أبو هادي يطلق زوجته
تمكن أصدقاءُ "أبو سمرة" من اقتحام داره، بحيلة تكتيكية ذكية، إذ اصطحبوا معهم ابن خالته أحمد، واختبأوا وراءه، وأحمد طرق الباب، وقال لأم سامر إنه يحمل لها صحناً من القطايف من والدته، فلما فتحتْ دخلوا، وصار لقاء أبو سمرة المتواري عن الأنظار بهم أمراً واقعاً.
في الحقيقة أن هذا الاحتشاد الكبير نَجَمَ عن الضغوط التي مارسها "أبو يعقوب" على الأصدقاء المشتركين بينه وبين أبو سمرة، فقد كان متحرقاً للانتقام منه، لأنه لم يستقبله في داره، وادَّعَتْ والدُته أنه غير موجود، على الرغم من أن صوت العزف على الكمنجة كان مسموعاً من الشارع. والطريف في الأمر أن أبو سمرة عندما أحس بأنه محاصَر لم يستسلم، ولم يعترف بصحة ما رواه أبو يعقوب، بل زاد المسألة تعقيداً عندما قال إن المرأة التي كانت تعزف على الكمنجة، يوم جاء أبو يعقوب لزيارته، ليست والدته!
كان أبو يعقوب جالساً بين الأصدقاء المشتركين، في دار أبو سمرة، وفجأة وقف، ووضع كلتا يديه على رأسه، وصار يصيح: آخ يا يام، راسي، يا جماعة أنا راسي ما عاد يتحمل كذب، عن إذنكم، أنا بدي أمشي، وإنتوا الله يعطيكم العافية، ويكتر خيركم، لأنكم تضامنتوا معي وجيتوا لعند هادا الرجل الكذاب (أبو سمرة).. بس أنا كنت غلطان، وورطتكم معي بالغلط، أنا بعتذر، لأني ما كنت مفكر أنه راح يستمر بالكذب والدجل.
ضحك الحاضرون في سهرة الإمتاع والمؤانسة، وقالت حنان: هادا مشهد كوميدي ممتاز.
عندما وصل أبو سمرة في روايته إلى هنا، قال: بس عن جد يا شباب؟ أبو هادي معه حق يحب زوجته كل هالقد. مَرَا حلوة، وأصيلة، وفوق هادا كله بتدق ع الكمنجة!
أبو المراديس: الحلو في القصة أن الأصدقاء اللي شاركوا في هالعملية عندهم فكرة وافية عن الطرفين المتنازعين، بيعرفوا أن أبو سمرة شخص ظريف، وذكي، وفكه، وصاحب مقالب، وأن أبو يعقوب أحمق، وسريع العطب، وبيخطف الكباية من راس الماعون. منشان هيك مشوا في اتجاه استمرار المشهد، وركض أبو نادر ورا أبو يعقوب، ومسكه، وشده، وخلاه يرجع ع الجلسة وقال له: يا أبو يعقوب، يا حبيب القلب، وحد الله وصلي ع النبي. خلينا نفترض أن نحن هلق في محكمة، والقانون بيقول إنه (البَيّنة على مَن ادّعى)، هلق أبو سمرة ادعى أن المَرَا اللي حكت معك مو أمه، بهالحالة لازم نطالبه بتقديم البينات تبعه، أو متلما بيقولوا الناس، خلينا نلحق الكذاب لورا الباب.
