراد.
في ظل أزهى عصور الأمومة والطفولة تكشف الأرقام أن هناك 21,2 في المائة من الأطفال أي حوالي 6 ملايين طفل محرومون في إحدى هذه المجالات: التغذية ـ مياه شرب نقية ـ الصرف الصحي ـ الصحة ـ المأوى ـ التعليم والمعرفة. بينما هناك رقم إيجابي هو أن 91,7 في المائة من الأطفال مابين 12 ـ 23 شهرا حصلوا على التطعيمات الكاملة. بينما تصل نسبة الأطفال الأقل من 5 سنوات الذين يعانون من التقزم إلى 14%. وفي نفس العمر يتعرض 17,3 في المائة من الأطفال للحرمان من الغذاء أو الصحة، ويعاني نصف الأطفال في ريف الوجه القبلي من أحد أبعاد الحرمان المختلفة.
أما عند دراسة نسبة الأسر الهشة أي المعرضة للوقوع في دائرة الفقر تم إكتشاف أن نصف الأسر في الحضر وثلثي الأسر في الريف لا يكفي دخلها للوفاء بإحتياجاتها، وأنه من بين كل عشر عاملين يعمل ثلاثة أفراد أعمالا غير دائمة. وفي حين تصل نسبة البطالة بين الأميين إلى 0,5 % فقط، فهي تصل إلى 11% بين الجامعيين في عام 2009 فقط. 17% فقط من جميع الأفراد في مصر مشتركون في التأمينات الإجتماعية ـ أقل من نصف الأفراد في مصر 47% مشتركون في التأمين الصحي بدون اختلافات في الحضر والريف. وطبقا لمؤشرات أكسفورد التي تقوم بقياس معدلات المعاناة من أنواع الحرمان المختلفة وهي كالآتي (الحرمان من شبكة مياه نقية ـ الحرمان من شبكة صرف صحي عامة أو خاصةـ الحرمان من حوائط صحية ـ الحرمان من عمل دائم ـ الحرمان من التعليم الأساسي ـ التكدس أو وجود 3 أفراد أو أكثر في الغرفة الواحدة وأخيرا الحرمان من التأمين الإجتماعي) فإن هناك حوالي 84 في المائة من المصريين الذين يزيد عمرهم على الخمسة عشر عاما يعانون من شكل واحد على الأقل من أشكال الحرمان، وهناك نسبة 56 في المائة من المصريين في نفس العمر يعانون من الفقر المطلق الذي يعني أن الفرد يعاني شكلين على الأقل من أشكال الحرمان، في حين يوجد 16 في المائة فقط منهم لا يعانون أي شكل من اشكال الحرمان المحددة سلفا، مما يعني أن سنوات مبارك كانت في حقيقة الأمر أزهى عصور الحرمان.
أرجوك الآن أن تتخيل ما الذي كان سيحدث لو استمرت الأحوال في مصر على ماكانت عليه من فساد وظلم إجتماعي وتصاعد في نسب الفقر بشكل مخيف؟ ألا يعد كل ما نشهده الآن من انفلات أمني بسب تراخي جهاز الشرطة في أداء دوره أرحم بكثير من ثورة جياع مدمرة تكتسح الأخضر واليابس كانت ستحدث لا محالة في ظل أرقام مفزعة كالتي قرأناها؟ ألا يجعلنا كل هذا نفهم لماذا اندلعت في كل شبر مصري صرخات الأنين التي يسمونها المظاهرات الفئوية والتي لن يجدي معها سوى تصحيح سريع لإختلال هيكل الأجور في مصر وضبط للإنفاق الحكومي وتفعيل للأجهزة الرقابية وضمان إستقلاليتها.
