أحداث بسيطة من أيام رضوى (5)
تجلس رضوى بين بطانيتين، تحمل كأس حليب دافئ وتتأمل الخطوط المتعرجة على السقف وتنصت لصوت البرد في الخارج. أصيبت ذاك اليوم بالرشح، لذلك عادت إلى سَنَتِهَا الثالثة حين كانت تعد لها والدتها حليبا مغليا مع عشبة "فليو".
تشعر رضوى بأن الحليب حلو لمجرد أن العشبة مغلية معه، اختنقت والدتها ضحكا حين أخبرتها وقالت: إنني أضيف له السكر قبل أن أعطيك إياه!
لكن الاعتقاد يظل اعتقادا حين لا يرغب الشخص بالتخلي عنه، لذلك ظل الحليب حلوا دون إضافة سكر.
في ليال باردة كهذه تشعر رضوى بالدفء في المنزل، ليس لأنها بين بطانيتين فقط، بل لأنها تشعر بأنفاسها وأنفاس والدتها مكثفة في الداخل، وكذلك أنفاس البومة التي انتقلت إلى المرآب دون إذن من أحد مصطحبة عائلتها معها.
جلست أم رضوى أمام ابنتها ووضعت علبة أمامها: ما هذا يا أمي؟
- لعبة. ودون انتظار سؤال آخر فتحت العلبة وبدأت ترتب القطع، فهتفت رضوى:
- شطرنج!
- أجل -اتسعت ابتسامة الأم وظهرت تجعيدة خفيفة بجانب فمها واختفت- حين كنت حاملا بك كان الجو باردا، وكنت أختفي بين عدة بطانيات وأشرب الحليب الدافئ المغلي مع "فليو" وألعب الشطرنج مع أبيك.
- أبي؟ كانت رضوى منذهلة من هذه الكلمة، فلم تحاول يوما الحديث عنه معتبرة إياه غير موجود ما دام صمت والدتها لا يسمح لها بالتفكير في فتح حديث عنه.
- أجل، أعتقد أن عدم حديثي عنه بسبب غضبي منه.
- غضبك منه؟
- أجل.
- وما زلت غاضبة منه حتى الآن؟
- أجل.
- لكن، أهو حي حتى تغضبي منه؟
- ألا يمكننا أن نغضب من الأموات؟
- لا أعرف، لكني أجد صعوبة في الاستمرار في الغضب من شخص مات.
- لم؟
- لأنه ما عاد موجودا لتغضبي منه، على الأقل فوق الأرض، ولأنه هناك في أي مكان هو فيه لا يستطيع أن يأتي ويعتذر منك أو يشرح سبب فعلته حتى إن أراد ذلك! وأعتقد أن عزلته من مكان ما ستجعله يفكر كثيرا ويرغب بطريقة أو بأخرى في الاعتذار أو شرح موقفه على الأقل، وعدم قدرته هذه قد يؤلمه، وهذا سبب كاف لكي أتوقف عن الشعور بالغضب تجاهه.
صمتت الأم وحركت الحصان.