وفي وقتٍ بدت فيه الكتيبة "سريّة"، تمكن الناشط الإعلامي أحمد إبراهيم، من اختراق خصوصيتها بعد مقابلته فتاة منشقة حديثاً عن التنظيم. وأفادت الفتاة بأن "تشكيل كتيبة الخنساء يدلّ على أن التنظيم ليس مجموعة من السلفيين المتعصبين فقط، وإنما قبل كل شيء، مكوّن من أمنيّين أتوا من الأمن العراقي والسوري البعثي، ويتمتعون بخبرات أمنية وتقنية كبيرة".
تضيف الفتاة "تأسست الكتيبة في 2 فبراير/شباط 2014 إثر هجومين تعرّض لهما حاجزان لداعش، وكان المهاجمون يرتدون زي النساء في مناطق سيطرة التنظيم. وقُتل في الهجومين بعض المقاتلين من التنظيم، ولم يُقتل أي من المهاجمين. لذلك تقرّر استحداث كتيبة نسائية". وبعد دورة تدريبية قصيرة خضعت لها المتدربات، بدأت دوريات "الخنساء" تجوب شوارع مدينة الرقة بدءاً من 24 فبراير/شباط 2014، ومع الزمن والمقتضيات والحاجات تطوّر عمل الكتيبة وتكامل.
اقرأ أيضاً: مدينة الرقة السورية نموذج "الخلافة الإسلامية"
وشكّل التجوّل في الشوارع وحول حواجز السيطرة، ومراقبة المارّة من النساء، للكشف عما إذا كان بينهن رجال يرتدون النقاب تمويهاً، أولى مهمات الكتيبة. كذلك تدرّبت عناصر الكتيبة على ملاحظة طريقة المشي والتركيز على الأحذية، وذلك بسبب وجود فرق بين النساء والرجال في حركة الجسد أثناء المشي، وكذلك الفرق في حجم الحذاء ونوعه وطريقة ربطه مثلاً. وبالفعل تمّ القبض على رجال يرتدون النقاب، من دون أن يعني ذلك التحضير للقيام بعمليات، بل إن معظمهم كان متخفياً لأسباب أخرى.
كذلك تضمّنت المهام: مراقبة صحّة ارتداء النقاب، وألا يظهر تفاصيل الجسم، وعلى أساسه أُدخل "الدرع" إلى لباس النساء في ما بعد. والدرع هو ثوب من قماش قاسٍ صلب، يُلبس تحت العباءة الخارجية ليخفي أي تفصيل في جسم المرأة. كما عمدت الكتيبة إلى "غزو" مدارس البنات، ومحلات الألبسة النسائية، وتزيين الشعر، وأُمر أصحاب المحلات بقطع رؤوس دمى العرض وتغطيتها، كما مُنِع أن يكون البائع رجلاً. وكان يُخطّط لـ"الغزوات" على مدارس البنات، بأن تكون مفاجئة وعنيفة، ويغلّفها جو من الشتائم لبثّ الرعب. كما اعتُقل الكثير من الطالبات والمعلمات، وعُذّبن وعُذّب أهلهنّ، وفي النهاية أُغلقت مدارس البنات نهائياً.
أما المهمة الأكثر تعقيداً للكتيبة، فكانت إغلاق العيادات النسائية التي يديرها رجال، قبل العودة سريعاً عن هذا القرار، لتصبح العيادات النسائية موضع تمييز، بسبب الحاجة إلى إجراء عمليات إجهاض. وتعمل الكتيبة على تزويج المسلّحين، خصوصاً الأجانب، فتبحث لهم عن فتيات للزواج، وكثيراً ما جرى إغراء الأهل بالمال أو جرى تخويفهم لإجبارهم على تزويج بناتهم. وقد حصلت مآسٍ بهذا الخصوص عندما انتحرت فتيات أُجبرن على الزواج، منهن فاطمة جمعة، من قرية السلحبية، والتي انتحرت في 5 مارس/آذار 2014، حرقاً. كذلك تقوم الكتيبة بتزويج عناصر منها لأحد المتنفذين من إحدى العشائر لتقوية الصلات وخلق شبكة علاقات يصعب فصمها.
وأبشع مهام الكتيبة، تجلّى بفرض العقوبات على النساء بـ"العضّاضة"، وهي آلةٌ حديدية تشبه كثيراً الكماشة. منها ما له سنّان في الفك العلوي وسنان في الفك السفلي، ومنها بأربعة لكلّ فكّ. تقوم المُوكلة بالمهمة بإطباق فكّي الكماشة على صدر المعاقبة، مما يسبب لها ألماً لا يطاق وجروحاً. وأحياناً تطبّق على الأعضاء التناسلية بطريقة وحشية. وتبرز امرأة بريطانية تُكنّى بـ"أم سلمة" في استخدام الآلة.
وبات موثّقاً من هاربات من التنظيم، أن الأوروبيات هنّ أكثر النساء عنفاً في الكتيبة، وتليهن التونسيات. ومن بين التونسيات أم ريان، قائدة الكتيبة، والتي جاءت من العراق إلى سورية. قُتل زوجها في معارك العراق، وقامت بتزويج ابنتيها من عناصر في داعش. وهي امرأة صلبة قوية حازمة وغليظة في أوامرها وطريقة تصرفها. ولأم ريان مساعدة سورية من حمص، اسمها كوثر.
أما العاملات في التعذيب فخليط من أجنبيات أوروبيات وتونسيات وعراقيات وسوريات. إحدى هؤلاء الجلادات أم حمزة، والتي عرفها أهل مدينة الرقّة قبل أن يسيطر "داعش" على المدينة، فقد كانت سجّانة وجلادة الهيئة الشرعية التابعة لـ"أحرار الشام".
اقرأ أيضاً: نساء متشدّدات.. 700 تونسيّة في "داعش" و"النصرة"