كبرت ببهجة ناقصة، وبنظرة دونية قاسية للفرح وتفاصيله. أحترف التعامل مع أحزاني وتوترني البهجة والألوان. أفتقد أمّي وحزنها وتناويحها صباحات العيد، كل عيد. وما لا أفتقده حتماً هو رائحةُ الكعك المخبوز؛ تلك التي لم أعتَد شمّها يوماً في بيتنا.
وهي تغادر أدركت أنني أريدها أن تبقى.. وأنني أريد أن يكون عندي أخت "هنا" أنا التي لم تعتد على وجود الأخوات إلا في العطل الصيفية.. لم أتشارك معهن قبلاً بشيء ولا بذكريات يومية.. لم أستعر كما تفعل كل البنات أغراضهن..
كانت الحارة الشعبية مليئة بالأطفال الصغار الحفاة، الذين نادراً ما كانوا يرتدون سراويل أصلاً، وأكثر ما يعلق بذاكرتي الآن، علب "النيدو" وعلب السمنة والزيت التنكيّة الموضوعة على الشبابيك، التي تحولت إلى قوارير مزروع فيها ورد وريحان ونباتات كثيرة لا أعرفها...
كان الموت طيباً، أعطاني الإشارة الى أن الحياة تنساب من بين أصابعي. نجوت من محاولته الأولى إلاّ أنه ترك لي أمراض العائلة. وأنا أنطّ على درجات الثلاثين تسقط حقيبة أدويتي؛ شريطٌ للسكر وآخر للضغط، مميّع للدم وآخر مهدئ للأعصاب...
سيكون المنظر جميلاً وأنا أضع كل الأصدقاء في قفص حديدي، وأرقبهم بفرح وهم يأكلون بعضهم/ ثم أدفن الأحبّة في مقابر جماعية وأنام.. أتلحف عُقدي والأسود وأنام مثل ساحرة عجوز/ وأنا لم أحسم بعد كيف سأنتحر.
لا أتوقف عن التفكير بإمرأة لا أعرفها من تايلاند، كانت حزينة ويائسة لدرجة أن ألقت بنفسها في بركة تماسيح. لم تلبث أكثر من ثلاثين ثانية قبل أن تُصبح أشلاءً في معدة مئة تمساحٍ جائع.
هيا نقفز يا حبيبي، الهاوية جميلة ومغرية.. تعال انظر.. لا نستطيع أن نرى آخرها/ سنظلّ نحلّق الى الأبد.. الهاوية هي الأبد يا حبيبي.. تعال، تعال نقفز.. أو.. فلنتزوج!