يد الزمن ثقيلة وخطواته بطيئة، حين لا يجب أن تكون كذلك، لا تأبه للنائمين في الشارع ولا للمختفين في الأقبية، ولا للاجئين والمنفيين، يده القذرة تفتش أطعمة المسجونين حتى تعافه النفس بحثاً عن رسائل مخبأة، وتسرق أرغفة الخبز من الفقراء وتهددهم بالعطش..
الحرب جملة كاملة غير مفيدة، في اليوم الأخير منها تشرق الشمس، تتوقف الحرب فترجع الكهرباء، ويعود الغائبون وتبدأ الحياة دورتها من جديد، يكمل النائمون أحلامهم ويستأنف الأطفال لعبهم..
بدأت التدخين بإرادتي أثناء تأديتي للخدمة العسكرية، بعد أن تجاوزت العشرين من عمري، أنقطع أحياناً وأعود دائماً، وكنت أخبئ ذلك حتى لا تعرف أمي، لكنها كانت تعرف، ولم تفاتحني في الأمر حتى سافرت بعيدا، وأخي الأكبر لم يرحب في البداية..
حين مات أبي كان بعيدا جدا.. ولم أعرف إلا بعد حلمي بيومين من الإنترنت.. حين مات أبي كان وحيدا جدا.. حين مات أبي لم تكن هناك صور تجمعنا.. حين مات أبي لم أشرب الخمر..
بعد ذلك اللقاء بأيام عثر على جثمان والده في المشرحة، وقتل أخي، "محمد علي" آخر، وهو يبحث عن ولده، قبل أن يعرف مصيره في مذبحة أخرى، وعرفنا لاحقاً أن ابن أخي في السجن.. وصرنا أصدقاء..
علاقتي بالكتب والمكتبات بدأت مبكرا من مكتبة أبي الضخمة التي خصص لها أكبر غرف البيت وأنفق عليها الجزء الأكبر من ثروته، واختص كتبه بالمعاملة الحسنة وحنانه وعنايته ووقته الذي فاق ما كان يمنحه لأبنائه..