أبو سلوم "أبو الفَرْدين"
أهل بلدنا يطلقون على المسدس اسم "الفَرْد"، ربما لأن له فوهة واحدة (مفردة)، بذلك يميزونه على البارودة ذات الفوهتين التي يُقال لها الـ (جِفْتْ)، وهي كلمة تركية (ÇİFT) وتعني المزدوج.. ومن أغرب الألقاب التي أطلقت على "أبو سلوم" بطل حكاياتنا لقب "أبو الفَرْدين".
واضحٌ أن لقب "أبو الفَرْدين" مليء بالاستهزاء، لأن حامل اللقب أبا سلوم لم يكن يمتلك من المال ما يكفي لشراء (سكينة قندرجية) فمن أين يأتي بثمن فَرْدين دفعة واحدة؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات أقول إن "أبو سلوم" اشتغل في ثمانينات القرن العشرين بصفة آذن "فراش" عند الرفيق أمجد في فرع حزب البعث (كما أخبرتكم في تدوينة سابقة)، وكان حزب البعث في تلك الأثناء يتعرض لمؤامرة ثلاثية تشترك فيها الصهيونية مع الإمبريالية العالمية مع الرجعية المحلية، وفي سبيل التصدي للمؤامرة أحدثت القيادة القطرية للحزب مكتباً خاصاً أطلقت عليه اسم "المكتب العسكري"، مهمتُه تزويد الرفاق البعثيين، على اختلاف مراتبهم، بأسلحة فردية، وإخضاعهم لدورات تدريب على السلاح، حتى إذا اعتدى أيُّ (صهيوني - إمبريالي - رجعي) على رفيق بعثي تقدمي، يستطيع الرفيق مقارعة المعتدي، والتمكن منه، وقتله بعون الله تعالى.
وما حصل أن "أبو سلوم" بمجرد ما انتهى اليوم الأول في العمل، وبعد أن قدم الشاي والقهوة ومغليَّ البابونج لضيوف الرفيق أمجد، استغل فرصة اقتراب الانصراف، وأغلق الباب، وقال للرفيق أمجد:
- وأنا كمان بعثي يا رفيق، وعليّ خطر من الإمبريالية، ولازم أشيل فرد، حتى إذا اعتدى علي أي متآمر أفضي مخرن الرصاص كله في رأسه.
ومع أن المكتب كان خالياً، فقد تلفت الرفيق أمجد، واقترب من أبي سلوم وقال له بلهجة تشبه الهمس: تسمح لي أن أعملها عليك وعلى المؤامرة الصهيونية الإمبريالية الرجعية؟
استطاع أبو سلوم أن يمنع نفسه من الضحك من هذا الكلام المفاجئ، ولكنه لم يستطع منع الابتسامة من الظهور على وجهه، وقال له: ليش يا رفيق؟
فقال أمجد: لأن أميركا، زعيمة الإمبريالية، وإسرائيل الصهيونية، ودول الخليج لا تشترينا أنا وأنت وأمين فرعنا، والرفيق دياب الذي يكتب التقارير بالمعلمات لما يمتنعن عن المشاركة في المسيرات بربع دولار.
نتر أبو سلوم دَلَّة القهوة المرة، وسكب في الفنجان قليلاً منها، وقدمه للرفيق أمجد، وقال له: يا رفيق أنا لا أفهم بالسياسة، ولا أعرف مَن هم المتآمرون، ولكن، علي الطلاق بالثلاثة، دائماً بفكر أن شغلتنا كلها زعبرة، يعني متلما قلت جنابك ما في حدا يشترينا بربع دولار. ولكن في شي مهم كتير بالنسبة لي، وهو أن أحمل (فرد) وأمشي به في أزقة ضيعتنا.
ضحك أمجد وقال: بدك تخوف أهل الضيعة؟
قال: أهل ضيعتنا ما بيخافوا. بس الشغلة فيها شوية مظاهر، وخاصة لما بيصير في عرس. وبيني وبينك من مدة كنا بالعرس، وفي ناس طلبوا من "أبو حسين" يصيح لي الموال اللي بيقول "فردك ستندر".. وأبو حسين حط يده على أذنه وصاح:
فردك ستندر يا أبو سلوم - يضرب ضرب روشيش يا ويلي.
وأنا ما معي فرد أقوص به، فخجلت كتير. ووطيت راسي في الأرض.
بترضاها أنت يا رفيقي أنا الرفيق البعثي أخجل وأوطي راسي بالأرض؟
ووقتها ضحك الرفيق أمجد وقال: بدي أعطيك فردين، وبدنا نسميك أبو الفردين. تكرم عينك يا رفيق.