أبو سمرة: الله يسامحك يا أبو نادر، كمان أنت عم تقول عني كذاب؟
أبو نادر: يعني فرضاً، أنا عم قول لأبو يعقوب خلينا نفترض إن أبو سمرة كذاب، ونسمع الموال اللي بده يصيح لنا إياه، وبوقتها منقتنع أو منقول له أنت كذاب. تفضل خيو أبو سمرة، اعتبرنا غشيمين، واشرح لنا القصة متلما صارت، وكيف هاي المَرا أجت على داركم بهداك اليوم؟
أبو سمرة: أول شي أنا لازم أعتذر غيابياً للسيدة أم هادي، عازفة الكمنجة الرائعة، لأني راح أذيع السر اللي وصتني أنه يبقى بيناتنا. يا سيدي دار أم هادي بتبعد عن دارنا شي 800 متر، وأنا بالفعل استغربت كيف مشت فوق الأساطيح لحتى وصلت لعندنا. بحسب ما حكت لي أنه زوجها اشترى للعيال كيلو شاي، وهيي حطته في المطبخ، على البلاطة، دخل إبنها الزغير جَمُّول، وهادا ولد شقي، وقليل تربية، دخل ع المطبخ ومعه بالونة مليانة مَيّ (ماء)، ونقيفة، علق البالونة وسدد عليها بالنقيفة، وضربها، انبعجت البالونة، وانسفحت المي اللي جواتها على كيس الشاي.. أم هادي زوجة صالحة بطبيعة الحال، حطت الشاي في صينية كبيرة، وفرشتها، وحملتها وطلعت على السطح حتى تنشرها في الشمس، منشان الشاي المبللة بالمَيّ تنشف، وبالصدفة كان في عرس، والشباب فرحانين وعم يقوصوا، أم هادي حست بحالها كأنها في معركة، صار الرصاص يمر من جنب أدانيها ويقول وزز وززز.. ومن خوفها أخدت الأرض منبطحاً وصارت تزحف، حتى وصلت لسطوح بيت أبو أيوب، وقفت عليه وصارت تمشي، ومن أسطوح لأسطوح، وصلت لعند الزقاق تبع دارنا، كان قدامها شي مترين، عملت عملية إحماء ونطت، وصلت لأسطوحنا بنجاح، في هاي الأثناء كانوا الشباب المحتفلين بالعرس عم يمشوا في الزقاق، وصاروا قريبين من دارنا، ولسه القواص شغال، ومرة تانية شعرت أم هادي بالخوف، وصارت تتلفت، لقت سلم خشبي مسنود ع الحيط، نزلت لتحت، وإذ هيي في دارنا، صارت تصيح (وينكم يا أهل الدار؟ يا أهل الدار).. أنا وأمي بوقتها ما كنا موجودين، تلفتت أم هادي هيك وهيك شافت الكمنجة معلقة ع الحيط.. وأنت بتعرف يا أخي أبو يعقوب، الإنسان اللي بيعزف على آلة موسيقية بتصير عنده هواية بيسموها "السوسة"، المخلوقة ما تمالكت نفسها فتحت الكمنجة، وضربت القوس ضربتين بـ (القَلْفُونة)، وبلشت تعزف.. هلق أخونا أبو أيوب وبعض الشباب راح يسألوني، إني أنا كيف عرفت بكل هالتفاصيل طالما كنت بره البيت؟
أبو نادر: كيف عرفت؟
أبو سمرة: المسا جينا أنا وأمي ع البيت، ودخلنا على غرفة الجلوس، وما لاحظنا أبداً إنه في شي متغير. بعد شوي اندق الباب، وأجت لعندنا الست أم هادي. أنا سلمت عليها، وكنت بدي أروح على أوضتي، وإذا بتقلي: استنى خاي سامر. عاوزتك. المهم قعدنا، وحكت لنا الحكاية، ومن جملة ما حكت لي إنه في واحد اسمه أبو يعقوب دق الباب، وقال بده أبو سمرة..
أبو يعقوب: يا ياب على هالكذب. أم هادي حكت لك إني دقيت الباب.
أبو سمرة: نعم، وقالت لي: إنته يا أبو سمرة إنسان لطيف، وكلامك كتير مهذب، أما هادا رفيقك أبو يعقوب كتير فاجر. تصور يا عين خالتك، أشو ما قلت له كان يقول لي (إنتي كذابة)، وقال أنا ما بعرف أعزف "بالفلا جمالي ساري" تبع رفيق شكري.. بتعرف أشو كنت بدي أجاوبه؟ كنت بدي أفتح الباب وآخد الكمنجة، وأعزف له أغنية فيروز "يا أهل الدار، طلوا طلوا الحبايب، شعلانة النار والسكر قلبه دايب". بس خفت.
سألتها: من أشو خفتي خالة أم هادي؟
قالت لي: خفت يروح لعند جوزي ويخبره إنه أنا قاعدة في دار ناس غربا وعم أدق ع الكمنجة.. وممكن أبو هادي بوقتها يطلقني، لأنه بعيد عنك، موسوس، وبيحبني كتير، وبيخاف علي.
عندما وصل أبو سمرة في روايته إلى هنا، قال: بس عن جد يا شباب؟ أبو هادي معه حق يحب زوجته كل هالقد. مَرَا حلوة، وأصيلة، وفوق هادا كله بتدق ع الكمنجة!