بعد 12 سنة على ميلاده على يد صديق العاهل المغربي ومستشاره الحالي فؤاد عالي الهمة، يسعى حزب "الأصالة والمعاصرة" المعروف اختصاراً بـ"بام"، في ظلّ قيادته الجديدة، إلى القطع مع "خطيئة الولادة في أحضان السلطة"، وتدبير مجريات ولادة ثانية للحزب، قد تؤسس لدور أساسي محتمل له في المشهد السياسي للبلاد، في أفق الانتخابات النيابية المقررة عام 2021. وبعدما عانى طويلاً من تهم "السلطوية" و"التحكم" و"الخطر" الذي يهدد الديمقراطية المغربية، تبدو القيادة الحالية لـ"الأصالة والمعاصرة" مصرّة على صياغة هوية جديدة للحزب بخلخلة معادلات قام عليها في سياق نشأته الأولى، من خلال إحداث تغييرات تتعلق بالأساس بعلاقاته مع محيطه، وتكفل له في النهاية "التطبيع" مع المشهد السياسي.
وهبي: "بام" يملك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها في الماضي
ووجد الأمين العام لـ"الأصالة والمعاصرة"، عبد اللطيف وهبي، في الذكرى الـ12 لتأسيس الحزب التي حلت أول من أمس السبت، الفرصة ليواصل رسم معالم سياسته الجديدة القائمة على تخليص الحزب من لعنة الولادة الأولى، وشرعنة وجوده في الساحة السياسية والتطبيع مع محيطه. وفي هذا السياق، كان لافتاً اعتبار وهبي، في نداء وجهه السبت لأعضاء حزبه بمناسبة الذكرى الـ12 لتأسيسه، أنّ "بام"، "يملك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها في الماضي، في حال وجدت"، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر "يعدّ خلقاً اجتماعياً وسياسيا من شيم الأقوياء". وقال إنّ هناك بعض الأطراف التي دفعت حزبه "للصراع المفتعل الدائم مع قوى أخرى، جاعلة من الحزب أداة خلقت لخوض حروب بالوكالة".
وبينما أقرّ وهبي بأنّ علاقة حزبه بباقي الأحزاب السياسية المغربية شابها الكثير من التوتر والتشنج، وبأنّ الاعتراف بالأخطاء "فضيلة لا يلتقط فلسفتها إلا الكبار"، شدد على أنّ الأصالة والمعاصرة "ليست لديه أي عقدة في تشخيص طبيعة تلك العلاقات، وإعادة قراءة وقائعها، واستقراء التجربة بسلبياتها وإيجابياتها، وأخذ الخلاصات منها".
وأكد الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة" أنّ حزبه شرع في "تدقيق بعض المفاهيم وتصحيح بعض المغالطات في علاقاتنا مع جميع الأحزاب، وأعلنا للجميع أننا حزب وطني ديمقراطي مستقل يدافع عن القضايا العادلة ويناصر طموحات الشعب المغربي في العيش الكريم"، لافتاً إلى أنّه يسعى حالياً "للاحترام المتبادل مع جميع الفرقاء السياسيين، والاختلاف الراقي معهم حول التصورات والبرامج بشكل واضح وعلني، ولن نسمح بعد اليوم بإقحام الحزب برمته في الاختلافات الشخصية أو الصراعات الذاتية".
ولم يفوّت وهبي الفرصة لبعث رسائل طمأنة إلى باقي مكونات المشهد الحزبي، مؤكداً أنّ "بام"، "ليس فوق الأحزاب ولا تحتها، وهو مثل باقي نظرائه في الساحة السياسية المغربية؛ حزب سياسي محترم يقوم بدوره الدستوري والقانوني في تأطير المواطنين، فلسنا الدولة التي تحاكم الأحزاب وتراقب مدى قانونيتها كما يتوهم البعض، ولسنا محاكم تفتيش في النوايا وبمدى ارتباط الأحزاب بالتنظيمات السرية والعلنية الداخلية والخارجية". وأشار وهبي إلى أنّ "بام"، "لن يحل محلّ الدولة في توزيع الشرعيات القانونية على باقي الأحزاب، نحن حزب وطني له شرعيته القانونية والشعبية التي منحها له الدستور والمواطنات والمواطنين، حزب يسعى لتعزيز هذه الشرعية خلال مختلف الاستحقاقات المقبلة، وبكل الوسائل القانونية النزيهة والحرة والمشروعة".
