قالت مؤسسات بحثية وخبراء اقتصاد، إن إسرائيل تنهب سنوياً ما قيمته 6 مليارات دولار على الأقل من الموارد الطبيعية في الضفة الغربية، تتمثل في ثروات النفط والغاز والرخام، والمعادن النادرة في البحر الميت، فضلاً عن الزراعة والنشاط السياحي.
وتأتي هذه التقديرات، فيما كانت دراسة للبنك الدولي صادرة في أكتوبر/تشرين الأول 2013،
أشارت إلى أن "الاقتصاد الفلسطيني خسر نحو 75 مليار دولار على مدار 22 عاماً، جراء منع الفلسطينيين من استغلال المناطق المعروفة باسم (ج)".
وبعد اتفاق أوسلو عام 1993، ما بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، جرى تقسيم أراضي الضفة الغربية إلى مناطق (أ) تشكل 18% من مساحتها، وتخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، ومناطق (ب) تشكل مساحتها 20% تتقاسم إسرائيل والسلطة السيطرة عليها، على أن تكون المساحة الأكبر 60% مناطق (ج) بقيت حتى اليوم تخضع للسيطرة الأمنية والمدنية للاحتلال الإسرائيلي. ويعيش في مناطق (ج) 400 ألف مستوطن إسرائيلي مقابل 150 ألف فلسطيني ممنوعين من البناء أو الاستثمار.
ورأى الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن "الاعتبارات الاقتصادية كانت حاضرة في ذهن المفاوض الإسرائيلي عندما تم الاتفاق على تصنيف الأراضي المحتلة في أوسلو".
وتنص اتفاقية أوسلو على أن تنتقل المنطقة (ج) تدريجياً إلى سيطرة السلطة الفلسطينية بحلول عام 1998، لكن هذا لم يحدث وتضاعف عدد المستوطنين منذ توقيع اتفاقية أوسلو من 110 آلاف الى 400 ألف.
ووفقاً لدراسة البنك الدولي، فإن ما تسيطر عليه إسرائيل من موارد سنوياً يشكل 46% من الناتج المحلي الفلسطيني، ويصل مجموع العائد على الاقتصاد الإسرائيلي من هذه السياسة إلى 75 مليار دولار على مدار 22 عاماً من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
وبلغ الناتج المحلي الحقيقي في الضفة الغربية وقطاع غزة العام الماضي 7.3 مليارات دولار، وفقاً لجهاز الإحصاء الفلسطيني.
غير أن شعوان جبارين، مدير مؤسسة "الحق" الفلسطينية (مؤسسة حقوقية مستقلة)، قدر ما يجنيه الاحتلال الإسرائيلي بما لا يقل عن 6 مليارات دولار سنوياً من السيطرة على مقدرات الفلسطينيين في الضفة، مشيراً إلى أن تقرير البنك الدولي أغفل حجم الدخل الإسرائيلي من السياحة وثروات النفط والغاز في الضفة.
وقدّرت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قبل عامين، أن خسائر الاقتصاد الفلسطيني سنوياً مع استمرار احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة 6 مليارات دولار سنوياً على الأقل.
وقال جبارين، إن استغلال الفلسطينيين ثروات الضفة "يجعلهم في وضع يستطيعون فيه تقديم مساعدات إلى دول محتاجة بدلاً من الاعتماد على المانحين الأجانب والعرب لسد عجز الموازنة". وبلغ العجز في الموازنة الفلسطينية لدى إقرارها بداية العام الماضي 1.3 مليار دولار، وسط توقعات ببلوغها 2 مليار دولار في 2015.
ورأى الدكتور سمير عبدالله، وزير التخطيط الفلسطيني الأسبق، ومدير عام معهد "ماس"
للأبحاث والسياسات الاقتصادية (غير حكومي)، أن الأبعاد الإسرائيلية من مشروع المستوطنات "مركبة تمتد من نهب الثروات الفلسطينية لزرع الاحباط في نفوس أصحاب الأرض الأصليين ودفع شبابهم إلى الهجرة، وصولاً إلى جلب المعونات من الجماعات الصهيونية في العالم".
