بدأت المرأة السودانية ولوج رياضات كانت تعتبر حكراً على الرجال، محطمة بذلك كل القيود المجتمعية التي تحد من حركتها، فضلا عن القيود التي يفرضها نظام الحكم في الخرطوم على المرأة، منذ وصوله إلى السلطة في 1989.
عرفات بكري آدم (22 سنة) هاوية ملاكمة حرة، فضلا عن ممارستها رفع الأثقال، كل حلم الشابة السودانية أن تصبح نجمة ملاكمة عالمية، أسوة بنظيرتها ليلي محمد علي كلاي التي تضعها دائما نصب عينيها عندما تصعد إلى الحلبة.
وتقول عرفات التي تدرس في كلية التربية الرياضية بجامعة السودان، لـ"العربي الجديد": "الملاكمة هوايتي منذ الصغر، وهي ما جعلني ألهث خلف حلمي في أول فرصة أتيحت لي".
وتشير إلى أنها انضمت لتمارين الملاكمة منذ عام تقريبا، لكنها حتى الآن لم تخض أية بطولات على المستوى المحلي أو الدولي، وتؤكد أن رغبتها في كسر الحاجز الذي يقلل من قيمة المرأة هي التي قادتها لممارسة رياضات خاصة بالرجال، وتوضح: "تستفزني جدا الأمثال السودانية التي تقلل من شأن المرأة على شاكلة (المراة إذا كانت فأس لن تقطع الرأس)، وأحببت من خلال مشاركتي في التأكيد على قوة المرأة وتحديت بذلك نفسي".
ولم تخل تجربة عرفات من النقد الهادف والهدام، حيث ظلت النظرة المجتمعية الرافضة لذاك النوع من الرياضات تلاحقها في كل مكان رغم تفهم أسرتها لرغبتها وتشجيعها.
وتضيف: "بعضهم بدأ يتقبل فكرة أني ملاكمة ويشجعها"، ورأت أن كثيرين يعتقدون أنها قد تصبح عانساً بسبب ممارسة ذاك النوع من الرياضة العنيفة، ولكنها بدت واثقة أنها ستكون حلما لأي رجل، وستمارس حياتها الأسرية دون أن تؤثر في مسيرتها الرياضية.
واشتكت عرفات من غياب الدعم واحتضان موهبتها هي ونظيراتها ممن اخترن ذاك النوع من الرياضات، وأشارت إلى عدم وجود أماكن مخصصة للتمارين، فضلا عن ممارسة التدريبات جنبا إلى جنب مع الرجال، ورأت أن من التحديات التي تواجههن كملاكمات عدم توفر الأوزان المناسبة، فضلا عن تخوف الأسر من السماح لبناتهن بممارسة الملاكمة، ما يحد من مشاركة الفتيات ويمنع إقامة البطولات المحلية وإذكاء روح التنافس.
وتوضح الشابة السودانية: "حاليا لا توجد بطولات محلية، ونخوض المنافسات ضد الرجال، وفي هذا ظلم لنا"، وتؤكد أنهن حتى الآن لم يجدن مضايقات من قبل السلطات رغم خروجهن للتدريب في الهواء الطلق وخارج صالات الأندية، مشددة على التزامها بزي محتشم.
لم تكن عرفات وحدها التي دخلت مجال ممارسة رياضة الملاكمة، فمنذ فتح المجال أمام المرأة السودانية لممارسة ذلك النوع من الرياضة قبل أربعة أعوام، كانت هناك عشر نساء كل حلمهن خوض بطولات عالمية.
وتقول أماني عمر لـ"العربي الجديد"، إن كل طموحها خوض مباريات عالمية وتحقيق انتصارات لبلادها، وأكدت حماستها لممارسة تلك الرياضة وذكرت أنها ظلت تبحث لفترات طويلة على الإنترنت عن فتيات يمارسن الملاكمة إلى أن وصلت للمجموعة التي تتدرب معها الآن وذلك قبل عام ونصف".
وأكدت أن أهم الصعوبات التي واجهتها الرفض المجتمعي للفكرة ومحاولات التخويف منها، ورأت أن هناك نساء كثيرات يرغبن في ممارسة الملاكمة لكن الخوف من النظرة المجتمعية يمنعهن، وأكدت أنهن كملاكمات وجدن دعماً معنوياً من سكرتير الاتحاد العام للملاكمة، وأشارت لفتح أبواب بعض الأندية لاستضافتهن في التدريبات.
وتخرجت أماني التي تشتهر بـ"ايمي" من كلية علوم الطيران، لكنها وضعت شهادتها الجامعية على جنب لممارسة هوايتها رغم العراقيل المجتمعية.
وأشار إلى أهمية أن لا تخشى النساء من ولوج ذلك النوع من الرياضة والنظر لها كنوع من الرياضات العنفية التي يحتكرها الرجال، وأضاف: "بالعكس هي رياضة جميلة وتعلم الصبر والاحتمال وتسهم في صقل شخصية الملاكم بشكل إيجابي".
وظهر تباين في الأوساط السودانية بين مؤيد ورافض لفكرة ممارسة المرأة لرياضة الملاكمة، إذ رأى البعض أنها تنتقص من أنوثتها كما تخالف التعاليم الإسلامية والعادات السودانية، حتى إن البعض يعتبر ممارستها في بلد محافظ كالسودان جريمة.
بينما يرى آخرون أن ممارسة أي نوع من الرياضة حق مكفول للنساء دون قيود، وأن المرأة أكثر احتمالا من الرجل، كما أن الرياضة لن تؤثر في أنوثتها بل ستساعد في الحفاظ على لياقتها.
ويقول محمد "32 عاما": "يستحيل أن أسمح لأختي أو زوجتي أو ابنتي بممارسة ذاك النوع من الرياضات، فالعادات والتقاليد لا تسمح بذلك" ويضيف: "احنا ناس متدينين وأعتقد أن من ستمارس الملاكمة ستلاحقها الوصمة الاجتماعية وستكون منبوذة".
أما عبد الله "40 عاما"، فيرى أن من حق المرأة أن تمارس الملاكمة، ويعتقد أنها ستنجح مقارنة بالرجل لقدرتها على الاحتمال والصبر، ويشير إلى أهمية أن تلج النساء كافة المجالات التي يحتكرها الرجال بحجج مجتمعية واهية، وأن لا يركنَّ لمحاولات التخويف للحد من قدراتهنّ.