جاءت الذكرى الثالثة لولادة "المجلس الانتقالي الجنوبي"، في الرابع من مايو/أيار 2017، بالتزامن مع دخول قرار "الإدارة الذاتية" التي أعلنها المجلس جنوبي اليمن أسبوعها الثاني، فيما أظهر الأسبوع الأول من تطبيقها أنها لم تكن سوى قفزة في المجهول، وأن الانفصاليين أتباع الإمارات يعانون أكثر من أي وقت مضى. وتشهد مدينة عدن غلياناً شعبياً ضد أتباع أبوظبي في "المجلس الانتقالي"، وتجددت الاحتجاجات المنددة بانعدام الخدمات الأساسية وتفشي الأوبئة. وعلى الرغم من القمع الذي تنفذه قوات "الانتقالي" بناء على حالة الطوارئ العامة، واتهام المحتجين بأنهم "عملاء"، واختطاف أحدهم، إلا أن الإطارات المشتعلة لا تزال وسيلة الاحتجاج السلمية لسكان عدن ضد المجلس. وبات قطع الشوارع الرئيسية هو أقصى ما يفعله أهالي مدينة عدن المنكوبة أصلاً جراء الفيضانات التي ضربتها قبل أسبوعين، وقال سكان لـ"العربي الجديد" إنهم لن يتوقفوا عن إيصال رسائلهم بتلك الإطارات المشتعلة، والتذكير بأن الظلام والأوبئة والبعوض قد اجتاحت المدينة ولا أحد يلتفت لهم. وباتت عدن هي بؤرة تفشي كورونا، إذ سجلت في وقت قصير 7 حالات إصابة مؤكدة، فضلاً عن حالتي وفاة، إلا أن الوفيات التي يتم تقييدها على ذمة "الحُميات" (أمراض فيروسية)، قد وصلت إلى 50 حالة وفاة، وفقاً لإحصائيات صحية رسمية.
وعجز "الانتقالي" حتى الآن عن التصدي للأزمات المعيشية التي تشهدها عدن، وعلى الرغم من "غياب الحكومة المتعمّد" عن القيام بدورها في ملامسة هموم الناس وانتشال المدينة من وضعها المأساوي، كان في صدارة المبررات التي اتخذها المجلس ذريعة لإعلان "الإدارة الذاتية"، إلا أنه بدأ هو الآخر بالتملّص من المسؤولية.
وإذ ادعى أن الحكومة عرقلت تنفيذ "اتفاق الرياض"، الموقّع مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وغابت بشكل "متعمّد عن القيام بأي دور يلامس هموم الناس واحتياجاتهم وينتشل المدينة من وضعها المأساوي"، قال إن ذلك دفع المجلس "إلى المبادرة لتولي دفة المسؤولية مباشرة بما يساهم في تخفيف حدة المعاناة عن أبناء شعب الجنوب، وذلك من خلال اتخاذ قرار الإدارة الذاتية للجنوب". وشدد على مضي المجلس في مشروع "استقلال وبناء الجنوب وطناً كامل السيادة"، وأن "فرض الواقع المغاير يسير بخطى واثقة ومدروسة".
وفي محاولة لنفي وجود أي توتر مع التحالف بقيادة السعودية، أكد الزبيدي "على شراكتنا الاستراتيجية مع دول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، ولا شك أننا بتنا جميعاً في خندقٍ واحدٍ نحمل أهدافاً نبيلة ومشتركة في حماية الأمن القومي للمنطقة، والقضاء على خطر الإرهاب والتطرف فيها"، مضيفاً: "بدأنا في مكافحة الإرهاب منذ اللحظة الأولى بعد التحرير بإشراف مباشر من دولة الإمارات في إطار التحالف".
وخلافاً للملف الصحي الذي يريد المجلس التخلص منه وخصوصاً بعد إغلاق كافة المستشفيات الخاصة أبوابها أمام المرضى خشية من كورونا، عجز "الانتقالي" أيضاً في ملف الخدمات ومعالجة المستنقعات الراكدة التي ما زالت تحاصر الأحياء السكنية منذ الفيضانات، وهو ما تسبّب باختلاط تلك المستنقعات بمياه الصرف الصحي والنفايات. وحسب سكان في مديرية التواهي، وهي المعقل الرئيسي لـ"الانتقالي" وقادة الصف الأول فيه، فإن مستنقعات المياه منذ 10 أيام لم يتم شفطها وهو ما تسبّب بتحولها إلى اللون الأخضر، وباتت مصدراً رئيسياً لتفشي البعوض الناقل للملاريا والأمراض القاتلة. وتكفلت الحكومة اليمنية، بصرف مليار ريال يمني (نحو 4 ملايين دولار) لمأموري مديريات عدن من أجل رفع مخلفات الفيضانات، واكتفى "الانتقالي" بتوجيه مذكرات رسمية لمسؤولي السلطات المحلية يسألهم عن مصير 50 مليون ريال (نحو 200 ألف دولار) تقاضوها من الشرعية.
ومع استمرار انقطاع التيار الكهربائي بواقع ساعتين عقب كل 3 ساعات تغذية كما كان الأمر قبل "الإدارة الذاتية"، وجّه "الانتقالي" بتشكيل لجنة للتوجّه إلى إدارة التحكّم في محطة الكهرباء، للتأكد من الطاقة الاحتياطية المتاحة لديها، وخصوصاً بعد اتهامات للشرعية بأنها تحارب عدن بالخدمات.
ونظراً لاقتصار دور "الإدارة الذاتية" على طباعة المذكرات وتوجيه الرسائل لمكاتب تنفيذية عاجزة، لجأت بعض مديريات عدن إلى شبابها من أجل تنفيذ حملات تطوعية للنظافة ورش المبيدات، وذلك جراء غياب أي جهود حقيقية لـ"الانتقالي" أو للحكومة. وقال ناشطون في مدينة كريتر، إن نزول الشباب لتنظيف أحيائهم السكنية جاء عقب اقتناعهم بأن عدن باتت ضحية للمزايدات السياسية فقط، لافتين إلى أن "الانتقالي" والشرعية والبعوض شركاء في قتل سكان المدينة.