"يوم وَزِر" (A Day & a Button)، هو عنوان آخر الأفلام القصيرة، والذي أطلقته مؤسسة "بدايات" السورية للفنون السمعية والبصرية، كأول فيلم تقدمه المؤسسة في العام الجديد. العمل الذي أخرجته وقامت بتصويره عزّة الحموي يمتد لست دقائق و49 ثانية، ويقارب بشكل أساسي جدليّة الهوية.
تنطلق الحموي من انقسام الهوية بين العاصمة دمشق التي يسيطر عليها النظام من جهة، ومناطق الريف الدمشقي التي تسيطر عليها قوات المعارضة من جهة أخرى، مع كل الاختلافات الرمزية والسياسية والبصرية والإنسانية بين المكانين.
تنقلنا المخرجة معها في رحلة قصيرة، تبدأ من غرفتها التي تخيط فيها حقيبة صوفية صغيرة ستستخدمها لإخفاء كاميرتها، لنتجول معها في شوارع العاصمة، من ساحة "الأمويين" إلى شارع "الثورة" وصولاً لحواري المدينة القديمة. تهتز صورة المخرجة عاكسة حالة التوتر في هذه المناطق، إذ تحتل المشهد هنا صور رأس النظام السوري بشار الأسد وحواجزه العسكرية وشعارات تمجيده على الحيطان وأعلامه المرفوعة قسراً أو طوعاً.
تحيلنا هذه المشاهد إلى الأيام الأولى للثورة السورية، عندما كان الناشطون الإعلاميون أو المواطنون العاديون ينقلون صور انتهاكات وقمع واعتقال عبر كاميرات هواتف نقالة أو غيرها، مخفية ومخبأة بطريقة أو بأخرى، ترتج فيها الصورة وقد لا تنجح بإيصال المشهد كاملاً. يبدو الوضع بعد نحو أربع سنوات أكثر قسوة واختناقاً رغم غياب صور الدم والضرب عن الشاشة، فالكاميرا هنا مخبأة رغم أنها لا تنقل سوى مشاهد الحياة "العادية" في العاصمة، لا قمع المظاهرات ولا فض الاعتصامات.
تقول الحموي، في حديث لـ"العربي الجديد" إن "القاطنين في دمشق لم يعودوا يميزون القبح الذي يعيشون فيه بسبب الانشغال بتفاصيل الحياة اليومية"، مشيرةً إلى أن التصوير في مناطق سيطرة النظام استنزف الكثير من وقتها وجهدها وأعصابها، فهي لا تستطيع مثلاً أن تعرف خلال التصوير مدى جودة المشاهد ودقتها ونقلها لما تريد نقله، أو حتى إن كانت الكاميرا في حالة تقنية غير ملائمة.
بعد ثلاث دقائق ونصف، ينتقل الفيلم إلى "الغوطة". كل شيء هنا مختلف، الانتقال بين المكانين لا يستهلك أكثر من عشر دقائق قبل 2011، لكنها تبدو وكأنها "كوكب" آخر كما تقول المخرجة بصوتها في الفيلم... ففي الغوطة لا تخفي الحموي كاميرتها فلا تهتز الصورة، بل هي واضحة بلقطات طويلة، مع تقريب للقطة إن اقتضى الأمر. ثمة هنا مشاهد واسعة للدمار، لقطات لمظاهرة ضد النظام، أعلام الثورة السورية، أطفال يلهون ويبتسمون للكاميرا، مطبخ جماعي، لكن الحطام هو التفصيل الطاغي على كل ما عداه.
على طول الفيلم تطرح المخرجة على نفسها تساؤلات عن الهوية: ما علاقة البطاقة الشخصية بالهوية؟ أين يمكن للثائر أن يكون؟ هل عليه أن يلعب دورالضحية أم يواصل العيش تحت وطأة احتلال النظام لكل شيء؟ ولا جواب.