ضع بجوار كل هذه الأرقام تلك الأرقام التي أعلنها البنك المركزي قبل أيام وقال فيها أن القطاع المصرفي شهد زيادة ملحوظة في حجم المدخرات عقب قيام ثورة يناير، حيث زادت الإيداعات في النقد المحلي بزيادة 4,7 مليار جنيه لتصبح في يوم 19 مايو الجاري 946.9 مليار جنيه، بينما زادت الإيداعات بالنقد الأجنبي أكثر من 22,6 مليار جنيه لتصيح في يوم 19 مايو قيمتها 238,6 مليار جنيه، وفي حين توقع البنك المركزي سحب كميات كبيرة من النقد الكاش عقب فتح البنوك فقد شهدت البنوك تفوقا في الإيداعات على السحوبات، حيث سجل صافي الإيداعات في يوم 6 فبراير أول يوم عمل للبنوك إيداع 300 مليار و262 مليون جنيه بزيادة 10 مليارات و448 مليون جنيه على المبالغ التي تم سحبها من قبل المتعاملين مع البنوك، وعندما تعرف بعد كل هذا أن قروض العملاء التي تمنحها البنوك زادت أكثر من 4,4 مليار جنيه برغم حالة الكساد التي تسيطر على السوق لتصل إلى 460 مليار و689 مليون جنيه نهاية يوم 19 مايو الماضي، في حين أن حجمها يوم 27 يناير كان 456 مليار و285 مليون جنيه.
إذا كنت تفهم في الإقتصاد طشاش مثل حالاتي، ستدرك من قراءة هذه الأرقام أن حوالي نصف الأموال الموجودة لدى البنوك مستقرة دون حراك في السوق، وأن مصر لا ينتظرها الإفلاس بل ينتظرها مستقبل مشرق لو تم إعلان سياسات تنمية حقيقية وفاعلة في مجالات صناعية وزراعية تخلق فرص عمل حقيقية بعيدا عن شغل السمسرة والفهلوة الذي لا يخدم إلا فئات معينة ولا يخلق إقتصادا قوي الدعائم، لأن كل هذه الأموال المكدسة في البنوك سيتم تحريكها وسيكون لدى مصر بعد الثورة وبفضلها فرصة حقيقية لكي تبني اقتصاداً قوياً على دعائم محترمة عادلة، فقط لو توفرت إرادة سياسية حاسمة تمارس الشفافية في الحكم ولا توقع الناس في متاهات الغموض وتجعلهم قلقين من المستقبل بل مطمئنين إليه، في إطار توافقي لا يخيف أحداً لكي يطمئن آخرين، ولا يتبع سياسات متراخية في مواجهة الانفلات الأمني والفتنة الطائفية، والأهم في أن يرى الناس خططا واضحة في مجال العدالة الإجتماعية تقنع كل المصريين، ليس بأن يضحوا من أجل وطنهم، بل أن يكسبوا وطناً تسوده العدالة الإجتماعية التي تجعل الفقير أقل فقرا وأكثر رضا عن المعيشة، وتجعل الغنىّ أقل غنى ولكن أكثر أمانا وأكثر رضا عن النفس.
مع خالص الاعتذار لكل خبراء الإقتصاد إذا كنت قد أخطأت في قراءة أي رقم أو تعسفت في تحليله، فلن يكون ذلك على أية حال مشابهاً لصفاقة جمال مبارك وأحمد عز في التلاعب بالأرقام من أجل عيون مشروع التوريث، ولعل حسن النية يغفر لي سوء التحليل، أو هكذا أتمنى.
.....
إذا كنت ممن يعتقدون أن حنين الكثيرين إلى أيام مبارك هو أمر ظهر في السنين الأخيرة فقط، يؤسفني أن تعرف أنني نشرت السطور السابقة في صحيفة (المصري اليوم) بتاريخ 31 مايو 2011 تحت عنوان (أزهى عصور الحرمان)، لكن ما يؤسفني ويحزنني أكثر هو أن قتامة الواقع الذي نعيشه الآن، تجاوزت الآمال الواردة في تلك السطور، ومع ذلك لا زال بيننا من يعتبرون أن الحل يكمن في ترديد شعار "ولا يوم من أيامه"، كأن هناك شيئاً أوصلنا إلى هذه الأيام غير أيامه.