في عالمنا البئيس، ثمة نوعان من البشر، نوع يرى أن النظريات أفكار مقدسة لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها، ونوع ثان يرى كل ما يأتي من بلاد الغرب والفرنجة عدماً وضلالاً.
اقترب حمدوش في سكينة ورهبة والعرق يتصبب من جسده، والهواجس تمزقه: "هل له ذيل؟! أذنان طويلتان؟!"، أسئلة لا تنتهي، كالحطب الملقى في فم اللهب. سمع صوتا خافتا وضعيفا يقول: "اقترب يا عزيزي لا تخف، إنه ابنك، البغال لا تلد الرجال!"
صدى كلماته لا يغادر أذنيها: لا معنى للحياة دونك رقية، ولا أنيس لي بعدك حبيبتي، لقد وثق الله حبنا بميثاقه الغليظ ليلة زفافنا، أن نحيا معاً ونعيش معاً ونمرض معاً ونموت معاً.
عاد المحتل الفرنسي بوجهه القبيح يخفيه وراء لغته الجميلة، لغة الأدب والفنون؛ فسحر بها أعينا وأعمى بها أخرى. فدعي إلى تعليم الفرنسية والتعلم بها، واستهجنت العربية، ونعتت بأسوأ النعوت، وتصدر طابور من العملاء الدعوة، وانخدعت نخب من المثقفين.