وقال في حديثه مع "العربي الجديد"، إن الأبعاد الاقتصادية تتقاطع مع الأبعاد الاستعمارية، لافتاً إلى أن الحكومة الإسرائيلية نجحت في ربط شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي بالمستوطنات اقتصادياً، خاصة قطاع الإنشاءات والصناعة والزراعة.
وأضاف أن سطو المستوطنات على خزانات المياه الجوفية والسطحية في الضفة الغربية سدّ الطريق أمام تطور القطاعات الاقتصادية الفلسطينية من الزراعة إلى الصناعة وحتى السياحة.
وتابع: "يخسر أيضاً قطاع السياحة الفلسطيني مئات ملايين الدولارات سنوياً مع استمرار احتلال القدس الشرقية، وفيها الكثير من المقدسات الإسلامية والمسيحية".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2013، طرحت الحكومة الفلسطينية عطاءً دولياً للتنقيب عن النفط والغاز في الضفة الغربية، وأعادت طرح العطاء مرة أخرى في مارس/آذار الماضي، لكن العقبات الإسرائيلية حالت دون تقدم شركات التنقيب للعطاءين.
وتعتقد الحكومة الفلسطينية، أن إسرائيل تسحب 800 برميل من النفط يومياً من حقل يقع بالقرب من قرية رنتيس غربي رام الله بالضفة الغربية.
كما تُعد صناعة الحجر من أضخم الصناعات الفلسطينية، لكن الاحتلال الإسرائيلي يمنع الفلسطينيين من فتح محاجر جديدة في وقت يشجع فيه الشركات الإسرائيلية على القيام بذلك.
وسبق أن رفع المعهد الفلسطيني للأبحاث التطبيقية، دعوى أمام المحكمة العليا الإسرائيلية لمنع الشركات الإسرائيلية من الاستمرار في نهب ثروات الحجر من جبال الضفة.
وقال مدير المعهد الدكتور جاد إسحق، إن المحكمة "أقرت بالمشكلة، ولكنها قالت إن استغلال ثروات الحجر مستمر منذ عقود ولم يحتج عليه أحد، وبالتالي أصبح سلوكاً اعتيادياً ولا يمكن وقفه".
ويحظر القانون الدولي على الدولة القائمة بالاحتلال استغلال الموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة، إلا بما يُمكنها من إطعام جنودها فقط.
ويشير إسحق، إلى أن لديه تقديرات تفيد بأن الشركات الإسرائيلية تنهب ما قيمته 570 مليون دولار من الحجر والرخام سنوياً.
دراسة أخرى أعدتها مؤسسة "الحق"، أظهرت أن شركة "أهافا" الواقعة في مستوطنة "ميتزبي شالم" تنهب موارد البحر الميت الطبيعية.
ووفقاً لمدير المؤسسة، شعوان جبارين، تصل مبيعات الشركة إلى 25 دولة إلى نحو مليار دولار سنوياً. وتصدر الشركة منتجاتها موسومة بشعار "صنع في إسرائيل".
ويقول البنك الدولي، إن إسرائيل والأردن "يحصلان معاً على نحو 4.2 مليارات دولار من
المبيعات السنوية لمنتجات البحر الميت، وهو ما يمثل 6% من الإمدادات العالمية من البوتاس و73% من إنتاج العالم من البرومين".
يأتي هذا بينما يُحرم الفلسطينيون تماماً من هذه الثروات، علماً أن ثلث الشاطئ الغربي للبحر الميت يقع في الضفة الغربية المحتلة، وفق الخبراء.
ودفع تردي الأوضاع المعيشية، وارتفاع معدلات البطالة في صفوف خريجي الجامعات بالتزامن مع تقلص الاقتصاد الفلسطيني خلال العامين الأخيرين، بـ 30 ألف فلسطيني إلى العمل في المستوطنات الزراعية والصناعية، وفقاً لجهاز الإحصاء الفلسطيني.