أن يقف رئيس دولةٍ ليخطب في أمّةٍ عريقة التاريخ، سكّانها حوالي مائة مليون إنسان، ويحاول تبرير عجزه عن حل معضلة الاقتصاد المتدهور بالقسم أنّه لو يستطيع بيع نفسه لفعل من أجل صالح الأمة، فذلك منتهى التردي الفكري والأخلاقي.
لم تكن الفصائل المسلحة في الشّمال السوري "المحرّر" أقلّ شراسة وعنفاً من النّظام في تعاملها مع المدنيين الأحرار الذين يرفضون وجودها بطرقهم السّلمية التي حاربوا بها بشّار الأسد، والتي تعتمد على الكلمتين، المكتوبة والمنطوقة.
تعاني مدينة حلب من الفوضى الأمنية، مع أنّها عادت إلى "حضن النظام"، غير أن المليشيات المتعددة انتشرت في أحيائها بأسماء لها دلالة خاصة كالعادة، ومنها لواء الباقر، ولواء القدس، وكتائب البعث، والدفاع الوطني.
التاريخ حافل بالقصص التي قُتل أصحابها في سبيل حصولهم على رغيف خبز. لكنّ أحداً لم يتصوّر يوماً أن ينفذ الفكرة طاغية مجنون، ويترك دمهم على أرغفة الخبز عند الأفران
إذا كان هدف الصّحافي الشّهرة والربح، فإنّ أهداف السّياسي أكثر من ذلك بكثير، ففي غضون سبع سنوات، عادت الاحتلالات المباشرة إلى الظهور، فاليوم نرى سورية موزعة بين أربعة احتلالات مباشرة، عدا عن قواعد عسكرية لدول أخرى.
لم يكتفِ بشّار الأسد بأن يكون الشعب السوري عدوه؛ لأنّ الشعب الأعزل المسالم لن يعطي لحربه مصداقية، ولن يجعلها مشروعة، فأطلق سراح المجرمين العاديين والإرهابيين من السجون، كما فعل رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي.
في الوقت الذي يرى فيه العالم جرائم "داعش" المصوّرة بطريقة أفلام هوليوود، ويحتشد للحرب على الإرهاب، يعمي عينيه عن عودة المظاهرات السلمية في إدلب المطالبة بالحرية وإسقاط الأسد.
تهدف الإبادة الأكثر وحشية إلى محوِ الذاكرة المكانية بقتل الأفراد وتغيير معالم المدن. وهي السياسة التي اتبعها حافظ الأسد في الثمانينيات في حماة، حين دمرت أحياء وأقيم مكانها أحياء لا تشبه حماة الحاضرة في ذاكرة من بقوا على قيد الحياة.
فرض العصر على السّاسة استثمار الخوف، وجعله سلعةً يتاجرون فيها لحماية مواطنيهم، في غياب القضايا الكبرى التي تاجر بها الساسة الذين سبقوهم في الحكم، فقد كانت تلك القضايا أربح تجارةٍ بالنّسبة للنخب الحاكمة على طول الوطن العربي وعرضه.
