تستكمل دول الخليج العربي، 33 عاماً من مسيرة مجلس التعاون الخليجي، الذي انطلق من أبو ظبي يوم الـ 25 من مايو/ أيار عام 1981. ووجهت الأمانة العامة لدول المجلس الدعوات إلى حفل إحياء الذكرى، اليوم الإثنين، في مقرها بالرياض.
ولعل هذه من المناسبات النادرة التي يكون فيها تعبير المرحلة الدقيقة والمفصلية ذا دلالة بالغة، إذ تعصف أزمتان كبيرتان بالبيت الخليجي. أولاهما صاخبة، وهي سحب السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر. والثانية صامتة، وهي الموقف المضطرب من مشروع الاتحاد الخليجي، اذ هددت سلطنة عمان علناً على لسان وزير الشؤون الخارجية، يوسف بن علوي، بالانسحاب من مجلس التعاون إذا أعلن الاتحاد. والإمارات والكويت متحفظتان، فيما السعودية صاحبة الفكرة والبحرين متحمستان. ويُضاف إليهما، قطر، التي رحبت بفكرة الاتحاد.
وإذا ما جرى تجاوز البروتوكولات الخليجية التقليدية التي تتحدث عن مسيرة العمل المشترك وإنجازات المجلس؛ يتضح أن مجلس التعاون يمر بأكثر من امتحان داخلي وخارجي لمتانته وقدرته على عبور سنوات التغيير، التي اجتثت أنظمة عربية قريبة وبعيدة.
لجنة سعودية إماراتية مشتركة
في العشرين من مايو/ أيار الحالي ونتيجة زيارة لوفد سعودي رفيع إلى الإمارات، أعلن البلدان الاتفاق على إنشاء لجنة عليا مشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين. وكان لافتاً مستوى التمثيل السعودي ونوعيته ومستوى التمثيل الإماراتي أيضاً. فقد تكوّن الوفد السعودي من وزير الخارجية سعود الفيصل يرافقه وزير الداخلية محمد بن نايف، ووزير الدولة مساعد العيبان، الذي يعدّ حامل الرسائل السعودية الملكية. والتقى الوفد ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، بحضور نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية سيف بن زايد، ووزير الخارجية عبدالله بن زايد.
وتأتي هذه اللجنة وفق الأخبار الرسمية عنها "لتنفيذ الرؤية الاستراتيجية لقيادتي البلدين، ومواجهة التحديات في إطار كيان قويّ متماسك". وهو الأمر الذي يطرح أسئلة جوهرية حول سلامة البيت الخليجي من التصدعات. فهذه اللجنة الثنائية تعمل لإيجاد "كيان قوي"، وهو التعبير الذي استخدم في الدعوة السعودية إلى فكرة الاتحاد الخليجي (كيان واحد)، فضلاً عن أنها تأتي في ظرف الانقسام الخليجي حيال ملفات داخلية وخارجية. كما أن بيان تأسيس اللجنة يقول إنها تدعم "مسيرة العمل الخليجي المشترك". ولا يبدو أن انفراد دولتين بمثل هذا الاتفاق سيدعم فكرة الاتحاد، ما يثير استفهامات جدية حول مستقبل التعاون الخليجي.
والحال أن لجنة استراتيجية بهذه الأهداف، يتعذر حصر عملها في شؤون ثنائية، إذ إن التنسيق في السياسة الخارجية للبلدين بدا متناغماً خلال العام الماضي فحسب. ففي حين يرى البلدان أنهما يدعمان الاستقرار في المنطقة ويحاربان "إرهاب الجماعات الإسلامية"، تتهم قوى عربية السعودية والإمارات بقيادة ثورة مضادة. وتستشهد بموقف البلدين من انقلاب 3 يوليو/تموز في مصر، إذ سارع البلدان إلى الاعتراف بالانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي، وضخ أموال كبيرة في خزينة الدولة المصرية، دعماً للقيادة العسكرية بزعامة عبدالفتاح السيسي. كما صنفا جماعة "الإخوان المسلمين" جماعة "إرهابية" وطالبا الدول الأخرى بالسير على المنوال نفسه. وليس بعيداً عن ذلك ما يتردد عن دعم إماراتي لما يوصف بـ"عملية الكرامة" التي يقودها اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، في ليبيا ضد المؤتمر الوطني العام والقوى المؤيدة له.
إلا أن أبرز النقاط التي يثيرها هذا الاتفاق السعودي الإماراتي الأخير، هي مدى قدرة البلدين فعلياً على تجاوز ملفات عالقة بينهما. فالخلافات الحدودية لا تزال تطل برأسها بين حين وآخر، وآخرها كان في العام 2009، فيما عرف بأزمة بطاقات الهوية. ولم تعترف السعودية ببطاقات هوية إماراتية رسمت عليها خارطة رأتها مخالفة للاتفاقية الحدودية. ويضاف إلى ذلك خلافات على حقول نفط حدودية. فقد انسحبت الإمارات من اتفاقية الوحدة النقدية الخليجية بسبب إصرار السعودية على أن تكون الرياض مقراً للبنك المركزي الخليجي.
ودعت هذه الملفات متابعين للشأن الخليجي إلى التساؤل عن تأثير الاتفاق في السياسة الخارجية على الملفات الخلافية بين البلدين، وهل ستكون هذه اللجنة نواة حقيقية لتعاون مستمر، أم أنها مثل كثير من اللجان والمشروعات الخليجية ستبقى وليدة رد الفعل لا أكثر؟
أزمة سحب السفراء تراوح مكانها
وانشغلت دول الخليج في الأشهر الثلاثة الأخيرة بترميم علاقاتها البينية، فقد أحدث سحب السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر مطلع مارس/ آذار الماضي صدعاً لم تزل تحاول رأبه.
