3 أدوار اقتصادية جديدة للجيش المصري

03 اغسطس 2016
السيسي متوسطاً إبراهيم محلب وسامح شكري (الأناضول)
+ الخط -
في خطابه المقتضب، يوم الاثنين، أمام الشباب المنتسبين في ما يُسمّى "البرنامج الرئاسي لإعداد القادة الجدد"، تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن "تدخّل قوي للجيش لوقف تدهور الاقتصاد المصري وزيادة الأسعار"، وذلك بعد دقائق من تعهّدات وردية بوقف تدهور سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، وتهديد المواطنين الذين يحتفظون بالدولار بأنهم سيتعرضون للخسارة المالية.


في هذا السياق، تكشف مصادر حكومية مطّلعة لـ"العربي الجديد"، أنه "في ظلّ عجز الحكومة فعلياً عن مواجهة أزمة الدولار، وتأثيرها المتفاقم على قدرة وزارتي التجارة والتموين على استيراد السلع والخامات الأساسية اللازمة لسدّ احتياجات المواطنين في صورة مواد تموينية، فإن السيسي عهد إلى الجيش بثلاثة أدوار رئيسية، بدأ ممارستها في سرية تامة، بعد أيام قليلة من لقاء وزير الدفاع والقائد العام للجيش صدقي صبحي مع نواب بالبرلمان".

الدور الأول للجيش، وفقاً لخطة السيسي العاجلة "لإنقاذ الاقتصاد"، يكمن في إجراء عمليات استيراد أي كميات من السلع الأساسية التي تشتريها الحكومة بالدولار الأميركي من المصدّرين الأجانب، وذلك للاستفادة من احتياطي النقد الأجنبي الموجود لدى الجيش، كجزء من اقتصاده الخاص الذي لا تمسّه الدولة، ولا يستطيع البرلمان أو أي جهة أخرى مراقبته، للدرجة التي يعجز فيها المراقبون عن تحديد مدى إسهامه في الاقتصاد الإجمالي لمصر.

وتستورد الحكومة المصرية من خلال أجهزتها المختلفة بضائع وخامات أساسية كثيرة وحيوية، مثل البوتاغاز والبنزين والزيوت بأنواعها والقمح والأرز، بالإضافة إلى سلع أخرى لن يتمكن الجيش من التدخل لاستيرادها، لأنها تدخل مصر عبر اتفاقيات موقّعة سلفاً بين شركات حكومية بقطاعات حيوية أخرى والدول المصدرة.

ويهدف السيسي من هذا الدور إلى تقليل العبء عن ميزانية الحكومة، استعداداً لتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي لإتمام إجراءات اقتراض 12 مليار دولار من الصندوق خلال 3 سنوات. بالتالي سيكون الجيش، الذي يتمتع بموازنة مستقلة معظم بنودها لا تدرج في موازنة الدولة، هو القناة السرية لاستيراد سلع وخدمات تكلف الحكومة أموالاً طائلة. ويؤدي هذا الدور إلى توفير جزء من النقد الأجنبي المُدار بواسطة الحكومة، بالإضافة إلى توفير جزء من الموازنة الإجمالية تنفيذاً لشروط الصندوق.





أما الدور الثاني، فيتولى الجيش بموجبه، بصورة غير مباشرة، جمع أكبر قدر من العملات الأجنبية الموجودة في السوق السوداء، وذلك من خلال الأذرع السرية له وشركات المقاولات التي تعمل لحساب الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تحديداً. وهي شركات تملك بعضها من الباطن، عائلات ضباط كبار حاليين أو سابقين بالجيش، وتمثل قسماً كبيراً من اقتصاد الجيش.

في هذا الإطار، تفيد المصادر بأن "هذه الشركات معروفة في أوساط السوق السوداء للعملات الأجنبية، نظراً لتعاملاتها الواسعة بالدولار تحديداً، وقد قامت بعمليات سحب واسعة للدولار من البنوك الاستثمارية الأجنبية والمصرية، وكذلك السوق السوداء خلال الأيام الثلاثة الماضية، التي شهدت انخفاضاً طفيفاً في سعر الدولار في السوق السوداء، وذلك بظلّ شائعات عن خفضه 3 جنيهات وأكثر، قبل أن يبلغ مرة أخرى أكثر من 12 جنيهاً".

