حين يقول طفل في التاسعة من العمر "الوطن مبهذل"، تنتابك قشعريرة مريرة وحزن ضارٍ، فالأطفال الذين في مثل عمره لا يتوجّب عليهم أن يعرفوا معنى "البهذلة" لكنّه أصر على تكرارها، "نحن مبهذلون والوطن مبهذل".
تتعامل الشرعية اليمنية، بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، مع اليمن كأنها غير معنيّة به. يتتعرّض اليمن من الشمال حتى الجنوب للخذلان المضاعف، لتكون شرعيّتنا الراعي الأول للخذلان. كما تسيطر كل جماعة على جزء من البلاد، يدوسون عليها كي يرتفعوا.
سعى أصحاب فكرة "عيد موكا" إلى تدشين فعاليات هذا العيد، بجعله يوماً وطنياً من كل عام، وتم اختيار الثالث من مارس لهذا العيد. وبدأ العمل على تنفيذ الفكرة منذ بداية شهر فبراير، عبر مراحل.
في الغد وبعده وإلى الأبد، سنتحدّث عن الثورة كأعظم حدث لليمن في القرن الحادي والعشرين، للشباب تحديدًا، الذين أشرقت ثورة فبراير في عيونهم، واستقرّت في نفوسهم، وإن أعدنا التاريخ ثماني سنوات إلى الوراء لخرجنا مرة أخرى، وطالبنا النظام نفسه بالرحيل.
أتاحت شبكة الإنترنت ومواقع التدوين ووسائل التواصل الاجتماعي ما كان صعبًا ومستحيلا في سالف الأيام. الآن، تستطيع أن تصرح وتكتب وتُعلن، تفتح أبوابًا للحرب وتُغلقها، تنشر الشائعات والتفاهات بضغطة زر من دون عناء يُذكر.
حوّلت الحرب الإنسان اليمني إلى كائن لا يقف إلا في الطوابير، ولا يصرخ إلا هناك، ها هو الفقر يشدّ على يد اليمني ويفزعه كلّما تنفّس، أرهقته الحرب والمرض، ولا بارقة أمل توحي بالنصر القريب، بل ليس هناك سوى الهزيمة.
ستصبح جملة مملة ومستهلكة إذا قلنا إن اليمني عاش أسوأ أيام حياته في السنوات الأخيرة، لكنّها الحقيقة الصادمة، إذا ما تحدّثنا عنها بمنتهى الواقعية. أنت في بلدك، تلك التي كلّما سمعت أحدا يشرّح أحداثها يفيض حزنك، وتتّسع رقعة أوجاعك.
غارات جوية، قذائف حوثية، يموت فيها كثيرون، ويجرح الأكثر، يشجب ويندد أبناء اليمن، لكن لا أحد يودّ سماع ذلك، يغضّون الطرف عن كل هذا الموت، ولا أحد يتوقف أو يتنازل من أجل الآخر.
وضعت رأسي على المقعد، وأنا أرى من النافذة هذه البلاد المُجهَدة، ولم أستوعب كيف أن عظمتها لم تُستغل، ولم تشكِل فارقًا لكل من حكموها، بل على مدى سنوات طويلة، تتعرّض للإفقار، حتى غدت بلادًا منهكة، وفقيرة، تستجدي تعاطف دولٍ كثيرة.
شاءت الأقدار أن تصادف مرحلة الشباب والنشاط والقوة في فترة الثورة، ثم تلتها الحرب، وينبغي منّا أن نقاوم. وهذا ما نفعله بالضبط، نقاوم بطريقةٍ أشبه بالعجز، نحن نقاوم لأنه ما من طريقة أو خيار آخر لنا.