وواصل وهبي رسم معالم علاقات حزبه بباقي الفرقاء السياسيين بالقول إنّ "الأصالة والمعاصرة" حزب "بمرجعية حداثية واضحة تحاور الجميع وتحترم الجميع، لنا علاقات احترام وحوار مع جميع الأحزاب، لا تحالف لدينا اليوم، لنا تنسيق واضح مع أحزاب المعارضة احتراماً لمكانتنا وللشعب المغربي وللدستور".
وولد حزب "الأصالة والمعاصرة" عام 2008 وفي فمه ملعقة من ذهب، واستطاع خلال سنة واحدة أن يحقق مكاسب سياسية هائلة لم يتمكن أي حزب سياسي مغربي آخر من تحقيقها ربما طيلة مساره. لكن مع مرور السنوات، وانسحاب مؤسسه وعرابه، فؤاد عالي الهمة، المستشار الحالي للعاهل المغربي، وجد الحزب نفسه في مواجهة الانكسارات الانتخابية في صراعه مع الإسلاميين في محطتي 2011 و2016، كما وجد نفسه في أكثر من مرة في صراع مع عدد من الأحزاب السياسية، ومن أبرزها "الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية"، فضلاً عن "العدالة والتنمية".
ومنذ اللحظات الأولى لانتخابه على رأس الحزب في 9 فبراير/شباط الماضي، حرص وهبي على توجيه رسائل طمأنة لمكونات المشهد الحزبي، إذ أعلن إطلاق ما سماه "خط المصالحة مع الذات ومع المحيط"، وجعل الحزب "عادياً مثله مثل جميع الأحزاب بعيداً عن الخطوط الحمراء والخضراء والزرقاء والبيضاء".
شقير: نجاح وهبي في مهمة التطبيع مع المشهد الحزبي المغربي مرهون بمدى قدرته على تقوية موقعه داخل الحزب
وفي الوقت الذي أعلن فيه وهبي، في خطاب انتخابه، عبور حزبه إلى مرحلة جديدة أساسها الانفتاح على جميع القوى السياسية، والحديث عن إمكانية فتح صفحة جديدة في علاقته مع غريمه السياسي حزب "العدالة والتنمية"، فتحت اللقاءات التي جمعته، في يوليو/ تموز الماضي، مع قيادات "الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية" و"العدالة والتنمية"، المجال واسعاً لحدوث تغييرات في علاقات الحزب مع محيطه في اتجاه "التطبيع" مع المشهد السياسي.
وبرأي أستاذ العلوم السياسية، محمد شقير، فإنّ وهبي منذ توليه الأمانة العامة لـ"بام"، "حاول أن يطوي صفحة الخلاف مع الأحزاب الأخرى وتطبيع علاقاته معها والتخلص من خطيئة الولادة، من خلال لقاءاته مع مختلف قيادات الأحزاب الكبرى، كإشارة للتطبيع معها والعمل على محو تلك الصورة التي رافقت ظهوره كوافد جديد على المشهد السياسي". واعتبر شقير في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "وهبي ذهب بعيداً في هذا التطبيع من خلال لقائه بالأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني، وهو الأمر الذي لم يستسغه بعض الأعضاء في كلا الحزبين، إذ ما زال هناك من يعتبر أن التعامل مع الحزب الآخر خط أحمر".
ورأى شقير أنّ "نجاح وهبي في مهمة التطبيع مع المشهد الحزبي المغربي مرهون بمدى قدرته على تقوية موقعه داخل الحزب، وشلّ معارضة أنصار الأمين العام السابق، عبد الحكيم بنشماش، وباقي منافسيه داخل الحزب، بالإضافة إلى القبول بهذا التوجه من طرف معارضيه داخل الأحزاب الأخرى ولا سيما حزب العدالة والتنمية".
في المقابل، رأت الباحثة في العلوم السياسية، شريفة لموير، أنّ "الأمين العام لثاني أكبر قوة انتخابية، يقدم صكوك الغفران للمنظومة الحزبية بدون رهان سياسي"، لافتةً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ ذلك "راجع لإدراكه، أكثر من غيره، أنه غير قادر في ظرف سنة واحدة على تكوين تكتل كبير قادر على منافسة حزب العدالة التنمية، وهو الباحث عن مشروعية التواجد في المشهد الحزبي، في وقت يعيش فيه الحزب أشكالاً من التخبط التي قد تؤدي إلى هجرة جماعية لأدواته الانتخابية".