ولا توجد طريقة لمعرفة كمية العملات الأجنبية التي سحبتها هذه الشركات، لكن الأكيد، بحسب المصادر التي يعمل بعضها بوزارة المالية، أن الشركات سلمتها مقابل استفادات مالية محدودة للجيش وجهات سيادية أخرى، وذلك استعداداً للدور الأول الذي سيمارسه الجيش، الأمر الذي يتطلب توفير رصيد كبير من الدولار، بمعزل عن المضاربات وأيدي الحكومة.

ولا تقتصر أهداف هذه العملية على خدمة الدور الأول، بل تهدف أيضاً إلى تعطيش السوق السوداء، وإرباك المضاربين وشركات الصرافة، وذلك استعداداً لإجراءات رفع سعر الدولار الرسمي تنفيذاً لمؤشرات شروط صندوق النقد الدولي. في هذا الصدد، تحدثت بعض المصادر عن "وجوب رفع سعر الدولار الرسمي إلى ما بين 11 و12 جنيهاً، كبداية لعملية تعويم مدار للجنيه".

أما الدور الثالث الذي أسنده السيسي للجيش، فبعيد نسبياً عن أزمة الدولار، ويتمثل في إشراكه في إدارة واستغلال أراضي الأوقاف، ليس فقط كمدير أو موزع للأراضي، بل أيضاً كمستثمر فيها بالمشاركة مع مستثمرين عرب وأجانب.

ووفقاً للمعلومات، فإن عجز هيئة الأوقاف والشركة القابضة التابعة لها (المجموعة الوطنية لاستثمارات الأوقاف المحمودية سابقاً) عن تحقيق أرباح وفيرة للحكومة من ريع استثمار أراضي الأوقاف وعقاراتها، دفع رئيس الوزراء السابق، إبراهيم محلب، لاقتراح تدخل الجيش في هذا الملف من خلال الهيئة الهندسية والشركات الخاصة به، لإزالة جميع التعديات القائمة على أراضي وعقارات الأوقاف، مقابل الحصول على جزء منها لإدارته واستغلاله بالتوازي مع هيئة الأوقاف. وتراهن الحكومة على الجيش لتنفيذ هذه الخطة لزيادة موارد الدولة من أراضيها، من خلال طرحها للبيع المباشر أو المشاركة مع مستثمرين، لإنشاء مشروعات سكنية وترفيهية كبرى.

وتشير المصادر إلى أن "ما يدعم سيناريو استفادة الجيش من أراضي الأوقاف، هو أن معظم الأراضي التي اشتكت هيئة الأوقاف من التعدي عليها، خصوصاً في محافظات الصعيد والوجه البحري، تقع متاخمة لحدود الأراضي التي منحها السيسي للجيش، وفقاً لقراره بشأن الأراضي المحيطة بالطرق الصحراوية السريعة، وبعمق كيلومترين على جانبيها".

وكان السيسي قد أصدر قراراً جمهورياً مطلع شهر يوليو/ تموز الماضي، بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء السابق، مساعد الرئيس للمشروعات القومية والاستراتيجية، إبراهيم محلب، لحصر أملاك هيئة الأوقاف المصرية من المباني والأراضي والمشروعات والمساهمات القائمة في شركات.

وتضم اللجنة كلاً من وزير الأوقاف، وممثل لوزارة الإسكان، وممثل لوزارة الاستثمار، ورئيس هيئة الأوقاف المصرية، ورئيس مجلس إدارة المجموعة الوطنية لاستثمارات الأوقاف، وممثل للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وممثل لهيئة الرقابة الإدارية. وتختص اللجنة، وفقاً للقرار، بتقييم عوائد الاستثمارات واتخاذ اللازم لتعظيم أملاك هيئة الأوقاف، وحصر أراضي وأملاك الهيئة المستولى عليها واتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية لاستردادها، ودراسة إمكانية استغلال مقومات الهيئة لدعم الاقتصاد القومي، بالإضافة إلى إخطار جهات التحقيق بالجرائم التي تشكل عدواناً على المال العام وباقي الجهات الحكومية لتحصيل مستحقاتها.