وصار حديث الخليج مقتصراً على وثيقة الرياض وآليتها التنفيذية، وهي وثيقة وقّعها قادة الخليج في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2013. وأبرز بنودها المعلنة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس وعدم دعم الإعلام المعادي، لكن الوثيقة نفسها ظلت سرّية وغامضة، حتى أن بيانات وزراء الخارجية في الاجتماعين الأخيرين ظلت مقتصرة على كلمات الارتياح وتشجيع لجنة المتابعة لتنفيذ وثيقة الرياض على "مواصلة عملها". وهو عمل تؤكد أوساط دبلوماسية خليجية أنها لا تعرف مضامينه وتفاصيل بنوده.
وسط هذه الأجواء صار مرجحاً أن القمة الخليجية التشاورية قد أجلت أو ألغيت. فهذه القمة السنوية المنتظمة في شهر مايو/أيار حان موعدها منذ أيام، ولم توجه السعودية دعوات إلى حضورها حتى الآن، ما يؤكد أن الأزمة بين الدول الثلاث وقطر ألقت بظلالها على لقاء قادة الخليج. فعلى الرغم من التفاؤل بلجنة المتابعة والارتياح لسير عملها، إلا أن غايتها رجوع السفراء، وهو أمر لم يحن وقته بعد.
إيران الجار المقلق
ولا تنفك إيران عن توفير أسباب جديدة للتوجس الخليجي، فما أن انقضت حرب السعودية على حدودها الجنوبية مع الحوثيين (استمرت من أواخر عام 2009 حتى مطلع 2010) الذين تتهمهم السعودية بتلقّي دعم إيراني، حتى حل العام 2011 وصار مسؤولون إيرانيون ينتقدون تعامل السلطات في البحرين مع الاحتجاجات الشعبية وتدخل قوات درع الجزيرة المكونة في معظمها من جنود سعوديين.
وفي العام 2012 هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز، وهو ممر الطاقة العالمي وشريان الخليج لتصدير النفط. كما برز في العام 2013 تدخل إيران بشكل مباشر لقمع الثورة السورية مع حليفها حزب الله اللبناني، وكلها مواقف تجعل إيران وملفها النووي في الأولويات الخليجية.
وأثارت الدعوة التي وجهتها السعودية لإيران من أجل لقاء قريب على مستوى وزيري الخارجية، اسئلة حول إمكانية رأب الصدع في العلاقة المتوترة بين البلدين، وجرى النظر لتصريحات وزير الخارجية السعودي، عن أن المملكة مستعدة للتفاوض مع إيران بحذر شديد، على ضوء أن دعوات الحوار السابقة كانت تأتي مشروطة بمطالبة طهران الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. وتسبب انقطاع الاتصالات والزيارات بين البلدين في استعار الطائفية، وانعكس ذلك بشكل محموم في كل من العراق وسورية ولبنان.
الخليج والربيع العربي
راقبت دول الخليج على مدار السنوات الثلاث الماضية أنظمة عربية مستقرة تنهار سريعاً أمام ضربات ثورات شعبية جارفة، واستمعت أنظمتها بتوجس إلى هدير الهتافات في الشوارع العربية. فكان أن جعلت من ذراعها السياسية (المجلس الوزاري الخليجي المكون من وزراء الخارجية) أداتها في التعامل مع الأحداث العربية، إذ توالت في عامي 2011 و2012 اجتماعات وزراء الخارجية في الرياض لمعالجة الملف اليمني والبحريني والليبي والسوري.
وهذه الدول الست، رغم تباين مواقفها السياسية من كل ثورة، توصلت إلى تفاهمات مشتركة، فهي ارتبكت في التعامل مع الثورة المصرية، لكنها تماسكت إزاء الثورة اليمنية وقدمت مبادرة كانت نتيجتها إزاحة علي عبدالله صالح عن الحكم.
كذلك أعلنت من الرياض عدم شرعية النظام الليبي. وذهب وزراء خارجية الخليج بموقف موحد إلى الجامعة العربية في القاهرة ومنها إلى نيويورك لاستصدار قرار أممي يفرض حماية الشعب الليبي من بطش القذافي، وصولاً إلى إزاحته عن الحكم هو الآخر.
وتوافقت دول الخليج أيضاً على إرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين حين اندلعت فيها احتجاجات واسعة النطاق. وفي الشأن السوري سحبت مجتمعة سفراءها من دمشق، وأعلنت طرد سفراء النظام السوري واعترفت بالمجلس الوطني السوري ثم بالائتلاف بعده، وتعاملت معه بوصفه ممثلاً للشعب السوري.
ومن داخل المجلس، عالجت دول الخليج أزمتي البحرين وعمان الاقتصاديتين بمنحة ضخمة بلغت عشرة مليارات دولار لكل منهما، الأمر الذي رفد خزينة البلدين وساعدهما على تجاوز أزمة اقتصادية عصفت بكل منهما في العام 2011.
ومن اللافت أن البيانات الخليجية في تلك المرحلة تضمنت بنوداً مهمة حول توسيع المشاركة الشعبية، والإنصات لطموحات الشباب والمسارعة في تنفيذ القرارات الاقتصادية المعطلة، غير أنه اتضح أن هذه البيانات كانت ردة فعل على الهتافات في الشوارع العربية سرعان ما غابت في زحمة الملفات المستجدة.